q
انتقل عصر الخبر النقلي، من الصحافة التقليدية، الى وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح يُبث من موقع الحدث عبر الموبايل، صوتاً وصورةً، من دون الحاجة الى مراسل متخصّص، هذا التطور، أنهى خصوصية الصحيفة في التفرد، الا في النادر القليل، كما اختزلت سرعة الارسال والنشر، الزمن...

انتقل عصر الخبر النقلي، من الصحافة التقليدية، الى وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح يُبث من موقع الحدث عبر الموبايل، صوتاً وصورةً، من دون الحاجة الى مراسل متخصّص، هذا التطور، أنهى خصوصية الصحيفة في التفرد، الا في النادر القليل، كما اختزلت سرعة الارسال والنشر، الزمن، وباتت الاخبار تنشر على مستوى واحد من الوقت تقريبا الصحافة الغربية، التي تُموّل نفسها، في الغالب، من عائدات انتاجها، ادركت هذا التحول المفصلي، فسعت الى جذب القراء والحفاظ على مستويات الاهتمام، باعتماد التقارير الخاصة، والتحقيقات المبتكرة، والعمود الصحافي، وهي نوافذ

تنسجم مع التطورات الجديدة، ما دفع الصحافة الغربية الى الاعتماد عليها، ان الصحيفة الرقمية او الورقية مهما بذلت الجهد في الخبر، فأنها لن تتفوق كثيرا فيه، لعدم قدرتها على تحقيق التميّز، بحكم انتشاره اللحظي عبر التقنيات الحديثة.

أصبح العمود الصحافي، وهو المساحة الحرة التي تضعها الصحيفة أمام الكتّاب بنافذة محددة لا تتجاوز بضعة سنتيمترات، سمة مهمة للصحف، لكي تتمّيز، وقد حرصت الصحف الغربية، على ابراز اسم الكاتب وصورته، كي تؤكد للجمهور، انّ الرأي يعبّر عن وجهة نظر كاتبه، حصرا، وان مهمة الصحيفة ايصاله الى الجمهور.

وفي أسلوب مماثل، شرعت صحف غربية في التركيز على التحقيق الصحافي الذي لا تستطيعه مواقع التواصل والتراسل الفوري، بانتقاء المواضيع الثرية المضمون، والتي تحلّل الظواهر وتستقصي ما وراء الاخبار.

على هذا النحو، تحافظ الصحف الغربية على القراء، لكنها في ذات الوقت، تقف على خط المواجهة لانها تطرح آراء ووجهات نظر، لتصبح ساحة صدام بين الأيديولوجيات، على الرغم من حرص الاعمدة والتحاليل والتقارير على النصوص الاحترافية، الخالية من اللغة المسيئة او الاتهامات، حتى المبطّنة منها.

في العام 1801، بدأت صحيفة “نيويورك بوست” على يد ألكساندر هاملتون منصتها التي أعلن منها الحزب الفيدرالي وجهات نظره، بما في ذلك الهجمات على الخصوم وفي مقدمتهم، توماس جيفرسون.

كان ديدن الصحافة الأمريكية المبكرة، هو التحزب، ويمكن القول ان الأحزاب السياسية هي التي أسست الصحافة اليومية، في وقت مبكر من القرن التاسع عشر. وبمرور الزمن تحررت الصحف من سطوة الأحزاب، نحو الاستقلالية.

ولكي تتخلص اكثر من هيمنة الأدلجة، اكتشف طالب طب شاب يدعى بنيامين داي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر أنه إذا أنتج صحيفة رخيصة، فإن المزيد من الناس سوف يشترونها، وهذا يعني فرض المزيد من الرسوم للحصول على إعلانات العملاء، و كانت صحيفة Day’s New York Sun أول جريدة نجحت في الابتعاد عن التمويل الحزبي، ومنذ ذلك الوقت، باتت فكرة الحياد هي الهدف والوسيلة، كما كان العمود اليومي والتحليل والتحقيق الخاص، هو الذي يميز صحيفة عن أخرى، ويبرز هويتها.

وأسّس هوراس غريلي، في العام 1841 لفكرة فصل التقارير الإخبارية عن التحقيق و كتابة الرأي، في صحيفة “نيويورك تريبيون” ومنح للرأي صفحته الخاصة، وجعل من تحقيق الواقع الاستطلاعي، “المانشيت الرئيسي” اليومي.

و أطلق غريلي، أيضا فكرة المقال “Editorial” وهو العمود الذي يقدم رأي المؤسسة في الاحداث، على رغم الحياد الذي تلتزمه الصحيفة، وبحلول أوائل القرن العشرين، تمتّع الكتّاب بمساحات اوسع في الصحف، وابرزت الصحف صورهم، للإشارة إلى القراّء بأن هذا هو رأيهم، وليس تقريرًا إخباريًا.

على هذا النحو، اكتسحت أعمدة الصحف الشهيرة، عالم النجومية، مثل الشاعرة الهزلية فرانكلين ب آدمز في صحيفة “نيويورك تريبيون” في عشرينيات القرن العشرين، و “إل إتش مينكين” في الثلاثينيات والأربعينيات. ووصل عدد قراء “وولتر ونجل” الذي نشر عموده في الصحيفة من 1920 حتى 1960، إلى نحو 50 مليون شخص في اليوم. واستمر هذه الاهتمام الشعبي بأعمدة كتاب مثل جورج ويل، وتوماس فريدمان، وجيل كولينز.

سوف تصمد الصحافة التقليدية، إذا ما حافظت على العمق في البحث عمّا وراء الخبر، بالعمود والتحقيق والتحليل، مهمّشة الاخبار، التي سوف تختص بها وسائل التواصل الفوري.

اضف تعليق