إن طريق الامام الحسين هو طريق الإصلاح الفردي والجماعي بما يتطلب الأمر صبراً، وزمناً طويلاً، ولكن يستحق العناء لأن النتائج كبيرة، فالذي يكون في موقع يرى فيه الناس شخصية يأخذون منه العلم والفكر والثقافة مثل؛ الاستاذ الجامعي، والخطيب، والأديب، وعالم الدين، وهو متخرج من المدرسة الحسينية، لن يكون سواء مع يعد نفسه قائداً للمجتمع...
التحولات الاجتماعية والسياسية الكبرى في العالم تحققت على أيدي الشباب بصرخاتهم في الشوارع، وتحديهم البطولي لبنادق السلطة، و استخفافهم بالاعتقال والتعذيب، وحتى الموت في الزنزانات وفي ميادين الإعدام، وفي العراق دور مشهود للشباب في تحدي الاستبداد الحزبي، والدفاع عن العقيدة والايمان في عهد النظام الصدامي، وفي مرحلة لاحقة أثبتوا دورهم البطولي في الدفاع عن هذه العقيدة وعن الإيمان ضد أيتام ذلك النظام فيمن تقمصوا الدين و"حكم الإسلام"، وبين النضال في سني السبعينات والثمانينات، ثم الجهاد في العقد الثاني من الألفية الثالثة، ما يزال الشباب يواظب على طلب العلم والمعرفة ليتمكن من خلالها الإسهام في تطور بلده، وفي نفس الوقت المشاركة في حل أزماته.
هؤلاء الشباب نجدهم اليوم في المواكب الخدمية على طريق زوار الامام الحسين، عليه السلام، في ذكرى اربعينيته، وفي الهيئات والحسينيات، يقومون بمختلف الاعمال، فما الذي جاء بهم الى أماكن وأجواء كهذه؟!
القضية تاريخية تعود الى اكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن، بينما الشباب يتطلعون الى المستقبل، وهي مفارقة بحد ذاتها تدعو للتأمّل، فالشباب، من حيث المبدأ، يشارك في مشروع او يسير في طريق يرجو المكسب المادي من ورائه، فهو يدخل الجامعة ليحصل على شهادة اكاديمية تعرفه في المجتمع كمتخصص في جانب علمي يتخذه مهنة وفرصة عمل، كأن يكون طبيباً أو محامياً، او محاسباً، او مهندساً، وكذا الحال في عالم المال والاعمال والتجارة، بينما هنا؛ خلال زيارة أربعين الامام الحسين، بل وفي الزيارات المليونية ايضاً، تختفي هذه المعادلة بشكل غريب.
البوصلة
كما هي الطائرة المتكونة من آلاف، وربما ملايين الأجزاء الصغيرة والمعقدة والمتشابكة، ولا تحلق إلا بسلامة جميع هذه الأجزاء، ولكن؛ شيء واحد ينقصها، وهو؛ البوصلة الموجودة في دماغ الطيار الذي يحدد لها وجهتها، وإلا فهي جثّة هامدة على أرض المطار.
الشباب المعروف بصفات أربع –من جملة صفات وخصال-:
1- الرغبة في الحرية.
2- الرغبة في كل جديد يدعو الى الإثارة والتنوع.
