تعتمد فعالية الصحافة على نظام بيئي مترابط من المؤسسات والمعايير الديمقراطية. وتشمل هذه خدمة مدنية مهنية ومطلعين حكوميين شجعان، وهيئة تشريعية وقضاء مستقلين، ومواطنين مستعدين للمخاطرة بالاحتجاج علناً. المؤسسات الأمريكية التي تدعم الصحافة وتترجم عملها إلى حماية حقيقية للجمهور آخذة في التعثر. وإذا لم يتم تقوية هذه المؤسسات...

الصحافة المستقلة، مهما بلغت شجاعتها ودقتها في كشف الحقائق، تظل عاجزة بمفردها عن صد الزحف الاستبدادي ما لم تكن مسنودة بنظام مؤسسي قوي وفعال.

هذا ما أشارت اليها سوزان تشيرا في مقالها "وعود الصحافة الحرة وحدودها" الذي نشرته مجلة فورين افيرز، في أطروحة واقعية تتحدى النظرة الرومانسية للصحافة باعتبارها الحصن الأوحد للديمقراطية. فالمعلومات والفضائح التي يكشفها الصحفيون لا قيمة لها في فراغ؛ بل تحتاج إلى قضاة نزيهين، ومشرعين يمتلكون الجرأة السياسية، وموظفين حكوميين (مبلغين) ومجتمع مدني يقظ لتحويل تلك الكشوفات إلى إجراءات محاسبة قانونية وسياسية.

لتدليل على صحة هذه الرؤية، تستعرض الكاتبة تجارب دولية متباينة. ففي كوريا الجنوبية والبرازيل، نجحت الصحافة في لعب دور حاسم في عزل أو محاكمة رؤساء جنحوا نحو الاستبداد (مثل بارك غن-هي وجايير بولسونارو).

وتشير إلى أن الولايات المتحدة ليست محصنة ضد هذا التآكل الديمقراطي. وترصد علامات مقلقة تتمثل في تسييس المحكمة العليا لصالح توسيع صلاحيات الرئيس، ورضوخ بعض ملاك وسائل الإعلام الكبرى للضغوط السياسية خوفاً على مصالحهم.

وكاتبة المقال هي: سوزان تشيرا هي رئيسة تحرير "مشروع مارشال"، وشغلت سابقاً منصب نائب رئيس التحرير التنفيذي والمحرر الأجنبي في صحيفة نيويورك تايمز).

وفيما يلي الترجمة الكاملة للمقال:

مع وقوع الديمقراطيات تحت الحصار في جميع أنحاء العالم، من المغري اعتبار الصحافة المستقلة حصناً للحرية. في عام 2023، على سبيل المثال، وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الصحافة المستقلة بأنها "أساس الديمقراطية والعدالة" و"شريان الحياة لحقوق الإنسان". لكن الحقيقة التي تدعو للصحوة هي أنه حتى أشجع الصحفيين وأكثرهم عزماً لا يمكنهم دعم الديمقراطية دون مؤسسات قوية. لا يمكن لوسائل الإعلام كشف إساءة استخدام السلطة إلا إذا قام موظفو الخدمة المدنية، والمطلعون داخل الحكومة، ومصادر أخرى بمشاركة معلومات حساسة. وبدورها، لا يمكن لتقارير الصحافة أن تقيد سلطة المستبدين إلا إذا حفزت اتخاذ المزيد من الإجراءات. فبدون مدعين عامين مخولين بتوجيه اتهامات ضد المخطئين، وقضاة مستعدين لإبطال التجاوزات، ومشرعين يمتلكون الجرأة للمطالبة بالتحقيقات وتغيير القوانين، ومواطنين غاضبين بما يكفي للاحتجاج، فإن أي كشوفات يقدمها الصحفيون ستقع على أرض صخرية (لن تثمر).

