مع التقدم الحثيث في مجال الليزر العسكري، يبدو أن مستقبل الحروب سيعتمد أكثر على الطاقة الموجهة بدلًا من الذخائر التقليدية. ومع انخفاض الكلفة، وسرعة الأداء، والقدرة على إطلاق عدد غير محدود من الضربات، تبقى الأسلحة الليزرية مرشحة بقوة لأن تكون السلاح الفاصل في النزاعات المقبلة. لكن من سيتحكم أولًا...
تُظهر الصين من خلال التطورات التكنولوجية المتلاحقة قدرتها على إعادة تشكيل موازين القوى العسكرية والتقنية، في وقت تتسارع فيه وتيرة الابتكار عالميًا. وبينما تعزز تايوان مناعتها الدفاعية بمساعدة حلفائها، يبدو أن سباق تسلح الليزر يشهد فصلًا جديدًا سيؤثر في مستقبل الأمن والتوازن الجيوسياسي حول العالم.
فقد أعلن باحثون صينيون عن تحقيق "اختراق هائل" في تطوير تكنولوجيا الأسلحة الليزرية، متجاوزين أكبر التحديات التقنية التي كانت تعيق فاعلية هذه الأسلحة، ما قد يمنح بكين ميزة عسكرية تقلق الدول الغربية.
وفي خطوة لافتة، أعلنت تايوان عن اقترابها من اختبار مدفع ليزر عالي الطاقة، يُسمى رمزيًا "مشروع الحماية من الصواعق"، من تطوير المعهد الوطني تشونغ شان للعلوم والتكنولوجيا (NCSIST). وأشارت التقارير إلى تلقي تايوان دعمًا فنّيًا من "دولة صديقة" لم تُكشف هويتها.
في مجال آخر، أعلن باحثون من جامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية عن تطوير تقنية جديدة لرصد التفاصيل الصغيرة، مثل الحروف بحجم مليمتر، من مسافة تقارب 0.85 ميل، باستخدام طريقة تعتمد على قياس التداخل الشدي.
"اختراق هائل" في تكنولوجيا الأسلحة الليزرية يثير القلق الغربي
أعلن باحثون صينيون عن تحقيق اختراق تقني كبير في مجال تكنولوجيا الأسلحة الليزرية، حيث تمكنوا من تجاوز أكبر التحديات التي تواجه هذا النوع من الأسلحة، وهو التراكم الحراري الذي يعيق أداء الليزر عالي الطاقة. ويُعتقد أن هذا التقدم قد يمنح بكين ميزة عسكرية استراتيجية مقلقة بالنسبة للغرب.
تعمل الصين على تطوير أسلحة ليزرية متقدمة يُمكن أن تستبدل بها أنظمة الدفاع الجوي التقليدية، بحيث تكون قادرة على تعطيل أو تدمير الصواريخ، والطائرات المسيّرة، والمقاتلات. غير أن هذه الأنظمة تواجه مشكلة تراكم الحرارة عند إطلاق الليزر لفترات طويلة، مما يسبب اضطرابات تقلل من كفاءة أدائها وتمنع استخدامها المتواصل.
ووفقًا لما نقلته صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست، وهي صحيفة ناطقة بالإنجليزية مقرها هونغ كونغ، فقد تمكن فريق من الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع في مدينة تشانغشا، مقاطعة هونان، من تطوير تقنية متقدمة لتبريد الليزر. تسمح هذه التقنية بسحب الحرارة المتولدة داخل النظام الليزري وتقليل الاضطرابات والاهتزازات، وهو ما يُمكِّن من إطلاق مستمر لأشعة الليزر دون انقطاع.
في هذا السياق، قال العالم المتخصص في أسلحة الليزر، يوان شينغفو، في ورقة بحثية نُشرت في أغسطس/آب في المجلة الصينية المحكمة أكتا أوبتيكا سينيكا:
"هذا إنجاز هائل في تحسين أداء أنظمة الليزر عالية الطاقة. إذ يمكن إنتاج أشعة ليزر عالية الجودة ليس فقط في الثانية الأولى، بل يمكن الحفاظ عليها أيضًا إلى أجل غير مسمى."
