يواجه الرئيس السوداني عمر البشير الذي يحكم البلاد منذ 30 عاما، تحديات كبيرة بسبب استمرار الاحتجاجات الشعبية، التي خرجت للمرة الأولى في 19 ديسمبر كانون الأول وكما نقلت بعض المصادر بسبب ارتفاع أسعار الخبز، أحد نتائج أزمة اقتصادية عميقة بدأت مع انفصال الجنوب بعد استفتاء في 2011...

يواجه الرئيس السوداني عمر البشير الذي يحكم البلاد منذ 30 عاما، تحديات كبيرة بسبب استمرار الاحتجاجات الشعبية، التي خرجت للمرة الأولى في 19 ديسمبر كانون الأول وكما نقلت بعض المصادر بسبب ارتفاع أسعار الخبز، أحد نتائج أزمة اقتصادية عميقة بدأت مع انفصال الجنوب بعد استفتاء في 2011، آخذا معظم الثروة النفطية معه. وتسببت حملة القمع التي شنتها السلطات ضد المحتجين في تأجيج الغضب.

ويقول مسؤولون إن ما لا يقل عن 24 شخصا قتلوا وأصيب مئات آخرون. أما النشطاء فيقولون إن عدد القتلى لا يقل عن 40. وعلى الرغم من أن الاحتجاجات محدودة النطاق فإنها لا تظهر أي علامة على النهاية، بل إن كثيرا من المتظاهرين يسعون لتغيير النظام. وردد المحتجون شعار انتفاضات الربيع العربي الأثير ”الشعب يريد إسقاط النظام“. ويقول المحتجون إن السودان، الذي كان ينظر إليه في وقت من الأوقات باعتباره سلة الخبز للعالم العربي، تحول إلى دولة فاشلة جراء سنوات من سوء الإدارة. ويحملون البشير مسؤولية انفصال الجنوب ووضع السودان على القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.

وهذه هي أطول الاحتجاجات في عهد البشير. وكان عشرات الأشخاص قتلوا في غضون أيام قليلة في سبتمبر أيلول 2013 خلال احتجاجات أطلق شرارتها خفض دعم الوقود. وذكرت السلطات أن القتلى 84 لكن جماعات حقوقية قالت إن نحو 200 لقوا حتفهم. وفي يناير كانون الثاني من العام الماضي، شهد السودان احتجاجات أشعلها خفض الدعم لكنها لم تدم طويلا. وأنحى الرئيس البالغ من العمر 75 عاما باللائمة في الاحتجاجات على ”عناصر“ أجنبية وتحدى منافسيه أن يبتغوا للسلطة سبيلا عبر صندوق الاقتراع.

وقال المحلل السياسي السوداني محمد عثمان ”لم تعد احتجاجات بعد. فهي تقريبا ثورة مكتملة الأركان“. وأضاف أن نطاق الاحتجاجات لم يسبق له مثيل. وتابع قائلا ”دوائر عدة تتجمع ضد نظام البشير من أجل إحداث تغيير جذري“. وما أغضب المحتجين أيضا هو نقص السيولة بسبب القيود على السحب التي تستهدف الإبقاء على الأموال في البنوك، التي تجد هي نفسها صعوبة في توفير السيولة.

الحكومة لن تتغير

وفي هذا الشأن قال الرئيس السوداني عمر البشير مجددا إنه لن يتنحى بعد احتجاجات عنيفة مستمرة منذ أسابيع ومطالب له بأن يترك السلطة بسبب الأزمة الاقتصادية المتزايدة. وقال البشير ”الحكومة لن تتغير بالمظاهرات“. وأضاف ”نحن قلنا لدينا مشكلة اقتصادية... ولن تحل بالحرق والتخريب“. وقالت الحكومة الأسبوع الماضي إنها اعتقلت أكثر من 800 شخص منذ بدء الاحتجاجات ويقول نشطاء في مجال حقوق الإنسان إن المعتقلين ناشطون سياسيون وأعضاء في المجتمع المدني وصحفيون.

وفي وقت سابق هذا الشهر، دعت لجنة حماية الصحفيين السلطات السودانية إلى إطلاق سراح ثلاثة صحفيين على الأقل اعتقلوا بعد نشر مقالات تؤيد الاحتجاجات. وكانت لجنة حماية الصحفيين قالت في وقت سابق إن السلطات السودانية تحاول فرض الرقابة على التغطية الإخبارية للاحتجاجات. وحجبت السلطات السودانية منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة على الانترنت. وفي كلمة في الخرطوم تحدى البشير معارضيه في الفوز عليه في صناديق الاقتراع واتهم قوى أجنبية لم يسمها بإثارة الاحتجاجات المستمرة بشكل شبه يومي منذ أسابيع بسبب الخبز ونقص العملة. والبشير مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التدبير للإبادة الجماعية في إقليم دارفور وهي الاتهامات التي ينكرها.

