q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

لماذا علينا معرفة أدوار الإمام السجاد (ع)؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

إن سيرة الإمام السجاد عليه السلام حافلة بالتحديات، بسبب الظروف التي عاشها بعدما تكالب الأعداء على أهل البيت عليهم السلام، و كان الإمام السجاد يدرك هذه التحديات الكبيرة جيدا، فوضع الأهداف العظيمة ورسمها وبدأ بتنفيذها، وفي المقدمة منها النهوض بقضايا العلم ونشر الوعي بين المسلمين آنذاك...

(من الكتب الجدير قراءتها كتاب «الصحيفة السجادية» للإمام السجاد عليه السلام)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

لأجواء هذا الشهر المضيء بالولادات العظيمة، شهرُ شعبان، جمالٌ خاص يبعثُ في النفوس السعادة والأمل، ويملأ الصدور بأريج الإيمان والمحبة والتفاؤل، لهذه الأسباب تنتظر الناس المؤمنة هذا الشهر بلهفة كبيرة، حيث يولد فيه أقمار النبوّة والامتداد المنير للرسول صلى الله عليه وآله، ومن هذه الأقمار الإمام السجاد عليه السلام يولدُ في الخامس من شعبان.

إن سيرة الإمام السجاد عليه السلام حافلة بالتحديات، بسبب الظروف التي عاشها بعدما تكالب الأعداء على أهل البيت عليهم السلام، و كان الإمام السجاد يدرك هذه التحديات الكبيرة جيدا، فوضع الأهداف العظيمة ورسمها وبدأ بتنفيذها، وفي المقدمة منها النهوض بقضايا العلم ونشر الوعي بين المسلمين آنذاك، فهذه هي الحرب الحقيقية بين الحق والباطل.

الحق هو الإسلام الذي سار به الحكام الأمويون في مسارات الانحراف، وسعيهم لنشر الجهل بين المسلمين، لهذا تصدى الإمام السجاد عليه السلام لقضية نشر العلم في مقابل تحديات نشر الجهل، فالجهل هو أسلوب المستبدين، والتجهيل سلاح الحكام الظالمين، فوضع الإمام السجاد الخطط العلمية الكفيلة بمواجهة الجهل بقوة العلم والتعليم.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يذكر في كتابه القيّم الموسوم بـ (نفحات الهداية الهداية) مفصِّلا لدور الإمام السجاد سلام الله عليه:

(هناك تساؤل قد يختلج في القلوب، وهو: ماذا كان دور الإمام زين العابدين سلام الله عليه في حياته الشريفة؟، وقد يتبادر إلى الذهن سؤال آخر وهو: لماذا يجب أن نعرف أدوار الإمام سلام الله عليه وسيرته؟، والجواب: لأن الإمام يعني من ينبغي لنا الائتمام والاقتداء به، يقول الإمام أمير المؤمنين علي سلام الله عليه: ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه).

مقارعة حكومات الجهل والتجهيل

في كل عصر وحين، يحتاج الناس إلى من يستضيئون بعلمه ونوره وشخصيته النموذجية، وها هو الإمام السجاد عليه السلام، ينهض بهم عاليا، في جهود علمية غاية بالدقة، فراح يقدم لهم المحاضرات تلو المحاضرات، في مجالس متوالية، وكان الحذر من السلطات الجائرة موجودا ومحسوبا، فكانت السرية والعمل بحكمة وهدوء أمر لابد منه.

وبهذا أخذ الناس يتعلمون على يد الإمام السجاد، ويفهمون جيدا أهداف الطغاة، ويتعلمون الأحكام، وتُضاء عقولهم بعلوم الحرية والحقوق، من خلال الكتاب الخالد للإمام السجاد (الصحيفة السجادية)، فكانت هذه الصحيفة خير معين وسند للمسلمين وهم يعيشون في ظلمات الحكام الظالمين، وكان الإمامُ خيرَ نموذج يقتدي به المسلمون ويتشبثون بالأمل والخلاص من الجهل على يديه.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد هذه القضية فيقول:

(إذن يجب علينا معرفة سيرة الإمام لنهتدي بها ونقتدي به سلام الله عليه. وفي الحديث أيضاً - عن إمام الجماعة - : إنَّمَا جُعِلَ الإمامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلا تَخْتَلفُوا عَلَيْه. فَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا... وَ إذا سَجَد فاسْجُدوا).

ومثلما أفاد السابقون من الموالين والمسلمين مما قدمه لهم الإمام السجاد عليه السلام، وساروا في هدايته واستمدوا منه العلم والمعرفة والوعي، لابد لنا أن نفعل نفس الشيء، فنحن اليوم على الرغم من أننا نعيش في عصر التكنولوجيا والعولمة والاكتشافات العلمية الهائلة، إلا أننا في نفس الوقت تحيط بنا الظلمات وتسعى لتجهيلنا.