3- ركوب العاطفة والحماس
4- حب الظهور و إثبات الذات
في كل تجارب التغيير بالعالم نجد الشباب تحرك، وقدم، وضحّى، وأصبح جسراً للآخرين فتقدم الجميع وبقي هو بين المغادرين للحياة، او المغادرين الى المنافي في بلاد الغربة، او الانقياد للسلطة الحاكمة بحثاً عن لقمة العيش كما هو الحال في العراق، ولكن هذا لم يحدث عند شباب الأربعين الحسيني مطلقاً منذ أن وجدت هذه الشعيرة الحسينية بهذه الفعاليات الواسعة قبل عقود خلت، فمن قضى من الشباب نحبه من أبناء الأجيال الماضية، تحول الى رمز لمكافحة الفساد والظلم لمن ينتظر من أبناء الجيل الجديد، وربما لسان حاله، ما قال أخا الأوس (إحدى القبائل العربية) لابن عمّه الذي أراد ثنيه عن الالتحاق بإحدى غزوات رسول الله:
سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى
اذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما
و واسى الرجال الصالحين بنفسه
وخالف مثبوراً وفارق مجرما
إن عشت لم أُلم وإن متّ لم أندم
كفى بك ذلاً أن تعيش وترغما
والسبب بات واضحاً للقارئ الكريم؛ البوصلة الحقّ والكلمة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، أطلقها الامام الحسين، عليه السلام، لخصت كل آلام وهموم وتطلعات البشرية، بالحرية مع الكرامة، فلن يشعر الشباب بأي خسارة في طاقتهم العضلية، ولا جهدهم الذهني، ولا في أموالهم وعمرهم وهم يقضون الأيام والليالي لإحياء قضية الامام الحسين.
هنا ربما يقفز السؤال وسط كل هذا الحماس في الشارع: من أين للشباب أن يجمع بين تفهمه واستيعابه لمفاهيم النهضة الحسينية، وهي قضية معنوية، في وقت هو منهمك بطبخ الطعام، وتوزيع المشروبات، او الجري هنا وهناك لتوفير مستلزمات مبيت الزائرين، وغيرها من خدمات متنوعة؟
والسؤال الرديف ايضاً؛ بأن شريحة واسعة من هؤلاء الشباب يحملون سلوكيات وأفكار وأنماط عيش مختلفة لا تتطابق بالضرورة مع الأجواء التي يعيشونها هذه الأيام، وما هي إلا أيام وينتهي كل شيء ويعودون الى تصرفاتهم وافكارهم التي يشكوا منها الآباء، وربما المجتمع ايضاً؟
انه سؤالي من صميم الواقع، بيد أن الحقائق تكشف عن واقع آخر يجسده عديد من الشباب المشارك في الجهد الخدمي، فهو يجد في الموكب الخدمي مدرسة لتعلّم الأخلاق والآداب والثقافة الصحيحة، كما هو الحال في شهر الصيام، عندما يجد الانسان إنه في أجواء تذكره دائماً بفعل الصحيح وتجنب الخطأ، واذا كان الصيام فريضة عبادية، فان الشعائر الحسينية، ومنها شعيرة المشي والخدمة في زيارة الأربعين فرصة تربوية للإصلاح الذاتي، ومن ثم الانتقال الى مشروع إصلاح المجتمع والأمة، فالعطاء، والتسامح، والعفو، والصبر، والصدق، وغيرها من الفضائل لها مدخلية في تفاصيل حياتنا اليومية على مدار السنة والعمر.
من هنا؛ ليس من الانصاف والمنطق مطالبة الشباب بأن يتحولوا الى ملاك خلال هذه الزيارة، وإلا ليس من حقهم العمل في المواكب الخدمية، ولا التحدث عن النهضة الحسينية!
إن طريق الامام الحسين، عليه السلام، هو طريق الإصلاح الفردي والجماعي بما يتطلب الأمر صبراً، وزمناً طويلاً، ولكن يستحق العناء لأن النتائج كبيرة، فالذي يكون في موقع يرى فيه الناس شخصية يأخذون منه العلم والفكر والثقافة مثل؛ الاستاذ الجامعي، والخطيب، والأديب، وعالم الدين، وهو متخرج من المدرسة الحسينية، لن يكون سواء مع يعد نفسه قائداً للمجتمع وهو متخرج من المدرسة الحزبية، او المؤسسة العسكرية، وعندما نقرأ بفخر شعار الإصلاح الذي رفعه الامام الحسين في نهضته، فاننا نحمل انفسنا مسؤولية ايجاد المصداقية العملية لهذا الإصلاح في واقعنا عندما نتحمل مسؤولية مكافحة الفساد وتغيير الواقع.
اضف تعليق