وذكرت صحيفة بكين تايمز أن القدرة على تشغيل الليزر دون توقف ستؤدي إلى توسيع مداه وزيادة إمكانياته العسكرية، كما ستُقلل من الأعطال ومشاكل الصيانة. وقد أُجري تدريب بالذخيرة الحية في مقاطعة قويتشو في أبريل 2022، استخدمت فيه القوات الخاصة الصينية نظامًا ليزريًا مضادًا خلال سيناريو مواجهة ميداني، مما يعكس مدى جدية هذه الاختبارات العسكرية.
الولايات المتحدة تراقب بقلق
بالتزامن مع هذه التطورات، تزايدت المخاوف الغربية، لا سيما في الولايات المتحدة، بشأن التقدم السريع للصين في المجالين العسكري والاستخباراتي. فقد أصدر البيت الأبيض أمرًا تنفيذيًا يقيد استثمارات الشركات الأمريكية في القطاعات التكنولوجية الحساسة بالصين، مثل الإلكترونيات الدقيقة، الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية.
ووفقًا لما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال، نقلاً عن تقرير لمركز أبحاث أسترالي، فإن الصين تتفوق في 37 من أصل 44 مجالًا تقنيًا حيويًا. كما أن عدد براءات الاختراع الصينية يتفوق على نظيره الأمريكي بحسب وكالة تابعة للأمم المتحدة. وأضافت البيانات أن الأبحاث الصينية ظهرت أكثر من الأبحاث الأمريكية ضمن أعلى 1% من المنشورات العلمية الأكثر استشهادًا بين عامي 2018 و2020، بحسب إحصاء أجراه معهد حكومي ياباني.
تايوان تدخل السباق بأسلحة ليزر متطورة
وفي تطور متصل، أعلنت تايوان عن تطوير سلاح ليزر عالي الطاقة مثبت على مركبة، أطلقت عليه اسم "مشروع الحماية من الصواعق"، وقد دخل هذا السلاح مرحلة الاختبار القريب. وأشارت صحيفة ليبرتي تايمز إلى أن هذا التقدم تحقق بفضل التوجيه الفني من "دولة صديقة" لم يُكشف عنها.
السلاح طوره المعهد الوطني تشونغ شان للعلوم والتكنولوجيا (NCSIST)، وهو جهة حكومية تايوانية مسؤولة عن تطوير الأسلحة. ويبلغ ناتجه 50 كيلوواط، وهو ما يجعله مكافئًا للنموذج الأمريكي من سلاح DE M-SHORAD المثبت على مركبات سترايكر، والذي تم نشره مؤخرًا في الشرق الأوسط لاختباره تحت ظروف مناخية قاسية مثل العواصف الرملية.
وعززت تايوان جهودها الدفاعية في السنوات الأخيرة في ظل التهديدات المتزايدة من الصين، بما في ذلك رفع ميزانيتها الدفاعية، وبناء أول غواصة محلية الصنع من بين ثماني غواصات مخططة. وتؤكد حكومة الحزب الشيوعي الصيني أن تايوان تابعة لها، رغم أنها لم تمارس حكمًا مباشرًا على الجزيرة.
ويُتوقع أن يساهم المدفع الليزري التايواني في تعزيز الدفاعات الجوية عبر دمجه مع أنظمة مثل صواريخ "أفنجر" الأمريكية، لتوفير مواجهة فعالة ضد الصواريخ والطائرات المسيّرة مع تقليل الأضرار الجانبية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول تايواني أن هذه التقنية المتوسطة الطاقة تُعد تطورًا مهمًا على مستوى الجاهزية الميدانية.
وقد أشارت تقارير الأسبوع الماضي إلى أن شركة NCSIST التايوانية حصلت على عقد لتطوير سفن سطحية غير مأهولة (USVs)، مُحمّلة بالمتفجرات، يمكن نشرها كتكتيك دفاعي لمواجهة غزو محتمل من الصين.
