q
.د.إالهام عطية عواد

 

يعرف التعايش السلمي عادة بأنه نمط من العيش يسود في مجتمع معين يتم فيه رفض اشكال العنف بصوره المتعددة، او التحريض عليه، وعدم اللجوء اليه لحل كل النزاعات بين الافراد والجماعات ومحكومين، مأسسة الدولة، نشر ثقافة التسامح وقبول الاحزاب وتوفير اشتراطات المشاركة السياسية على الوجه الصحيح.

وقد اصاب المجتمع العراقي بعد الاحتلال عام 2003 اختلال بنيوي ووظيفي، لم تستطيع العملية السياسية المصاحبة له ادارته لينتج لنا في المحصلة النهائية مجتمعنا منقسما تجاه كثيرا من المواقف والاحداث، فضلا عن ذلك القواعد التي وضعتها سلطة الاحتلال التي لم تكن قادرة على فهم واستيعاب طبيعة المجتمع العراقي، واذا اخذنا بنظر الاعتبار وجه النظر التي مفادها ان قوات الاحتلال هي الفاعل الرئيسي في احداث الانقسام، الذي ابتدأ في احداث الانقسام من خلال الموقف الاجتماعي فيه والنظرة المتباينة تجاهه بين مرحب وصامت ورافض، ثم البناء السياسي الذي اقامته، لاسيما مجلس الحكم الذي قسم السلطة على اساس عمودي.

بمعنى النظر الى المجتمع العراقي على انه مجموعة من المكونات، وان التمثيل السياسي لابد وان يعكس من خلال تمثيل هذه المكونات دون النظر الى ابسط مدخلات البناء الصحيح للدولة الحديثة، وهذا ما ادى الى ان يكون الحراك السياسي فيما بعد لعبة صفرية بين الاطراف السياسية قائما بالاساس على مفهوم المكونات، وهو مفهوم مظلل استطاعت من خلاله نخب سياسة قائمة بالأساس على مفهوم الطائفي والعرقي ليكون هو العامل الاساس في عملية الاستقطاب السياسي، مثلما كان مدخلا للعنف الاجتماعي وغطاء أمثل للفساد الذي تحول في العراق من ظاهرة الى بنية ليأخذ شكل المؤسسة الصلدة التي لا يمكن الان ولا في المستقبل المنظور مواجهتها او الحد من قوتها ونفوذها.

ويعد العامل الطائفي وتأثيره وتداعياته على السلم الاهلي والامن الاجتماعي والتي اتخذت ابعاد سياسية واجتماعية واقتصادية، كما تسببت المحاصصة الطائفية بنوع من انعدام الثقة بين اطراف العملية السياسية من احزاب وقوى وتيارات وشخصيات سياسية جعلها تبقي على ميليشياتها وعناصرها المسلحة واستخدامها ضد الخصوم والمنافسين، الامر الذي انعكس سلباً على مجمل العملية السياسية ومصداقيتها لدى الرأي العام العراقي بالاضافة الى تهديدها للسلم الاهلي والامن الاجتماعي.

وكانت من أثاره وصول الامر الى حدوث مايشبه الحرب الاهلية بين (المكونات) العرقية والطائفية خصوصا للفترة من 2005 الى 2007، مما ساعد على انتشار ظاهرة الغلوالدينيالتمحور والاستقطاب المذهبي والطائفي والعرقي والمنطقي الى جانب تناقض واضح في انتشار ممارسات منافية للدين والتقاليد الاجتماعية، مثل بعض الفتاوي التكفيرية والفتاوى المخالفة للدين والاعراف الاجتماعية، مما ادى الى ازدواجية واضحة في سمات الشخصية العراقية تبلورت عبر عشر سنوات تلت التغير في 2003.

والمشكلة الخطيرة التي يعيشها المجتمع العراقي تتمثل في غياب الوعي بطبيعة المخاطر المحيطة بالعراق وتجنب الاعتراف بها، وهو مايعكس حالة من التخبط الكبير التي تسود القيادات السياسية، فكل طرف من الاطراف يحمل في عقليته فكراً احادياً اتجاه الطرف الاخر، بمعنى ان كل طرف يرى انه يمثل الخير والاخر يمثل الشر، وان خطابه السياسي غير قابل للتغير، وإزاء تلك الثنائية التطرفية ثنائية (الخير والشر) التي مزقت المجتمع العراقي.