ومنذ استقلال السودان عام 1956، وصل حكام شموليون أُنحي باللائمة عليهم في بعض من أسوأ أزمات السودان إلى السلطة عبر انقلابات عسكرية. وتدخل الجيش أيضا مرتين على الأقل في 1964 و1985 لمساندة انتفاضات شعبية تطالب بالتغيير. لكن البشير سعى على مدار الثلاثين عاما الماضية إلى شغل المناصب الرئيسية في الجيش وأجهزة الأمن المختلفة بأعضاء من حركته الإسلامية.

ومع ذلك تنظر أحزاب المعارضة السودانية إلى الجيش باعتباره هيئة مقبولة لقيادة فترة انتقالية لحين تنظيم انتخابات. وفي حين أن القادة العسكريين الذين أحدثوا تغييرا إيجابيا في السودان من قبل لم يكونوا شخصيات عامة، فإن بكري حسن صالح، نائب البشير، وهو قائد سابق في الجيش يمكن أن يشغل أي فراغ يخلفه الرئيس. ويقول خبراء محليون إن رئيس المخابرات صالح عبد الله محمد صالح، والمعروف أيضا باسم صالح قوش وهو إسلامي لديه نفوذ واسع في السودان، هو مرشح محتمل آخر لكنه ليس لديه خلفية عسكرية مما قد يقلل من فرصه.

ويشير الخبراء إلى أن أسوأ الاحتمالات قد يكون تمردا أو انشقاقا في القوات المسلحة إذا طُلب من الجيش سحق الاحتجاجات. ويقولون إن البشير، الذي يواجه شبح المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي كمجرم حرب عن جرائم مزعومة ضد الإنسانية في دارفور، سيقاوم على الأرجح أي محاولة للإطاحة به من السلطة، وهو ما قد يهوي بالسودان إلى حرب أهلية. ويعاني السودان منذ فترة طويلة عزلة جراء العقوبات الاقتصادية والتجارية الأمريكية، التي فرضتها الولايات المتحدة عليه للمرة الأولى عام 1997 بعد قليل من إيوائه زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن. ورفعت واشنطن العقوبات عام 2017. بحسب رويترز.

ويسعى البشير لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة بعرض التعاون الأمني لكنه يخطب أيضا ود روسيا. وأرسل قوات لدعم تحالف تقوده السعودية لمحاولة الحد من النفوذ الإيراني في اليمن. بيد أن السعودية والإمارات متباطئتان في تقديم المساعدة للسودان لارتيابهما في صلاته بمنافستهما الخليجية قطر وكذلك تركيا التي لديها موطئ قدم في جزيرة سواكن السودانية على البحر الأحمر. والسودان أيضا قوة رئيسية في القرن الأفريقي، وهي منطقة تتنافس فيها القوى الدولية على النفوذ. كما أن السودان، البلد المترامي الأطراف الذي يسكنه 40 مليون نسمة، طريق رئيسي لعبور المهاجرين الأفارقة الساعين للوصول إلى البحر المتوسط في طريقهم إلى أوروبا.

إصلاحات أو إنقاذ مالي

من جانب اخر قال خبراء اقتصاديون ومصرفيون إنه يجب على السودان تنفيذ إصلاحات جذرية أو طلب إنقاذ مالي من دول صديقة لانتشال اقتصاده من المنحدر الذي ساعد في إطلاق احتجاجات واسعة تهز البلاد حاليا. وتواجه الحكومة عجزا كبيرا في الميزانية بسبب تكلفة دعم الوقود والخبز ومنتجات أخرى. ولتغطية هذا العجز، فإنها عمدت إلى توسيع المعروض النقدي. لكن هذا ساهم في انخفاض قيمة العملة، مما تسبب في صعود حاد للتضخم وهبوط كبير في قيمة الجنيه السوداني، وهو ما دفع بدوره تكلفة الدعم للارتفاع وتسبب في زيادة العجز.