مع اشتداد الهجوم على حرية الصحافة في الولايات المتحدة، من المفيد دراسة الدور الذي لعبته الصحافة في بلدان أخرى تواجه تآكلاً ديمقراطياً. تُظهر حالات كوريا الجنوبية والبرازيل والسلفادور وعود وسائل الإعلام - وحدودها - في تعزيز الديمقراطية وكبح الاستبداد المتصاعد. في هذه البلدان، كشف الصحفيون عن الفساد وحشدوا المواطنين للاحتجاج ضد القادة الذين أساؤوا استخدام سلطتهم. ولكن، لم تتمكن الصحافة من محاسبة السلطة بشكل فعال إلا عندما ساعدت مؤسسات وأفراد مؤثرون آخرون - مثل المحاكم ورجال الأعمال والمبلغين عن المخالفات - في كبح تجاوزات السلطة التنفيذية. يحمل أعضاء الصحافة في هذه البلدان تحذيراً: المؤسسات الأمريكية التي تدعم الصحافة وتترجم عملها إلى حماية حقيقية للجمهور آخذة في التعثر. وإذا لم يتم تقوية هذه المؤسسات، فلن تتمكن أي تقارير صحفية - مهما كانت دؤوبة - من وقف الطغيان.

قصة إخبارية

بشر انهيار الشيوعية في أواخر ثمانينيات القرن العشرين بسردية آسرة حول كيفية هزيمة الاستبداد. أولاً، يكسر الصحفيون الشجعان قبضة الحكومة الخانقة على المعلومات. ثم يخرج جمهور ساخط وغاضب إلى الشوارع مطالباً بالحرية. كانت فرضية مغرية: إذا قيل للناس الحقيقة، سيسقط الديكتاتور.

لكن ذلك كان دائماً تبسيطاً مفرطاً بالغ في تقدير قوة الصحافة. وفي السنوات الفاصلة، أدت التحولات الاقتصادية الهائلة إلى إضعاف الركائز المالية للصحافة. فقد كسر صعود الإنترنت النموذج الاقتصادي للصحافة من خلال خفض عائدات الإعلانات ونشر المعلومات على نطاق واسع والتي كان على الجمهور الدفع للحصول عليها في السابق. أشار تقرير عام 2025 الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود" غير الحكومية إلى أن 34 دولة تشهد "إغلاقات جماعية" لمنافذ الأخبار، وفي 160 من أصل 180 دولة حول العالم، تكافح وسائل الإعلام من أجل الاستقرار المالي.

كما تشرذمت طرق إيصال الأخبار. يشير سيلفيو آر. وايس بورد، أستاذ الإعلام والشؤون العامة في جامعة جورج واشنطن، إلى أنه قبل 30 عاماً، "كانت الصحافة السائدة تحظى باهتمام النخب والجمهور". أما الآن، فإن "القصص المكتوبة من منظور المساءلة لا تصل إلى الأشخاص الذين يجب أن يطلعوا على المعلومات". كما منحت الثورة الرقمية الحكومات والأنصار الحزبيين فرصاً أكبر للتلاعب بالمعلومات التي يتلقاها المواطنون.

نشأ وايس بورد في ظل الديكتاتورية العسكرية التي حكمت الأرجنتين من 1976 إلى 1983، وتابع دراسة التآكل الديمقراطي في أمريكا اللاتينية. وبشكل عام، وجد أن الصحافة تكون أكثر فاعلية كأداة لمواجهة الاستبداد عندما تستطيع استغلال الخلافات بين النخب لاستخراج المعلومات. على سبيل المثال، فضيحة الفساد الواسعة في عام 2014 التي أدت إلى إدانة قادة أعمال وسياسيين في البرازيل ودول أمريكية لاتينية أخرى، استمرت بفضل تقارير صحفية اعتمدت على تسريبات حول شهادات وتنصتات من مطلعين داخل الحكومة عزموا على تركيز انتباه الجمهور على المخالفات. مثل هذه الكشوفات يمكن أن تؤدي بدورها إلى تقوية عزيمة المؤسسات التي تكبح السلطة الاستبدادية، مثل الهيئة التشريعية والقضاء والجيش.

