مداواة سفاهة السفهاء

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

الجهلاء الذين يتعاطون المحرّمات لجهلهم وسفاهتهم، فإن تبعة الذنوب تقع على أنفسهم ولكن إذا لم يكونوا عالمين لجهل ما ولسفاهتهم فإنّ تبعة ذنوبهم تقع على العالم الذي لا يظهر علمه لهم والذي ينبغي أن يعلمهم وينتشلهم من ظلمات الجهل...

(بمقدار ما للعالِم من رقي وعظمة عند الله يجب عليه تقويم انحراف الجهلاء)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

السفيه ببساطة شديدة هو الجاهل الذي لا يعرف الأشياء، ويجهل ماهيّتها، فلا يفهما ولا يمكنه التعامل معها بشكل صحيح، كونه يجهلها، أما مفردة المداواة فتعني المعالجة أو المكافحة والتصحيح، وجملة (مداواة السفاهة)، تعني معالجة الجهل، ومعنى هذه الجملة واضح جدا، والهدف منه أيضا واضح، كما أننا يمكن أن نحدد من هو المسؤول عن هذا النوع من المعالجة والمكافحة والتصحيح.

فالمسؤول الأول عن مداواة السفهاء هم العلماء، لأن العالِم عكس السفيه تماما، لذا فهو مؤول عن معالجة جهلهِ والقضاء عليه من خلال تنويره، ورفع الحُجُب والأغلال والضلال الذي يغلّف عقله، وذلك بالعلم الذي يحمله العالِم، حيث تترتب عليه مسؤولية تعليم وتنوير الإنسان الجاهل، ونقله من السفاهة إلى العلم والمعرفة.

لهذا السبب فإن هنالك الكثير من السفهاء ينتقلون من حالة السفاهة إلى فيوض العلم والمعرفة، بسبب قيام العالِم بمسؤوليته، وتصدّيه لمهمة رفع طبقات الجهل عن عقل السفيه، حيث يعمل العالِم بمسؤوليته و واجبه فيمنح الجاهل بدفقات من نور العلم، ويجعله عارفا بالأشياء والأمور الحياتية المختلفة فلا يجهل ما يدور حوله في الحياة.  

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يذكر في سلسلة نبراس المعرفة بمحاضرة عنوانها (مسؤوليتنا في إظهار العلم) ويقول:

(هناك الكثير ممن يخرجون من الضلال إلى الهدى فيما إذا عمل العالم بعلمه وقام بمسؤوليته).

هذا الأمر يؤكد بأن وجود السفهاء بأية نسبة كانت في المجتمع، يعود إلى نوع من التقصير في تبصيرهم، وإزاحة طبقات الجهل عن عقولهم، وتخليصهم من حالة السفاهة التي تهيمن عليهم لعدة أسباب، فقد يكون بعض الناس عاجزين عن الحصول على فرصة التنوير لأسباب خارجة عن إرادتهم، وقد يكون السبب ذاتي يعود إلى تقاعسهم.

ولكن في كل الأحوال إذا كان هناك نسبة من السفهاء الجهلاء في المجتمع، فإن من أكثر الأسباب أن العالِم لم يقم بدوره كما يجب في مداواة ومعالجة حالة السفه التي يعاني منها بعض الناس، لهذا فإن المسؤولية على العلماء كبيرة، ولا يمكن إعفاء صاحب المعرفة والتنوير من مهمة معالجة الجهل في المجتمع.

لماذا يبقى الآخرون على ضلالهم؟

لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله على أن: (العلماء لديهم مسؤولية كبيرة تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين في بقاء بعضهم على سفاهتهم وضلالهم).

وكما هو معلوم فإن قيمة ومكانة العالِم عند الله تعالى كبيرة وعالية وعظيمة، كونه هو الإنسان الذي يساعد من لا يعلم فيجعله على علم بالأشياء التي كان يجهلها، فيبعد عنه السفاهة، ويجعله قادرا على التشخيص المعرفي القويم، ويفرق بين ما يضرّ وما ينفع، وهذه كبيرة جدا عند الله تعالى، لأنه خلق الإنسان حتى يعلم ويتعلم ويعلّم.

لذا في حال لم يقم العالِم بدوره في مداواة السفاهة، فإن مكانته تقل، وعظمة هذه المكانة تضمحل، ويفقد العالم مكانته عند الله بالإضافة إلى أنه يفقد مكانته في المجتمع، فما قيمة العلم إذا لم ينقله العالم إلى الناس الذين يحتاجونه حتى يطوّروا حياتهم، ويحدثوها، ويجعلوها لائقة بكرامة الإنسان، بالإضافة إلى جعل السفيه عارفا وعالما وعاملا فيما يرضي الله.

لهذا السبب يجب إظهار العالِم لعلمه، وإعلانه وجعله في خدمة كل من يحتاجه حتى يرى طريقه الصحيح في الحياة، ويجعلها محطة بناء للدار الآخرة، من خلال العلم والمعرفة والتعلّم ومن ثم تعليم الآخرين، لهذا يحصل العلماء العاملون بعلمهم ومعارفهم على مكانة عظيمة عند الله تعالى، لا ريب هم يستحقونها لأنهم يمنحون الناس الضوء والعلم والمعرفة. 

هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(لذا فإنه بمقدار ما للعالم من رقي وشموخ وعظمة عند الله تعالى يجب عليه إظهار علمه وتقويم انحراف الجهلاء، وبنفس النسبة ستكون عليه سفاهة السفهاء وجهل الجاهلين).

وفي كل الأحول مطلوب من العالم أن يقوم بهذا الدور، أو هذا الواجب سواء كان واجبا كفائيا، أو واجبا عينيا، لأن الهدف هو تقليل السفهاء، وتخليصهم من طبقات الجهل التي تهيمن على عقولهم، فأما أن يقوم العالم بواجبه كفائيا، أو يؤديه حسب الواجب العيني، لذا فالعالم في كل الأحوال مطالَب بالقيام في هذه المهمة التي تنقذ الناس من الجهل، وتجعل المجتمع في حالة اجتماعية ومعرفية وعلمية جيدة.

حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله هذا الهدف حين يقول:

(إن الله تعالى جعل على العالم مسؤولية إظهار علمه للآخرين، فإذا تطرقنا لوجوب العلم والتعلم فإن اظهار العلم واجب كفائي، أما إذا لم تتحقّق الكفاية في بعض الموارد سيكون الأمر واجب عيني، ويجب حينها على العالم أن يُظهر علمه بمقدار ما يحتاجه الناس).

حلول ناجعة لتقليل السفهاء

أما في حال لم يقم العالم بواجبه كما يجب، فهذا الأمر سوف يكون له نتائج مؤذية جدا، لأن المجتمع سوف يعاني من كثرة السفهاء والجهلاء، وبالتالي سوف يعاني الناس من المشكلات والأزمات، وتكون حياتهم في غاية الصعوبة، مما يتطلب منهم البحث عن الحلول الناجعة التي تخلصهم من السفهاء ومن المشاكل التي يتسببون بها للناس.

وفي حال حدث التقصير في مداواة السفاهة، فإن المشكلات سوف تكثر، وهذا يعني كثرة المعاصي وحالات الانحراف، وبالتالي تكثر ذنوب السفهاء لأنهم لم يحصلوا على العالم أو على الإنسان العارف الذي يفتح لهم الطريق نحو المعرفة والفهم التي تبعدهم عن ارتكاب الذنوب والوقوع في تيارات الانحراف المؤذية.

وهكذا سوف تكون هنالك ذنوب كثيرة في المجتمع، لأن العالم لم يقم بدوره في مداواة السفاهة، فتكثر ذنوب الجهلاء غير المتعلمين، لكن هذه الذنوب سوف يتم تسجيلها على العالم الذي لم يقم بواجبه التعليمي والتنويري والمعرفي حيال الناس.

هذا ما يراه سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في قوله:

(إن ذنوب السفهاء ومعصيتهم لله تعالى واتيانهم بالمحرمات، سوف تُسجل للعالم الذي لم يقم بمسؤوليته تجاههم والجاهل إذا كان قاصراً لا مقصراً، فإنه لا يتحمل ذنبه وإن كان هو المذنب).

وهنالك تأكيد أكثر على هذا الجانب، حيث أن كثرة الذنوب مصدرها هو السفاهة والجهل، وزيادة هذه الظاهرة تدل على تقصير وقلّة معالجة وتقاعس، لاسيما أننا اليوم نعيش في أوضاع تواصل جعلت الكوكب مفتوحا أما الناس على مصراعيه، حيث يمكن للعالم والعارف والمثقف وكل ذي علم أن يبادر لتقديم علمه إلى الآخرين ويوصله لهم مجانا عبر منصات التوصيل المختلفة في الإنترنيت.

فالحقيقة لا يوجد عذر لمن يمتلك العلم والمعرفة إذا لم يبادر ويقوم بنقلها لمن يحتاجها بألف طريقة وطريقة، لاسيما أننا أصبحنا نعيش فيما يسمى بالقرية العالمية الواحدة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(الجهلاء الذين يتعاطون المحرّمات لجهلهم وسفاهتهم، فإن تبعة الذنوب تقع على أنفسهم ولكن إذا لم يكونوا عالمين لجهل ما ولسفاهتهم فإنّ تبعة ذنوبهم تقع على العالم الذي لا يظهر علمه لهم والذي ينبغي أن يعلمهم وينتشلهم من ظلمات الجهل).

وهكذا فإننا اليوم نقف أمام مسؤولية نقل العلوم والمعرفة للآخرين، من دون أن نتردد أو نتقاعس، أما أساليب التوصيل فهي باتت كثيرة وسهلة وأيضا مجانية أو مقابل مبالغ زهيدة جدا، لا تمنع حامل العلم من توصيله إلى من يحتاجه، وهذا واجب مهم وكبير يجب أن يتصدى له كل ذي علم يفيد الذين يحتاجون له كونه يفتح أمامهم أبواب الحياة الواضحة الكريمة اللائقة بكرامة الإنسان.

اضف تعليق