قراءة النصوص من مسافة ميل
في مجال آخر غير عسكري، أعلن باحثون من جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين عن تطوير نظام ليزري قادر على قراءة النصوص الدقيقة من مسافة تصل إلى 0.85 ميل، بدقة أعلى مما تتيحه الأجهزة البصرية التقليدية.
يُستخدم النظام تقنية تُعرف بـ"قياس التداخل الشدي"، وهي طريقة مأخوذة من علم الفلك الراديوي، تعتمد على قياس تقلبات شدة الضوء في تلسكوبين منفصلين، مما يسمح بإعادة بناء صورة مفصلة للغاية للأجسام الصغيرة، حتى لو لم تكن مضيئة ذاتيًا مثل النجوم.
يُسلط الليزر على الهدف (مثل حروف لا يتجاوز عرضها مليمترًا)، وتُسجل تلسكوبات شدة الضوء المنعكس. بدلاً من التقاط الضوء مباشرة من الجسم، يتم قياس كيفية تشتت الضوء في المحيط، ثم تُستخدم هذه البيانات لإعادة بناء الصورة بدقة عالية.
وقد استطاع الفريق بهذه الطريقة تحديد حروف عرضها أقل من عرض رأس قلم رصاص من مسافة تقارب الميل، محققين بذلك تحسنًا في الدقة المكانية بمقدار 14 ضعفًا مقارنة بالتلسكوبات التقليدية.
وصرّح بول ماكمانامون، مدير معهد ليدار والاتصالات البصرية بجامعة دايتون، أن هذه التقنية تُعد اختراقًا مثيرًا، خصوصًا لإمكانية استخدامها في المراقبة الدقيقة والتفتيش الهندسي والبناء، لكنها قد لا تكون مناسبة لمهام سرية مثل التجسس، لأنها تتطلب تسليط ضوء مباشر على الهدف.
تاريخ تكنولوجيا الليزر
بدأ تطوير أسلحة الليزر في ستينيات القرن العشرين. وتقوم هذه الأنظمة على تحويل الطاقة إلى أشعة ضوئية تُطلق بسرعة الضوء. لكنها لطالما واجهت صعوبات تتعلق بقدرتها المحدودة على العمل المستمر، ومدى التأثير الفعلي للشعاع، الذي لم يكن يتجاوز بضعة أميال في أغلب التطبيقات.
تعمل أشعة الليزر عالية الطاقة من خلال إثارة الذرات أو الجزيئات في وسط معين – سواء كان بلورة أو غازًا – إلى حالة طاقة عالية، ثم تعود إلى حالتها الأصلية مُطلقة فوتونات تُضخَّم عبر التغذية الراجعة البصرية. غير أن شعاع الليزر عندما ينتقل يُسخِّن الغازات المحيطة، ما يؤدي إلى اضطراب شعاعه وفقدان دقته، وهو ما نجح الباحثون الصينيون أخيرًا في تجاوزه.
تُعد أسلحة الليزر منخفضة التكلفة مقارنة بالصواريخ الاعتراضية التقليدية. فمثلاً، تُقدّر تكلفة كل ضربة من النظام الليزري الإسرائيلي "الشعاع الحديدي" بنحو 3 دولارات فقط، مقابل أكثر من 40 ألف دولار لصاروخ "تامير" ضمن منظومة "القبة الحديدية".
ما هي الأسلحة الليزرية؟
الأسلحة الليزرية هي أنظمة تستخدم أشعة ضوئية عالية الطاقة موجهة نحو هدف معين، بهدف تعطيله أو تدميره من خلال الحرارة الشديدة والتركيز الدقيق للطاقة. وتعمل هذه الأسلحة بسرعة الضوء، ما يمنحها ميزة استباقية يصعب التصدي لها بالوسائل التقليدية.