في الولايات المتحدة في السبعينيات، اعتمد صحفيو "واشنطن بوست" على مطلع من داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) - وهو "ديب ثروت" الأسطوري، الذي كُشف لاحقاً أنه الرجل الثالث في الوكالة - للكشف عن العديد من الجرائم التي ارتكبها الرئيس ريتشارد نيكسون ومساعدوه. استخدم الصحفيون معلومات "ديب ثروت" لانتزاع المزيد من الاعترافات من مساعدي نيكسون القلقين بشأن تورطهم في إساءة استخدام السلطة. وقد حفزت تلك الكشوفات إجراءات من قبل القضاء والكونغرس. رفضت المحكمة العليا ادعاءات نيكسون بالامتياز التنفيذي وأجبرته على الإفراج عن أشرطة المكتب البيضاوي سيئة السمعة. وعندما تابعت اللجنة القضائية في مجلس النواب لاحقاً إجراءات عزل نيكسون، انقلب أعضاء حزبه الجمهوري ضده، محذرين إياه من أنهم سيصوتون للعزل، مما دفع نيكسون للاستقالة.

ولكن إذا كانت المؤسسات القادرة على العمل لإصلاح الظلم خاضعة أو أسيرة أو مخترقة، فلن يتغير الكثير أو لا شيء على الإطلاق. وإذا كان الناس ببساطة لا يرون ما ينشره الصحفيون في مشهد إخباري منعزل ومجزأ بشكل متزايد، فمن غير المرجح أن يضغطوا من أجل التغيير أيضاً.

الدفاع عن المدافعين

واجهت كل من كوريا الجنوبية والبرازيل والسلفادور تهديدات خطيرة للديمقراطية، وتوضح مصائرها المختلفة نوع النظام البيئي المؤسسي الذي يساعد الصحافة الباسلة في الدفاع عن الحرية - وكيف يمكن تكميم أفواه حتى الصحفيين الشجعان. خلال ما يقرب من ربع قرن من الحكم الاستبدادي في كوريا الجنوبية من الستينيات إلى الثمانينيات، تم ترهيب العديد من المنافذ الإخبارية وإخضاعها، لتقوم بترديد الدعاية الحكومية بطاعة. حتى بعد أن أجبرت الاحتجاجات الضخمة للمواطنين الكوريين الجنوبيين الديكتاتور العسكري تشون دو-هوان على التنحي في عام 1988، كافحت الديمقراطية الشابة في البلاد. ظل جهاز مخابراتها القمعي قوياً؛ وتردد المشرعون في التسويات اللازمة لتمرير القوانين وتجاوز العداوات القديمة، مما أدى إلى الجمود وتكثيف التحزب.

عندما تولت الرئيسة بارك غن-هي السلطة في عام 2013، تبنت أسلوباً استبدادياً ذكّر العديد من الكوريين الجنوبيين بـ 15 عاماً من القمع الذي فرضه والدها، بارك تشونغ-هي، بعد استيلائه على السلطة في انقلاب عام 1961. ضغطت على الرؤساء التنفيذيين لشركات البث العام لطرد الصحفيين، ووضعت آلاف الفنانين في القائمة السوداء لمنعهم من تلقي التمويل الحكومي، واستخدمت قوانين التشهير كسلاح لاضطهاد المراسلين.

لكن ظهور الديمقراطية في كوريا الجنوبية شجع أيضاً على إنشاء منافذ صحفية جديدة ملتزمة بكشف الإساءات والفساد. تم إسقاط بارك غن-هي في النهاية بفضل تعاون غير محتمل بين صحيفة "هانكيوريه"، وهي صحيفة يومية يسارية التوجه تأسست في عام 1988، ومحطتين تلفزيونيتين أكثر محافظة. أجرت سومين سيو، وهي مراسلة سابقة وأستاذة مشاركة في الصحافة في كلية الاتصالات بجامعة سوغانغ، بحثاً حول كيفية كشف هذه المنافذ عن دفعات مالية لـ تشوي سون-سيل، المستشارة المقربة للرئيسة. كشف تحليلها أنه، بسبب إحباطهم مما اعتبروه ضغطاً سياسياً على قادة الإعلام لوقف تغطية الفضائح، تبادل المراسلون من المنافذ المتنافسة المصادر فيما بينهم - وهو خروج ملحوظ عن المألوف. وعلى الرغم من أن المراسلين لم يكشفوا عن هوية مصادرهم، فإن سبقهم الصحفي - الذي كان أحدها مدفوعاً بالحصول على جهاز كمبيوتر محمول يظهر أن تشوي ساعدت في تحرير بعض خطابات بارك - أشار إلى أن مطلعين من داخل الحكومة ربما ساعدوا الصحفيين.

