q
الفساد الحكومي هو من عرقل عملية إتمام المشاريع، وجميع المتقدمين لإنجاز عمل ما في العراق سواء من الداخل او الخارج، يخضعون لعملية مساومة حقيقية حول النسبة التي يستقطعونها لمراضاة جهة حزبية متحكمة او جماعة متسلطة، او حركة لا تريد الخير للمواطنين، ومن ثم توضع العراقيل بعد الأخرى...

إذا كنت صاحب متجر معين او مصلحة في السوق، تتحول بمرور الزمن الى خبير في شؤون الافراد المتسوقين، وتتمكن من تمييز الزبون، (المشتري)، الفعلي من غيره الذي يحاول المماطلة للتقليل من السعر وبعدها الذهاب دونما يأخذ السلعة، ومن ذلك الكثير من الأمثلة، فالعراق تحول في السنوات الأخيرة بعد تغيير النظام الى زبون سيء.

بعد تغيير النظام السياسي في العراق عام 2003 أصبح العراق فرصة استثمارية للكثير من الشركات العالمية، وصار محط اهتمام العديد من الدول العربية والأجنبية، وبالفعل نمت المشروعات الاستثمارية وغيرها المتعلقة بالبنى التحتية والابنية الحكومية.

ففي السنوات التي عقبت التغيير حصلت ثورة تجارية في البلاد، فعلى المستوى الحكومي اين ما تصوب نظرك تشاهد آليات ومعدات لإنشاء، مبنى وزارة من الوزارات او مديرية من المديريات، الى جانب تشييد المدارس والمستشفيات الحكومية والأهلية، فضلا عن انتشار الجامعات الخاصة في المدن العراقية.

بعد مرور أعوام من الحركة الديناميكية في المشروعات على اختلافها، لم ترِ العديد من المرافق النور، ولم تحقق نسب الإنجاز تقدما يشير الى قرب افتتاحها ودخولها الخدمة، وبعد التدقيق والتحري يتبين هروب المقاولين المحليين، وتخلي الشركات الأجنبية عن التزاماتها التي ابرمتها مع الجهات الحكومية الرسمية، وبقت الكثير من المشروعات متلكئة وفق هذه النتائج.

الالتزامات المالية واحدة من اهم الشروط التي تضمن استمرارية العمل والانجاز خلال الفترات المحددة في بنود العمل والاتفاق، وعدم تسديده دفع اغلب الشركات العالمية صاحبة التميز ببناء الجسور والملاعب والمدن الرياضية الى المغادرة، فبدون المال لا يمكن ان نرى بناية تشق طريقها نحو السماء، أضف الى ذلك تهالك الأبنية الموجودة، التي تجاوز عمرها الخمسين والستين عاما في أكثر الأحوال.

ومن النقاط بالغة الأهمية في هذا الخصوص هو العمل الجاد من العراق لاستقدام الشركات الاستثمارية بشتى المجالات، لكنه لا يهتم بتوفير الجانب الأمني لها، وحدثت الكثير من الخروقات الأمنية والاعتداءات على الطواقم العاملة، سواء من قبل العصابات الإرهابية او الأهالي الذين لا يعرفون مدى أهمية تواجد هذه الشركات على ارض العراق وانعكاس ذلك على مستقبل الافراد، عبر خلق فرص عمل جديدة تُشغل الملايين من العاطلين عن العمل.

في مرور سريع وليس بعيدا، سنبقي المثال يدور داخل حدود الدول العربية التي سمحت للشركات الأجنبية والاستثمارات الخارجية ان تشق طريقها في المجالات المتنوعة، ومن ذهب لأغراض السياحة، يروي لنا ما وصلت اليه الحركة العمرانية في بعض المدن العربية، حتى تحولت الى قبلة للوافدين من الشخصيات المشهورة عالميا على المستويين المحلي والإقليمي والدولي.

والعراق كان قادرا على ان يصل او يفوق ما وصلت اليه هذه البلدان، لقد كانت أسعار النفط أكثر بكثير من قيمتها في الوقت الحالي، الى جانب التعاطف الدولي معه، وان فهم في النهاية على انه تعاطف مصحوب بالمصالح والمنافع المادية، كون العراق خارج للتو من شباك التقييد الى فضاء الحرية في كل شيء بما في ذلك الحرية العمرانية والحاجة الفعلية للإنشاءات والاعتماد على الخبرات الخارجية.

ومع كل ما تم سرقته وانفاقه على المنشآت الحيوية في البلاد تبقى عقدة الكهرباء من العقد القديمة المتجددة، ويعود السبب الى عدم التزام العراق بوعوده امام الدول المجهزة، التي تريد ضمان لحقها وعدم ضياعه مع تقادم السنين، وهنا نكتشف ان المسؤول العراقي لا يمنح هذه الجزئية أي اهتمام ولا توجد نية لحلحلتها، طالما هو يعيش في القصور التي لم يسمع فيها بجملة، (هذا وطني لو مولد).

الفساد الحكومي هو من عرقل عملية إتمام المشاريع، وجميع المتقدمين لإنجاز عمل ما في العراق سواء من الداخل او الخارج، يخضعون لعملية مساومة حقيقية حول النسبة التي يستقطعونها لمراضاة جهة حزبية متحكمة او جماعة متسلطة، او حركة لا تريد الخير للمواطنين، ومن ثم توضع العراقيل بعد الأخرى وتنتهي الرواية وهي لا تزال في مقدمتها دون الخوض بفصولها واحداثها.

لو أجرينا دراسة ميدانية لإحصاء اعداد الشركات العاملة بصورة فعلية داخل العراق، سنصل الى حقيقة محزنة، اذ يقتصر الامر على الشركات الأمنية وبعض الشركات العاملة في القطاعات التي لا تهم ولا تخدم شريحة واسعة من المواطنين، على الرغم من ان النفط ومخرجاته تؤمن النفقات العامة للدولة.

ومع ذلك يمكن تفسير اهتمام الحكومات المتعاقبة بالشركات المختصة بالقطاع النفطي، هو لضمان انسيابية حركة الأموال وتدفقها لتصل الى المتنفذين بالبلد والاستمرار بالنفقات التي لا طائل منها، ولم يتم استثمارها وتوظيفها لخدمة المواطن المسكين الذي يقضي سني حياته تحت ركام الذلة والمسكنة.

قد نكون فقدنا الكثير من الفرص وفاتت الأيام التي لو لا الإهمال والتعمد على الإضاعة لتحول العراق الى بلد آخر، بلد يحلم فيه الملايين من البشر، ومع ذلك تبقى إمكانية العودة ليست مستحيلة وقابلة للتحقق في غضون سنوات من الآن، لكن لا يمكن ان يكون كذلك الا في التخلي عن العادات السيئة في التعامل مع الجهات الاستثمارية التي ترسخت لديها قضية مهمة، وهي ان العراق زبون سيء لا يمكن التعامل معه الا بالحذر الشديد.

اضف تعليق