q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

النشاط السياسي من المنظور الإسلامي

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

تتوافر دلائل عديدة لمن يرغب بالوصول إلى الأدلة والحقائق، عن كيفية تعامل السياسة العالمية مع الشعوب، بما لا يقترب قط مع تعامل الإسلام السياسي مع الإنسان، وفق المبادئ والتعاليم التي استطاع رسول الأمة (ص) أن يوحد الجميع تحت راية الإسلام الخفاقة من خلال نشرها وتثبيتها كقيم معتمدة في إدارة الدولة وشؤون الأمة.

هل تتناقض السياسة مع الإسلام، هذا الطرح يتداوله كثير من الساسة والمفكرين وخصوصا ممن ينتمي إلى العلمانية التي تقول وتؤمن بفصل الدين عن السياسة، فما هو العمل السياسي وفق المنظور الإسلامي؟، وهل يصح القول أن نفصل السياسة ونبعد الإسلام عنها، ثم ماذا يقول دعاة هذا الطرح عن تأسيس وتطوير أكبر دولة بظهور الرسالة النبوية استطاعت أن تتفوق وتضاهي أكبر الدول المجايلة لها حينئذ؟.

لذا ليس من حق إنسان بغض النظر عن انتمائه أو مستواه الفكري والعلمي والثقافي، أن يذهب إلى فصل السياسة عن الإسلام، ولابد أن نشير إلى أن السياسة ليست حكرا على نفرٍ من الناس، هم وحدهم يمتلكون الحق في تعاطيها، فليس صحيحا ما يُشاع عن السياسة والسياسيين من أنهم المعنيون حصرا، بهذا المضمار الذي يهم حياة ومصائر الناس أجمع، أي أن السياسة ليست حكرا على نفر من الناس دون غيرهم، وليس صحيحا أن كل من يتفاعل مع الإسلام ويؤمن بمبادئه ونظرته إلى السياسة وإدارة السلطة عليه أن يبتعد عن الأنشطة السياسية للدولة، فهذا القول لم يرد في تفسير المعنى الدقيق للسياسة ولم يجئ أي شيء من هذا القبيل لا من قريب ولا من بعيد.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يعرّف السياسة كالتالي: إنها (بحث واسع مترامي الأطراف، وبحر عميق عريض لا يبلغ غوره وسواحله إلا القليل).

لهذا السبب تحديدا ليس من حق أحد أن يضع حواجز وأسوارا بين الإسلام والأنشطة السياسية المختلفة، إذ يعرف سماحة المرجع الشيرازي أيضا السياسة بأنها (كيفية إدارة شؤون الناس في السلم والحرب، والأخذ والعطاء، والشدة والرخاء، والاجتماع والافتراق، وغير ذلك).

لكن الناس لم يُخلقوا على شاكلة واحدة، وهم لا يفكرون بنسق واحد او وتيرة واحدة، إنهم مختلفون في الرؤى والأهداف والمطامح، لذلك هم يختلفون في الأهواء وفي سبل المعالجة، والسعي لتحقيق المطامح الفردية او الجمعية، وهذا ما يسبب تضاربا في الرؤى، وتناقضا بين الأفكار، ثم تصادما في الإرادات وما ينتج عن ذلك من إفرازات هائلة.

إذ يرى سماحة المرجع الشيرازي: بـأن (الناس كما يختلفون في أشكالهم، وألوانهم، ولغاتهم.. كذلك: يختلفون في أذواقهم، وعقولهم، وعواطفهم. ويختلفون في إدراكهم، وفهمهم، وتحليلهم).

يجب الاستدلال بما هو موثوق

لذلك ثمة اختلافات كثيرة ولا يمكن أن تتفق الآراء المختلفة حول أمر واحد، فالاختلاف هو الأصح وليس الخلاف، لذا فإن النظر الى السياسة وفق منظور إسلامي، يتطلب منا أن نبحث في التأريخ السياسي المشرق للإسلام، لاسيما أبان حكومة الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لكي تتولد للمتابع رؤية تاريخية صائبة عن هذا التاريخ، أما اللجوء إلى تواريخ محرفة فهو أمر لا يخدم الحقيقة ويخلو من أية فائدة تُذكر، خصوصا أن جميع الشواهد والإثبات تدل على أن التاريخ الإسلامي المشرق ينطلق من حكومة النبي صلى الله عليه وآله، عندما استطاع أن يجمع شتات المجتمع ويبني منهم أمة ودولة عظمى في حينها كما صنفتها الواقائع في حينها وكما رأى فيها المؤرخون الأمناء.

سماحة المرجع الشيرازي يرى: بأن (نظرة باحثة ودقيقة في التاريخ الإسلامي المشرق الطويل عبر القرون المتمادية، خصوصاً تاريخ رسول الله وتاريخ وصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأولاده الأئمة الطاهرين عليهم السلام، تعطينا فكرة وافية عن مكان السياسة الصحيحة في الإسلام).

