q
المسألة لا تتعلق بمحافظة كربلاء وحدها، هي قضية وطنية وبيئية وحماية لمواطنين يمارسون شعائرهم الدينية، وعلى الجهات الحكومية الشروع بالعمل في أقرب وقت، لا سيما وأن وزارة الزراعة تؤكد حاجة البلاد العراق إلى أكثر من 14 مليار شجرة لإحياء المناطق التي تعاني من التصحر...

خلال زيارة الاربعينية الماضية وفي الأيام الأولى لبدء تدفق الزائرين نحو مدينة كربلاء المقدسة شاهدت مجموعات متفرقة من الزائرين يمشون بعيداً عن الطريق الرئيسي المخصص للمشاة (طريق يا حسين)، حرارة الشمس دفعتهم إلى البحث عن أشجار متناثرة يستظلون بها لتجنب حرارة الصيف الحارقة.

المنطقة التي شاهدت فيها الزوار تقع على شارع رئسي بجانبه نهر كبير، وهو جدول بني حسن الذي يمتد من سدة الهندية وحتى أطراف محافظة النجف الأشرف، يسير النهر بالتوازي مع شط الفرات قاطعاً مسافة طويلة تمتد إلى (65/ کم) منها (44,5 كم) ضمن الحدود الإدارية لمحافظة كربلاء المقدسة والمتبقى ضمن الحدود الإدارية لمحافظة النجف الاشرف، يبدأ من سدة الهندية مروراً بقضائي طويريج والجدول الغربي وناحية الخيرات التابعة لمحافظة كربلاء ثم قضاء الحيديرية التابع لمحافظة النجف، وانتهاء بأطراف قضاء الكفل التابع لمحافظة بابل.

يسهم جدول بني حسن في سقي ما يقارب (۱۱۸۰۰۰/ دونم) من الأراضي المغروسة بأشجار النخيل والفواكه والحمضيات فضلاً عن المحاصيل الحقلية، ويتفرع منه عدد من الجداول الرئيسية والفرعية وبمقننات مائية مختلفة.

تربة غنية لكنها صحراء

مسار غني بالمياه، وتربة خصبة صالحة للزراعة، لكن مياه النهر بدأت بالانخفاض وبمستويات متسارعة، وتحول لونها إلى الأزرق، بطيئة الجريان، تعلوها القناني البلاستيكية والنفايات، تقطعت أوصال النهر، فقد كانت مياهه تجري من الشمال إلى الجنوب (من المنبع في سدة الهندية إلى المصب في الجداول والأنهر على جانبي الجدول)، أما الآن وبعد انخفاض مناسيب المياه، فقد وضعت مضخات كبيرة في بعض مناطق الجدول لتعزيز مياهه من شط الفرات مباشرة وبدون الحاجة إلى الإعتماد على المياه القادمة من سدة الهندية البعيدة، بمعنى أن مياهه لم تعد قادرة على التحرك على قوة دفعها الذاتي بل عبر التعزيزات القادمة من المضخات.

وحتى مع انخفاض مناسيب الجدول خلال السنوات الأخيرة ما تزال الأرض صالحة للزراعة بكثافة والمياه تكفي للسقي والشرب، إلا أن الوضع يسير بوتيرة متصاعدة نحو تجريف أفضل المناطق الزراعية وأكثرها تأهيلاً للتتشجير، تزايد مطرد لأعمال البناء السكنية والتجارية، الشوارع المعبدة تتناسل، والأشجار تختفي تحت رحمة الآلات الثقيلة.

الطريق الذي كان عبارة عن مظلة طويلة ممتدة من النجف إلى كربلاء تحمي الزوار من أشعة الشمس يتعرض للتجريف، الحكومة الاتحادية والمحلية لا تفعل شيئاً بل تسهم في عملية تجريف البساتين على طول الطريق من خلال تعبيد الطرق الزراعية وتوصيل المياه الصالحة للشرب وخطوط نقل الطاقة الكهربائية، ما جعلها مدننا جاذبة للبناء السكني والتجاري، فالعمران المتسارع يوحي بتحولها إلى مناطق حضرية طاردة للأشجار.

اعتداء على البساتين

هناك عملية تحول كبيرة، واعتداء واضح على المناطق الخضراء في مدينة كربلاء، بعدما تعبر جدول بني حسن وتصعد على الطريق الرئيسي بين طويريج وكربلاء الذي يمتد لمسافة (20كم)، نشاهد التحول الكبير في المنطقة، صراع كبير بين الأشجار والعمارة البشرية العشوائية، والغلبة دائماً للعمران البشري، والذي يصح تسميته بالتخريب البشري.

وإذا اقتربنا أكثر نحو مركز مدينة كربلاء نلاحظ اختفاء بساتين هائلة على جانبي الطريق الرئيسي، ولا سيما قرب منطقة قنطرة السلام الغنية بالزراعة، لقد اختفت البساتين بشكل نهائي.

طريق يا حسين الأخضر

إذا كان هذا حال البساتين على جانبي الطرق المؤدية إلى كربلاء، فما بالك بالطرق نفسها؟

يمكن تسميتها بالطرق الجرداء، فلا شيء يتواجد هنا، إلا بعض الشجيرات الصغيرة التي لا تغني ولا تسمن، جذوع نخيل يتدلى منها السعف الميت.

لا شيء هنا يحمي زوار كربلاء من أشعة الشمس ولا حرارتها المميتة، والمشكلة تزداد سنة بعد أخرى، فالزيارة الأربعينية تتقدم نحو الصيف اللاهب، وعلى أقل تقدير سوف نكون أمام عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة من الزيارات المليونية الصيفية، وفي الجانب الآخر تتسارع عمليات تجريف البساتين وإهمال تشجير طريق يا حسين.

سوف تزداد الصعوبات أمام الزائرين، ليس في الطريق الذي ذكرناه في مقدمة مقالنا فحسب، بل أن هناك عدة طرق لمسير الزوار من البصرة إلى كربلاء، وعلى مسافة تمتد لمئات الكيلومترات، وعلى الجهات ذات العلاقة وضع خطط عملية وسريعة لتشجير طرق الزائرين من البصرة إلى كربلاء، ومن بغداد إلى كربلاء تحت إسم مشروع طريق يا حسين الأخضر.

وفي حال تفعيل مثل هكذا مبادرات سوف نقدم عدة فوائد:

1- حماية للزائرين بشكل أساسي.

2- نسهم في تقليل حرارة الشوارع الجرداء.

3- الاستفادة من جمالية الشوارع الخضراء.

4- الاستفادة من الأشجار كمصدات للرياح والعواصف.

المسألة لا تتعلق بمحافظة كربلاء وحدها، هي قضية وطنية وبيئية وحماية لمواطنين يمارسون شعائرهم الدينية، وعلى الجهات الحكومية الشروع بالعمل في أقرب وقت، لا سيما وأن وزارة الزراعة تؤكد حاجة البلاد العراق إلى أكثر من 14 مليار شجرة لإحياء المناطق التي تعاني من التصحر.

اضف تعليق