تُنتج الأسلحة الليزرية شعاعها عن طريق إثارة الذرات أو الجزيئات داخل مادة نشطة إلى حالة طاقة مرتفعة، قبل أن تطلق فوتونات يتم تضخيمها داخل تجويف بصري باستخدام مرايا دقيقة. عند توجيه الشعاع نحو الهدف، تتولد حرارة شديدة في نقطة التصادم تُحدث أضرارًا مدمّرة.
أنواع الأسلحة الليزرية
وفقًا للتقارير العسكرية، تشمل الأنواع الأساسية ما يلي:
ليزر الحالة الصلبة: يعتمد على البلورات ويُستخدم في الأسلحة المحمولة.
الليزر الكيميائي: يولد طاقته من تفاعل كيميائي، لكنه معقد وخطير.
ليزر الألياف البصرية: يوفر جودة شعاع ممتازة ويتميز بالكفاءة.
الليزر المُضخ بواسطة ديودات: شائع الاستخدام بسبب بساطته وكلفته المنخفضة.
المزايا العسكرية
تمنح الأسلحة الليزرية قدرات غير مسبوقة للجيوش الحديثة، أبرزها:
الضرب الفوري بسرعة الضوء.
دقة استهداف عالية تقلل من الأضرار الجانبية.
تكلفة تشغيل منخفضة، إذ لا تتطلب ذخائر مادية.
إمكانية إطلاق غير محدود طالما وُجد مصدر طاقة.
صعوبة الاعتراض بسبب عدم وجود جسم مادي يمكن تعقبه.
التحديات التقنية
رغم مزاياها، تواجه الأسلحة الليزرية تحديات مهمة أبرزها:
توفير مصادر طاقة ضخمة ومستقرة.
إدارة الحرارة الناتجة عن التشغيل المستمر.
تقليل أثر اضطرابات الجو مثل الغبار والرطوبة.
محدودية المدى مقارنة بالصواريخ التقليدية.
تقدم عالمي في تطوير هذه الأسلحة
تشير تقارير أمنية إلى أن الولايات المتحدة والصين وإسرائيل تتصدر الدول المطوّرة لهذه التكنولوجيا. ففي حين تعمل الولايات المتحدة على أنظمة مثل LaWS وDE M-SHORAD، أعلنت الصين مؤخرًا عن "اختراق هائل" يُمكّن أنظمة الليزر من العمل دون توقف، مما يزيد من قدرتها التدميرية وفعالية استخدامها في ميدان المعركة.
في إسرائيل، طُوّر نظام "الشعاع الحديدي"، الذي تبلغ تكلفة إطلاقه نحو 3 دولارات فقط، مقارنة بـ40 ألف دولار لصواريخ منظومة "القبة الحديدية".
وفي تايوان، أفادت صحيفة "ليبرتي تايمز" أن المعهد الوطني لتكنولوجيا الدفاع يعمل على تطوير مدفع ليزري عالي الطاقة ضمن مشروع "الحماية من الصواعق"، بدعم فني من "دولة صديقة" غير معروفة.
استخدامات محتملة مدنية وعسكرية
تتنوع مجالات استخدام هذه التكنولوجيا، ومنها:
الدفاع الجوي ضد الصواريخ والطائرات المسيّرة.
الحماية القريبة للقواعد العسكرية والمنشآت الحساسة.
إبطال مفعول الألغام والمتفجرات.
الرصد والاستشعار البصري المتقدم.
مراقبة الحياة البرية والبنى التحتية (في التطبيقات المدنية).
الخلاصة
مع التقدم الحثيث في مجال الليزر العسكري، يبدو أن مستقبل الحروب سيعتمد أكثر على الطاقة الموجهة بدلًا من الذخائر التقليدية. ومع انخفاض الكلفة، وسرعة الأداء، والقدرة على إطلاق عدد غير محدود من الضربات، تبقى الأسلحة الليزرية مرشحة بقوة لأن تكون السلاح الفاصل في النزاعات المقبلة.
لكن يظل السؤال قائمًا: من سيتحكم أولًا في هذه التقنية على نطاق استراتيجي؟ وهل سيُعاد تشكيل توازن القوى العسكرية في العالم من خلال شعاع ضوء؟
اضف تعليق