ولو تطرقنا الى اسباب عدم التعايش او قبول الاخر، فنجد ان التميز او خطاب الكراهية ضد بعض الجماعات يشكل سبب من اسباب عدم التعايش، فعلى سبيل المثال الحديث بخطاب كراهية عن فئة عراقية ما هل يعتبر خطاب كراهية وبالتالي يؤدي الى التميز وتقويض السلم الاهلي ؟ ام انه يمثل راي صاحبه ويعتبر حق من حقوق التعبير عن الرأي ؟ فاذا ما وصفنا طائفة كاملة بكلمات تميزية يؤدي الى تقويض السلم الاهلي. وعدم وجود نظام قانوني يحمي السلم الاهلي ويعزز من التعايش ويحرم كل من يتحدث عن الفئات الاجتماعية أغلبيات واقليات يتعرض للمسألة والملاحقة القانونية من هنا سوف نبني مجتمع خالي من العنف والتعصب.

فضلا عن ان الامر منوط بحراك اجتماعي لتعزيز السلم الاجتماعي والتعايش هذا الحراك ينبغي لا يستبعد احد حتى البنى التقليدية وفي مقدمتها العشائر التي ساهمت فعلا في اخماد الفتنه من خلال امتدادتها المتنوعة، وعلى المجتمع المدني ان يكون فاعلا حقيقياً في صناعة بيئة صالحة للتعايش السلمي.

وما زاد من هذا الوضع هو سقوط ثلث مساحة العراق بيد تنظيم داعش الارهابي، اذ ان اعمال داعش الارهابية كان لها النصيب الاكبر في تقويض التعايش والسلم الاهلي أذ تم تفريغ الكثير من المناطق من سكانها الاصليين وتهجيرهم، كما حدث للتركمان في تلعفر وكركوك وللمسيحيين والشبك في سهل نينوىوالايزيديين في سنجار وللشيعة في صلاح الدين، وفي موازاة الحرب على تنظيم داعش في العراق، تتصاعد وتيرة المخاوف من تغييرات وديموغرافية محتملة ناتجة من عمليات النزوح والتهجير، ستكون تداعياتها، سياسياً طرح مشاريع تقسيمية.

فالتغير الديموغرافي الذي حصل بعد سقوط ثلث مساحة العراق بأيدي تنظيم داعشعلى اعتبار انها خطوة نحو تقسيم البلاد الى (ثلاث دول طائفية) ونحو انهاء التعايش السلمي بين المكونات العراقية والتغير الديموغرافي لم يكن وليد اللحظه، بل هو امتداد للتغير في التركيبة السكانية التي حصلت خلال اندلاع ما سمي (الحرب الطائفية) عام 2005 ولكن بعد احتلال داعش اصبحت هذه المناطق تسكنها طائفة واحدة.

لقد دعم بعض السياسيين الداعيين الى الانفصال التغيير في التركيبة السكانية، لان بعض المحافظات اصبحت تضم لوناً من الطيف العراقي مثل الانبار والموصل، ويوضح هنا ان التعايش بين المكونات العراقية اصبح ينكسر لصالح اجندات وافكار تدعو الى التقسيم والى نبذ الاخر والدفاع عن المكون وليس الوطن.

والان ومابعدداعش يتبادر التساؤل التالي ؟ ماهي العوامل التي تؤدي دورها الى اعادة لم الشمل من جديد وتحقيق سبل التعايش السلمي من جديد، ومن اجل تحقيق ذلك لابد من وضع خارطة طريق لاعادة بناء العراق تبدأ بالاتفاقيات السياسية وسبل تفعيلها للمشهد السياسي من تاثير على الساحة العراقية , ولا بد ان يتبع العراق استراتيجية فاعلة من التعليم والتعلم لاعادة تربية جيل ناشىءيعتمد مبدأ التسامح وقبول الطرف الاخر، فضلاً عن ايجاد حل لمشكلة الاربع مليون نازح وهو موضوع مهم مرتبط بالتعايش السلمي.

اما على الصعيد الاخر فلابد من التفرقة بين النص الديني والحدث التأريخي ويعتبر النص الديني تفسيراً علمياً يراعي فيه مبدأ الحوار والبرهان ولابد ان يكون للمرجعيات الدينية دوراً في اشاعة روح التسامح والاخوة بين اطياف المجتمع العراقي كافة.

ولمنع استغلال الثنائية والتعددية التي يتمتع بها المجتمع العراقي واستخدامها كعاملين مساعدين على التوتر وعدم الاستقرار، لابد من اشراك المجتمع العراقي عن طريق تحسين العلاقة القائمة بينه وبين السلطة بحيث تكون علاقة مبنية على ثقة متبادلة بما يؤدي الى تقوية بنية الدولة العراقية في مواجهة تحديات المخاطر الداخلية والخارجية والتاكيد على مفهوم الهوية الوطنية وهذه هي مهمة المثقف العراقي. فالمثقف اليوم عليه دور كبير في دراسة الواقع العراقي ورفد الحركة الوطنية.

........................................

* بحث مقدم لمؤتمر الاستقرار الأمني والمجتمعي في العراق لمرحلة ما بعد داعش، الذي عقد من قبل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جامعة بغداد، وبالتعاون مع مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام بتاريخ 23/10/2017.

اضف تعليق