ولا شك أن هذه الرؤية تدحض الآراء التي تقول بعدم تدخّل الدين بالسياسة، فالأمر من حيث النجاح والفشل يعود للقائد والحكومة، لذا ليس صحيحا عزل الدين عن السياسة، او القول بأن السياسة والدين يتقاطعان، أو ضرورة عزل رجل الدين عن السياسة، لأن السياسة هي ادارة شؤون الناس وتحديد مصائرهم، وتحديد كيفية أنماط العيش لهم، وهو أمر يتطلب حقوقا وواجبات، وهذا ما يدفع الحكومات والحكام المتجبرين الى ظلم الشعب، لذا لابد أن يتدخل الدين لتصحيح المسارات، وهناك دلائل كثيرة تشير الى أهمية بل ووجوب تدخل الدين في إدارة شؤون الناس.

يرى سماحة المرجع الشيرازي: بأن (هناك نصوص كثيرة.. وكثيرة جداً في الشريعة الإسلامية، تدل على أن السياسة جزءا لا يتجزأ من الإسلام، بل الأصح في التعبير أن نقول: الإسلام والسياسة لفظان لمفهوم واحد).

وحين يذهب المختصون إلى أعمق من ذلك لتتم عقد مقارنة بين سياسة الإسلام آنذاك وبين سياسة اليوم على المستوى العالمي، فإننا سنكتشف بونا واسعا بين السياستين، حيث يوجد فرق شاسع بين السياسة المعاصرة وبين سياسة الإسلام في الأوجه كافة، لاسيما سياسة الرحمة واللين والعفو، والتكافل الاجتماعي، حيث يتبلور هذا الفرق في طرق التعامل مع الانسان، والنظر الى حقوقه وكيفية صيانتها وكفالة حرية الرأي وما شابه، من حريات وحقوق اساسية، تعجز السياسة المعاصرة لبعض الحكومات لاسيما المتخلفة منها، عن صون هذه الحقوق وحمايتها، وهو أمر واقع نعيشه اليوم في ظل الحكومات الفاسدة والحكام الذين لا يتورعون عن العبث بحرمات البشرية.

سياسة الإسلام مزيج من الإدارة والعدل

إن سماحة المرجع الشيرازي يركّز على:

(إنّ السياسة الإسلامية تباين السياسة العالمية اليوم وتختلف عنها في أصولها وفروعها، فالسياسة الإسلامية هي غير السياسة المعاصرة التي تمارسها الدول تماماً).

لذا ثمة ما يفصل ويفرّق بين سياسة الأمس وسياسة الحاضر القائمة على القمع، حيث يرتكز العمل السياسي الراهن، لدى الحكومات القمعية المعاصرة على تكميم الشعوب وكبت الحريات والسيطرة الكلية على الشعوب بشتى الوسائل والسبل، بما في ذلك جميع أساليب القمع والإقصاء والتعذيب والنفي والمطاردة، فتاريخ الطغاة مكللّ بالخزي والعار على امتداد التاريخ السياسي، لذلك ثمة بون كبير بين سياسة الإسلام والسياسة العالمية القائمة على المصلحة والفلسفة البراغماتية النفعية التي تبحث عن مصلحتها بغض النظر عما تنتجه هذه المصالح من كوارث على الآخرين.

سماحة المرجع الشيرازي له وجهة نظر تعبر عن الفهم الإسلامي للسياسة إذ يقول:

(أما السياسة بمفهومها المعاصر فهي القدرة على إدارة دفّة الحكم وتسيير الناس والأخذ بالزمام مهما كلّفت هذه الأمور من: إهدار كرامات وإراقة دماء وكبت حريات وابتزاز أموال وظلم وإجحاف).

وكثيرا ما تتوافر دلائل عديدة لمن يرغب بالوصول إلى الأدلة والحقائق، عن كيفية تعامل السياسة العالمية مع الشعوب، بما لا يقترب قط مع تعامل الإسلام السياسي مع الإنسان، وفق المبادئ والتعاليم التي استطاع رسول الأمة (ص) أن يوحد الجميع تحت راية الإسلام الخفاقة من خلال نشرها وتثبيتها كقيم معتمدة في إدارة الدولة وشؤون الأمة.

سماحة المرجع الشيرازي يقدم بعض الأدلة التاريخية فيقول:

لقد قتل البريطانيون في (الهند في قصة حرب الأفيون حوالي عشرين مليون إنسان، وقتل البريطانيون في الهند أيضاً أيام المطالبة بالحرية والخروج عن نير الاستعمار ثمانمائة ألف إنسان في صورة مجاعة اصطناعية)، وهكذا يتضح البون الكبير بين سياسة الإسلام والسياسات القائمة على المنهج النفعي الانتهازي الذي اعتمدته الدول المتجبرة ولا تزال، حيال الدول الأخرى من دون اعتبار للقيم الإنسانية أو الضمير أو الأخلاق.

اضف تعليق