في‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬العراقية‭ ‬صارت‭ ‬العبارة‭ ‬شائعة‭ “‬العراقي‭ ‬ما‭ ‬تصير‭ ‬له‭ ‬چارة‭ “. ‬يقولها‭ ‬المواطن‭ ‬والرئيس‭ ‬والمتعلم‭ ‬والجاهل،‭ ‬بنبرة‭ ‬فيها‭ ‬يأس‭ ‬وشماتة‭ ‬معاً،‭ ‬وكأنهم‭ ‬يعلّقون‭ ‬على‭ ‬وحش‭ ‬كاسر‭ ‬لا‭ ‬يُروَّض‭ ‬إلا‭ ‬بالسياط‭ ‬حديدية،‭ ‬وهي‭ ‬إقرار‭ ‬ضمني‭ ‬بأن‭ ‬الوسطية‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬الرفاهية‭ ‬بين‭ ‬العراقيين‭.‬..

في‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬نقاش‭ ‬عراقي‭ ‬تقريباً،‭ ‬تبرز‭ ‬ملاحظة‭ ‬تتكرر‭ ‬كأنها‭ ‬قدر‭ : ‬العراقي‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يُحكم‭ ‬بعقائدي،‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬سياسي،‭ ‬يشهر‭ ‬حسام‭ ‬معتقده،‭ ‬أو‭ ‬بقائد‭ ‬عسكري‭ ‬يشهر‭ ‬سيف‭ ‬السلطة‭.‬ لا‭ ‬وسطية،‭ ‬لا‭ ‬حلول‭ ‬نصفية،‭ ‬لا‭ ‬تسويات‭ ‬مريحة‭.‬ إما‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬شيء،‭ ‬إما‭ ‬الجنة‭ ‬أو‭ ‬النار،‭ ‬إما‭ ‬الولاء‭ ‬المطلق‭ ‬أو‭ ‬الخيانة‭ ‬العظمى‭.‬ هذه‭ ‬ليست‭ ‬مبالغة،‭ ‬بل‭ ‬واقع‭ ‬يومي‭ ‬يلمسه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬عاش‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬راقبه‭ ‬عن‭ ‬كثب‭.‬

تجد‭ ‬الشارع‭ ‬العراقي‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬حماسة‭ ‬عقائدية‭ ‬محمومة‭ ‬إلى‭ ‬تأييد‭ ‬ديكتاتورية‭ ‬صارمة‭ ‬في‭ ‬غمضة‭ ‬عين،‭ ‬كأن‭ ‬الشعب‭ ‬لا‭ ‬يطمئن‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬سمع‭ ‬صوتاً‭ ‬صارخاً‭ ‬يأمره‭ ‬بما‭ ‬يفعل،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬الصوت‭ ‬ينبعث‭ ‬من‭ ‬منبر‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬قصر‭ ‬السلطة‭.‬

في‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬العراقية‭ ‬صارت‭ ‬العبارة‭ ‬شائعة‭ “‬العراقي‭ ‬ما‭ ‬تصير‭ ‬له‭ ‬چارة‭ “. ‬يقولها‭ ‬المواطن‭ ‬والرئيس‭ ‬والمتعلم‭ ‬والجاهل،‭ ‬بنبرة‭ ‬فيها‭ ‬يأس‭ ‬وشماتة‭ ‬معاً،‭ ‬وكأنهم‭ ‬يعلّقون‭ ‬على‭ ‬وحش‭ ‬كاسر‭ ‬لا‭ ‬يُروَّض‭ ‬إلا‭ ‬بالسياط‭ ‬حديدية،‭ ‬وهي‭ ‬إقرار‭ ‬ضمني‭ ‬بأن‭ ‬الوسطية‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬الرفاهية‭ ‬بين‭ ‬العراقيين‭.‬

‭ ‬انظر‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬منذ‭ ‬‮١٩٢١‬،‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬لم‭ ‬تستقر‭ ‬يوماً‭ ‬إلا‭ ‬تحت‭ ‬جناح‭ ‬تطرف‭ ‬ما‭: ‬قومي‭ ‬عنيف،‭ ‬مذهبي ‬،‭ ‬أو‭ ‬يساري‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬متقطعة،‭ ‬أو‭ ‬قبضة‭ ‬عسكرية‭ ‬لا‭ ‬ترحم‭.‬