الظلمات التي نقصدها، ليست المادية الصناعية، وإنما هناك ظلمات فكرية عقائدية يسعى من خلالها المنحرفون إلى التعتيم على الفكر والثقافة والوعي الإنساني الصحيح، وهكذا نلاحظ وجود صراعات من نوع آخر يتم شنها على المسلمين، وهي حرب التجهيل القديم الجديد، حيث يسعى الأعداء إلى تلويث العقول بالأفكار المادية الحسيّة المنحرفة.

لهذا يحتاج الناس، وبالأخص المسلمون منهم، إلى النموذج، القدوة، حتى يتمكنوا من رفع الحُجُب (المادية) المزيفة عن عيونهم، ولا تأخذهم الموجات (الجمعية القطيعية من القطيع)، فتسحبهم إلى المتاهة العالمية حيث يسير العالم نحو المادية المفلتة، لذا نحن نحتاج إلى النموذج، إلى المصباح، إلى الإمام حتى نقي عقولنا من متاهة الأفكار الدخيلة.

يتساءل سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:

(ما الفائدة في أن يكون السجاد سلام الله عليه إماماً لي ولك ولا نعرف عن سيرته شيئاً؟!، من الضروري إذن، أن نقرأ ولو مختصراً من سيرة أهل البيت سلام الله عليهم لتعلّق إسلامنا وإيماننا بمعرفة من أمرنا الله تعالى بطاعتهم).

هذا هو طريق الخلاص، بائن و واضح أمام الجميع، فأمامك سيرة أهل البيت عليهم السلام، وبين يديك الصحيفة السجادية، ويمكنك أن تحمي عقلك ونفسك من خلال قراءة هذا الكتاب الصغير بحجمه المكتنز بأفكاره ومضامينه الخالدة، فيمكن لكل شخص منا أن يرافق الصحيفة السجادية، وأن يستفهم من فقراتها الحقوقية عن الكثير من القضايا التي نحتاج إلى فهمها والتعامل معها ومعالجتها لتحسين وتطوير حياتنا.

الصحيفة السجادية تضعنا على الجادة الصواب

ما نعيشه اليوم من أفكار ملوِّثة يعد من الأخطار الهائلة التي تحيق بنا، لذا من بين الحلول الناجعة الاقتداء بالإمام السجاد عليه السلام، ومرافقة (الصحيفة السجادية) كالتعويذة التي تحمينا من الخبائث ومن الجهل والسهو أو قلة الوعي، لذا من الأفضل أن نفهم أولا شخصية الإمام السجاد، ونستوعب سيرته جيدا، ومن ثم علينا أن نقتدي به.

وبهذه الطريقة وهذا التوجّه، يمكن أن نضع أقدامنا على الجادة الصواب التي تنقذنا من مسالك ودروب الانحراف الهائلة التي تحيط بنا، فالصحيفة السجادية كفيلة بحل المشاكل الشخصية والجماعية التي نعاني منها، على المستوى الذاتي يستطيع الفرد أن يتصالح مع نفسه ويعالج أزماته بمضامين الصحيفة، وعلى المستوى الجمعي يمكن للمجتمع أن يقلل أو يتخلص من أزماته عندما يفهم الحقوق جيدا ويطبقها في إدارة حياته.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(من الكتب الجدير قراءتها كتاب «الصحيفة السجادية» للإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين (سلام الله عليهما) - هذا الكتاب الصغير الحجم العظيم المحتوى الذي بذل العلماء أعمارهم من أجل سبر أغواره وكشف معانيه ومازالوا- حقيق بأن يُقرَأ بتدبر وإمعان ليُعرف من خلاله من هو الإمام زين العابدين سلام الله عليه، ومن هم أهل البيت سلام الله عليهم؟).

وعندما نستفهم ونسأل عن طبيعة الدور التوجيهي التعليمي العظيم الذي قام به الإمام السجاد (عليه السلام)، فهناك خطوات عملية خططها الإمام بدقة، ونفذها بالدقة نفسها، وكانت نتائجها باهرة، حيث نجح الإمام السجاد عليه السلام في مقارعة الجهل، ورفد الإسلام والمسلمين بعقول رائدة نهضت بالأمة عاليا في زمن الجهل والتجهيل.

يذكر لنا سماحة المرجع الشيرازي دام ظله تلك الأدوار التي قام بها الإمام السجاد بالقول:

(أما الجواب على السؤال عن دور الإمام السجاد فهو أنه سلام الله عليه قام بالأدوار الثلاثة التالية: 1 ـ شراء العبيد وتربيتهم تربية إسلامية ثم عتقهم بعد ذلك. 2 ـ تعليم الناس المسائل الشرعية والأدعية. 3ـ تربية الخواص من أهل بيته وأصحابه على الخط الجهادي).

وهكذا تتضح لنا تلك الأسباب التي تجعلنا نتساءل عن الأدوار التي تصدى لها الإمام السجاد عليه السلام، وكيف استطاع في ظل ظروف سياسية سلطوية قمعية قاهرة، أن ينهض ويستنهض عقول المسلمين بالعلم الذي استطاع من خلاله مواجهة أساطين الجهل، ومواجهة موجات ودوّامات الانحراف التي كادت أن تعصف بمصير الأمة وتودي بها في هاوية الانحراف.

اضف تعليق