أثار الكشف عن أن ابنة تشوي عُرض عليها القبول في جامعة كبرى رغم درجاتها المتواضعة غضباً شعبياً خاصاً، لأن الكوريين العاديين يدرسون بجد لسنوات من أجل امتحانات دخول تنافسية للغاية. أدى ذلك إلى مسيرات وطنية تطالب باستقالة بارك. شكل المواطنون سلاسل بشرية حول الجمعية الوطنية لمنع المركبات المدرعة، وقاموا بخياطة وتعليق اللافتات، وتوفير الطعام والشراب، واستدامة المظاهرات المناهضة للفساد بطرق أخرى. تخبرني سيو أن شجاعة الكوريين الجنوبيين في الاحتجاج كانت مدفوعة بذكرياتهم المؤلمة عن الديكتاتورية. وتقول: "كنا الجيل الأول الذي يمكنه السفر إلى الخارج بحرية، والذي نشأ في جيل ما بعد الديكتاتورية الليبرالي". في النهاية، صوتت الهيئة التشريعية في كوريا الجنوبية لعزل بارك. استمرت الاحتجاجات العامة لعدة أشهر بينما تداولت المحكمة الدستورية في البلاد ما إذا كانت ستؤيد العزل؛ وفي النهاية، صوتت المحكمة بالإجماع على عزل بارك من منصبها.

في أواخر عام 2024، عزل المجلس التشريعي لكوريا الجنوبية رئيساً مرة أخرى - هذه المرة بسبب فرضه الأحكام العرفية بشكل غير دستوري. كان يون سوك-يول قد تعرض بالفعل لانتقادات لإشرافه على مداهمات حكومية واسعة النطاق لغرف الأخبار ومنازل الصحفيين بتهم نشر "أخبار كاذبة"، واستخدام حق النقض ضد تدابير حماية العمل العامة، وتبييض التحقيقات في الإخفاقات الحكومية. بعد أن فرض يون الأحكام العرفية، ساعدت التغطية الإخبارية على مدار الساعة في دفع الكوريين الجنوبيين للخروج إلى الشوارع. كانت مؤسسة مونهوا للإذاعة (MBC)، وهي هيئة بث تلفزيوني وإذاعي عريقة، حازمة بشكل خاص، بما في ذلك عبر قناتها الشهيرة جداً على يوتيوب. ووفقاً لتقرير عام 2024 الصادر عن مؤسسة الصحافة الكورية ومعهد رويترز، يحصل 51 في المائة من الكوريين الجنوبيين على الأخبار من يوتيوب، وهي أعلى نسبة بين 47 دولة شملها الاستطلاع.

أثبتت الهيئة التشريعية والقضاء في كوريا الجنوبية مرة أخرى استعدادهما لمواجهة السلطة الرئاسية. أيدت المحكمة الدستورية عزل يون بالإجماع، على الرغم من أن العديد من القضاة - كما كان الحال في عام 2017 عند الإطاحة ببارك - قد تم تعيينهم من قبل الرؤساء الذين عزلوهم.

مصادر القوة

يسلط نجاح البرازيل في محاسبة الرئيس جايير بولسونارو لتخطيطه لانقلاب بعد خسارته في انتخابات 2022 الضوء أيضاً على مدى أهمية المعارضة الحكومية الداخلية والقضاء المستقل لجهود الصحافة في كشف وكبح الاستبداد. بعد أن أصبح بولسونارو رئيساً في عام 2019، هاجم الصحافة بلا هوادة، وشن حملات تضليل، وهدد استقلال الانتخابات البرازيلية. كانت البرازيل تحكمها طغمة عسكرية من الستينيات إلى الثمانينيات، بدعم مبدئي من صحافة اعتقدت أن القيادة المؤقتة للجيش يمكن أن تعيد الاستقرار وتصد التهديدات الشيوعية. لكن بيدرو دوريا، وهو كاتب عمود في "أو غلوبو"، الصحيفة اليومية الرائدة في البلاد، يخبرني أن الحكم العسكري الطويل والوحشي الناتج جعل الناشرين يخجلون من امتثالهم المبكر وعازمين على أن يكونوا أكثر جرأة عندما هدد بولسونارو المعايير الديمقراطية. شعر الصحفيون ورجال الأعمال والمحامون بوضوح تام أنه "كان علينا أن نصرخ منذ البداية"، كما قال دوريا. شعروا أن عليهم الإشارة لبولسونارو وأي مؤيدين محتملين له في الجيش بأن البرازيل لا يمكن أن تتراجع إلى الديكتاتورية.