حتى‭ ‬الملكية‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬معتدلة‭ ‬نسبياً‭ ‬لم‭ ‬تعش‭ ‬إلا‭ ‬بفضل‭ ‬الجيش‭ ‬البريطاني،‭ ‬لتنتهي‭ ‬حقبتها‭ ‬بانقلابات‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار،‭ ‬والقوميين‭ ‬والبعثيين‭ ‬والشيوعيين‭.‬ ‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬لا‭ ‬يهدأ‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬شعر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ “‬يبطش‭” ‬بمن‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬الخط،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬البطش‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬القومية‭ ‬أو‭ ‬الأمن‭.‬ والنتيجة؟‭ ‬دولة‭ ‬هشة،‭ ‬مؤسسات‭ ‬مفككة،‭ ‬ثروة‭ ‬منهوبة،‭ ‬وشعب‭ ‬يعيش‭ ‬بين‭ ‬انفجار‭ ‬غضب‭ ‬وانفجار‭ ‬خوف‭.‬

التنازع‭ ‬القبلي‭ ‬يزداد،‭ ‬والتخندق‭ ‬المذهبي‭ ‬يتعمق،‭ ‬والانقلابات‭ ‬تتوالى،‭ ‬لأن‭ ‬الجميع‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬اليد‭ ‬الحديدية‭ ‬التي‭ ‬ستجمّعهم،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬اليد‭ ‬ستخنقهم‭ ‬غداً‭.‬

‭ ‬كان‭ ‬المتوقع‭ ‬بعد‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬‮٢٠٠٣‬،‭ ‬وبعد‭ ‬ثورة‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬والفيسبوك‭ ‬وتويتر،‭ ‬أن‭ ‬ينفتح‭ ‬العراقيون‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬ليروا‭ ‬كيف‭ ‬تحل‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬مشاكلها‭ ‬بالتخطيط‭ ‬والعمل،‭ ‬وكيف‭ ‬تتعايش‭ ‬سويسرا‭ ‬بين‭ ‬لغاتها‭ ‬ومذاهبها‭ ‬الأربعة،‭ ‬وكيف‭ ‬تتفق‭ ‬ألمانيا‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬ائتلافية‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كرهت‭ ‬بعضها،‭ ‬لكن‭ ‬العكس‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬تماماً‭.‬

‭‬استُثمر‭ ‬الانترنت‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬المذهبية‭ ‬بجودة‭ ‬عالية،‭ ‬وصار‭ ‬الشيخ‭ ‬المتشدد‭ ‬يبث‭ ‬دروسه‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬ملايين‭ ‬المتابعين،‭ ‬وتحولت‭ ‬صفحات‭ ‬أبناء‭ ‬العشيرة‭ ‬الفلانية‭ ‬إلى‭ ‬جيوش‭ ‬إلكترونية‭.‬

‭ ‬الوسطية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬اليوم‭ ‬ليست‭ ‬ضعيفة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬متهمة‭.‬ ‬من‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الاعتدال‭ ‬يُتهم‭ ‬إما‭ ‬بالعمالة‭ ‬أو‭ ‬بالزندقة،‭ ‬والنتيجة‭ ‬أن‭ ‬بذوره‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬قاحلة،‭ ‬تنتظر‭ ‬جيلاً‭ ‬جديداً‭ ‬يملك‭ ‬شجاعة‭ ‬أن‭ ‬يقول‭: ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬المتطرف‭ ‬العقائدي،‭ ‬ولا‭ ‬فرعون،‭ ‬نريد‭ ‬فقط‭ ‬دولة‭.‬‭ ‬حتى‭ ‬يأتي‭ ‬ذلك‭ ‬الجيل،‭ ‬سيظل‭ ‬العراقيون‭ ‬يدورون‭ ‬في‭ ‬الحلقة‭ ‬المفرغة‭ ‬نفسها‭: ‬إما‭ ‬متزمّت‭ ‬يحكم‭ ‬بعقيدة‭ ‬متطرفة،‭ ‬أو‭ ‬ديكتاتور‭ ‬يحكم‭ ‬بسيف.

اضف تعليق