وأثارت محاولات لرفع أسعار الخبز والوقود بهدف تقليص تكلفة الدعم احتجاجات. وقال مصرفي سوداني طلب عدم نشر اسمه ”الاضطرابات في الوقت الحالي، وكل ذلك الذي يجري، لا يعدو أن يكون انعكاسا لتراكم الفقر وبقاء الرواتب كما هي واستمرار ارتفاع الأسعار“. وأضاف قائلا ”لا أحد، ولا حكومة، يمكنها مواصلة ذلك“. وقال ثلاثة مصرفيين في الخرطوم إن نقص أوراق النقد يرجع إلى أسباب من بينها تعطل ماكينة طباعة الأوراق النقدية الوحيدة في البلاد في أوائل 2018، مما ترك البنك المركزي يسارع إلى طلب أوراق نقدية من الخارج. ويقف العملاء في طوابير لساعات أمام البنوك وماكينات صرف النقود.

وقال مصرفي إن فضائح علنية في بنكين منفصلين فاقمت المشكلة، مما تسبب في تدافع محدود على سحب الودائع من البنوك في النصف الثاني من 2018. وقال مصرفي آخر إن ارتفاع التضخم أدى إلى قيام العملاء بإفراغ حساباتهم والبحث عن استثمار آخر. وتظهر بيانات رسمية أن التضخم ارتفع إلى نحو 70 بالمئة في نوفمبر تشرين الثاني. ويقدر ستيف هانكي الخبير في العملات المتعثرة لدى جامعة جونز هوبكنز أن معدل التضخم السنوي الفعلي بلغ 91 بالمئة في 15 يناير كانون الثاني على أساس سعر الصرف في السوق السوداء وتعادل القدرة الشرائية.

ويعني ذلك أن معدل التضخم على أساس شهري يقل كثيرا عن 50 بالمئة وهو معيار للتضخم الجامح. لكن هانكي يقول إن التضخم ما زال مرتفعا على نحو مقلق، مع معاناة فنزويلا وزيمبابوي والأرجنتين فقط من زيادات أكبر في الأسعار. وقال ”هم يواجهون مشكلة في خفض الدعم، ولا يمكنهم الذهاب إلى سوق السندات الدولية للحصول على المال... لذا هم يقومون بشكل أساسي بتشغيل ماكينة طباعة النقود“.

والبنوك السودانية ملزمة باتباع قواعد التمويل الإسلامي، التي تحظر الفائدة، وهو ما يقيد حجم الأموال التي يمكن للحكومة أن تجمعها محليا من خلال أذون الخزانة والسندات التقليدية. وفي العادة، تلجأ الدول التي تقع في مثل هذا المأزق الخطير إلى صندوق النقد الدولي للحصول على الدعم في الوقت الذي تنفذ فيه الخطوات المؤلمة التي يطالب بها لتصويب أوضاعها المالية. بحسب رويترز.

لكن واشنطن تدرج السودان كدولة راعية للإرهاب وتعهدت باستخدام حق النقض ضد أي طلب للمساعدة تقدمه الخرطوم إلى صندوق النقد لحين امتثالها لسلسلة من المطالب السياسية والإنسانية والأمنية. وعلى مدى سنوات، تراكم على السودان أيضا عبء دين خارجي معرقل يزيد عن 50 مليار دولار، معظمه مستحقات متأخرة بما في ذلك 1.3 مليار دولار مُستحقة لصندوق النقد، وفقا لتقرير صادر عن الصندوق في نوفمبر تشرين الثاني 2017. ومنذ انخفاض أسعار النفط في 2014، كان لدى دول الخليج العربية، الداعم التقليدي للخرطوم، موارد أقل لتقديم إنقاذ مالي للسودان. وقال مصرفي ثالث ”ما لم يحصلوا على نوع من التمويل الخارجي، سيكون إلغاء الدعم بمثابة انتحار (للحكومة)...هم بحاجة إلى برنامج إصلاح جذري“.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
أحبائي
أكره حديث السياسة لكن لي هذا الأمر كلمتين
مضت هوجة الرؤساء الذين يسقطهم هتافات متظاهرين
هذه العملية مولها جورج سورس اليهودي الصهيوني ضد العرب المتمردين
ولذلك لم تظهر في آسيا أو أفريقيا التي تعاني الفقرالمدقع والجوع بشكل مهين
وقد نجح عملاء الصهيونية في بعض الدول وخربوها بالفعل وأخروا العرب لسنين
وأقول رأيي صراحة ..البشير لن يسقط ولو استمرت المظاهرات ومات فيها الملايين
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات...مركز ثقافة الألفية الثالثة2019-01-23