تبع ذلك سيل من التحقيقات الصحفية في الفساد وسوء الإدارة. لكن الخطوة الأولى في الكشف عن المخالفات هي العثور على مطلعين حكوميين مستعدين للمخاطرة لتقديم المعلومات - أشخاص لديهم إمكانية الوصول إلى الوثائق والقرارات التي تظهر العمل الداخلي للحكومة. تتذكر باتريشيا كامبوس ميلو، التي كانت تحقيقاتها حافزاً حاسماً للإجراءات القضائية ضد بولسونارو، أن مصادرها كانت عازمة على عدم رؤية البرازيل تُجر مرة أخرى إلى الديكتاتورية وشعرت بأن التحدث علناً مسألة ضمير. وتقول: "كان هناك الكثير من المعارضة الداخلية. كانت جنة للتسريبات". كان الناس "شجعاناً بما يكفي للتواصل مع الصحفيين".

وثقت مقالاتها الناتجة لصحيفة "فولها دي ساو باولو"، وهي واحدة من أكبر الصحف وأكثرها نفوذاً في البرازيل، مخالفات مالية في حملة بولسونارو الرئاسية لعام 2018 واستخدام حكومته اللاحق لوسائل التواصل الاجتماعي لاستهداف المعارضين. هاجم بولسونارو كامبوس ميلو على وسائل التواصل الاجتماعي وفي تصريحات عامة، مكرراً اتهامات كاذبة من أحد المصادر بأنها قايضت الجنس مقابل التسريبات، مما أثار سيلاً من التهديدات بالاعتداء الجنسي والمضايقات عبر الإنترنت ضدها. (قضت محكمة في النهاية بتعويض لكامبوس ميلو عن "الأضرار المعنوية").

في النهاية، ساعدت مقالات كامبوس ميلو والغضب العام اللاحق في دفع القضاء لمحاكمة بولسونارو. أثبت القضاء البرازيلي المستقل حيويته في ترجمة التحقيقات إلى إجراءات. غيرت المحاكم الفيدرالية والمحاكم الانتخابية الخاصة القواعد الانتخابية لتعزيز نزاهة الانتخابات، وقيدت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد، وأدانت بولسونارو بتهمة التآمر للبقاء في السلطة بعد خسارته انتخابات 2022. ولأن عدداً كافياً من المشرعين المعارضين بقوا في الهيئة التشريعية، لم يكن لدى بولسونارو النفوذ المطلق ولا القدرة على عقد الصفقات لاستبدال القضاة، كما يقول دوريا. عندما قام الصحفيون بعملهم، كما تقول كامبوس ميلو، "كان بإمكانهم الثقة في أن القضاء سيفعل شيئاً ما".

الحبس الانفرادي

في المقابل، في السلفادور، كافحت حتى الصحافة الصريحة لتقييد القمع الاستبدادي. في عام 1992، أصبحت السلفادور ديمقراطية بعد حرب أهلية دموية استمرت 12 عاماً. حاول دستورها حماية الجيش والقضاء من السياسة. لكن هذه المؤسسات ظلت عرضة للتدخل السياسي، واستمر الفقر المدقع وعدم المساواة الاجتماعية في ابتلاء البلاد. انتُخب نجيب بوكيلي رئيساً في عام 2019 من قبل سلفادوريين مرعوبين من عصابات المخدرات ومشمئزين من مؤسسة سياسية رأوها عاجزة وفاسدة.

سرعان ما أفرغ مؤسسات البلاد الهشة بالفعل وسد طرق المقاومة، وتحرك بسرعة لتحجيم الهيئة التشريعية بإرسال أعضاء من الجيش السلفادوري إلى مبنى البرلمان في عام 2020 في محاولة لإجبارهم على دعم استيلاءه على السلطة. لاحقاً، فاز حزبه بأغلبية ساحقة في الهيئة التشريعية. ثم استبدل هؤلاء المشرعون الموالون العديد من القضاة في المحكمة العليا في السلفادور، والتي أعادت بدورها تفسير حدود الدستور بشأن فترة الرئاسة للسماح لبوكيلي بالفوز بإعادة الانتخاب في عام 2024. وقد أصدر بوكيلي الآن مرسوماً بأنه يمكنه البقاء في منصبه إلى أجل غير مسمى.

يتمتع الموقع الرقمي السلفادوري "إل فارو" (El Faro) بسجل حافل يمتد لـ 15 عاماً من التحقيقات الجريئة، ولا سيما كشفه عن صلات السياسيين بعصابات المخدرات المكروهة. بعد تولي بوكيلي السلطة، واصل الموقع توثيق تآكل الحريات الديمقراطية وانتهاكات الحكومة لحقوق الإنسان، بمساعدة مصادر داخلية قلقة. لكن "إل فارو" تعرض لهجوم لا هوادة فيه من قبل الحكومة - بما في ذلك المراقبة، واتهامات غسيل الأموال، وحملات تشهير من قبل المؤسسات ذاتها التي دعمت الديمقراطية في بلدان أخرى: النظام القضائي، والمدعون العامون، وهيئة تشريعية خاضعة لبوكيلي.

في عام 2022، اكتشف المنفذ أن ما لا يقل عن 22 من صحفييه الـ 30 قد تعرضوا للاختراق من قبل مشغل حكومي. نشر "إل فارو" هذه المعلومات جنباً إلى جنب مع افتتاحية موجهة لمصادره، ناصحاً إياهم بضرورة الافتراض أن الأشخاص في الحكومة يعرفون أنهم قد يكونون مصادر. يقول كارلوس دادا، مدير "إل فارو" وأحد مؤسسيه، إن المخاوف من انتقام الحكومة أثارت أزمة مصادر. "اختفت جميع مصادرنا، واحتجنا للبدء من جديد" لبناء "نظام حماية لهم". واصل "إل فارو" تقديم التقارير، ونشر مقابلات فيديو في وقت سابق من هذا العام مع زعيم عصابة بارز يصف صفقات مع بوكيلي. لكن التهديدات بالاعتقال الوشيك دفعت معظم صحفيي المنفذ إلى الفرار من البلاد، وهو يعمل الآن في المنفى في كوستاريكا. "إل فارو" ليس وحيداً: أشارت جمعية الصحافة السلفادورية مؤخراً إلى أنه خلال الأشهر الستة الماضية، فر ما لا يقل عن 53 صحفياً من البلاد.

يتحسر دادا قائلاً: "يسيطر بوكيلي على جميع المؤسسات". "ليس فقط الهيئة التشريعية والقضاء، [ولكن] أيضاً مكتب المدعي العام، والجيش، والشرطة". وهذا يعني أنه "لا توجد حماية [و] لا يوجد توازن. نحن عزل إلا من صحافتنا".

الاستقلال يحتاج إلى ترابط

تعتمد فعالية الصحافة على نظام بيئي مترابط من المؤسسات والمعايير الديمقراطية. وتشمل هذه خدمة مدنية مهنية ومطلعين حكوميين شجعان، وهيئة تشريعية وقضاء مستقلين، ومواطنين مستعدين للمخاطرة بالاحتجاج علناً.

حتى في كوريا الجنوبية والبرازيل، يشعر الصحفيون بمزيد من الضغط. حذرت سيو، أستاذة الإعلام، من أن تزايد عدم ثقة الكوريين الجنوبيين في "كيريغي" (kiregi)، أو "صحفيي القمامة"، الذين لجأوا إلى الإثارة، وطوفان المعلقين الحزبيين على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن يعرض الثقة في الصحافة للخطر. وفي الوقت نفسه، يبلغ الصحفيون البرازيليون عن ضغوط رقابية من اليمين واليسار على حد سواء. ومع قيام القضاة بإغلاق بعض الأصوات اليمينية على وسائل التواصل الاجتماعي، تتزايد المخاوف من أن القضاء ذاته الذي حاكم بولسونارو قد أصبح قوياً للغاية.

يغطي الصحفيون الأمريكيون إدارة ترامب بحيوية، موثقين التكلفة البشرية لحملة الإدارة الصارمة على الهجرة، ومحققين في الفساد والصفقات الذاتية، ومفصلين تضارب مصالحه وتحطيم المعايير الديمقراطية. يمكن أن يكون لهذه التغطية صدى. يبدو أن مقاطع الفيديو والمقالات التي تتضمن مشاهد مؤلمة لأطفال يُنتزعون من آبائهم أثناء احتجاز المهاجرين هي أحد العوامل التي تضغط على معدلات تأييد ترامب. وأدى تقرير صحفي كشف عن خطة للبنتاغون لإطلاع رجل الأعمال إيلون ماسك على سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين إلى تراجع البنتاغون، مما قد يجنب فساداً صريحاً.

لكن الصحفيين في كوريا الجنوبية والبرازيل والسلفادور يحذرون من أن المؤسسات التي تجعل الصحافة ضمانة فعالة للديمقراطية تضعف في الولايات المتحدة. تم طرد موظفي الخدمة المدنية بشكل جماعي واستبدالهم بموالين، مما يعيق قدرة الصحفيين على الحصول على معلومات حساسة. لم تدافع الأغلبية الجمهورية في الكونغرس عن سلطتها الدستورية في وضع سياسة التعريفات الجمركية ومكّنت جهود إدارة ترامب لحجز الأموال التي خصصتها الهيئة التشريعية، مما يقوض نظام الضوابط والتوازنات. قضى العديد من القضاة الفيدراليين بأن تصرفات الإدارة غير قانونية أو غير دستورية. ولكن على عكس البرازيل أو كوريا الجنوبية، تبنت المحكمة العليا الأمريكية رؤية موسعة للسلطة التنفيذية. وقد حكمت لصالح ترامب في قضايا متعددة، بما في ذلك السماح بالتنميط العنصري في اعتقالات الهجرة والطرد الجماعي لموظفي الخدمة المدنية.

وعلى عكس البرازيل، يستسلم العديد من مالكي وسائل الإعلام المؤسسية بسرعة لضغوط ترامب. وافقت شبكة "سي بي إس نيوز" على دفع 16 مليون دولار ودفعت "إيه بي سي نيوز" 15 مليون دولار لتسوية دعاوى قضائية رفعها ترامب والتي اعتقد العديد من محامي التعديل الأول أنه ليس لها فرصة للفوز في المحكمة. خلال الحملة الرئاسية لترامب لعام 2024، منع ناشرو "واشنطن بوست" و"لوس أنجلوس تايمز" مجالس تحريرهم من تأييد منافسه. تبرعت أمازون - التي يشغل رئيسها التنفيذي جيف بيزوس أيضاً منصب ناشر "واشنطن بوست" - بمبالغ كبيرة لتنصيب ترامب وقاعة الرقص المقترحة الجديدة في البيت الأبيض. هدد بريندان كار، رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية، وسائل الإعلام علناً. يواصل ترامب إهانة الصحفيين علناً، حيث قال مؤخراً لمراسلة: "اصمتي، أيتها الخنزيرة"، وتجاهل مقتل وتقطيع أوصال جمال خاشقجي في عام 2018، الصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة، بعبارة "الأشياء تحدث".

من المؤكد أن الولايات المتحدة لا تزال بعيدة عن ديستوبيا السلفادور. يلاحظ دادا، رئيس المنفذ الإخباري السلفادوري، نقاط القوة التي لا تزال تمتلكها الولايات المتحدة. "لا يزال لديكم معارضة؛ نحن لا نملك ذلك. لديكم مجتمع مدني صحي للغاية" - بما في ذلك احتجاج عام قوي ومنظمات غير حكومية متعددة ملتزمة بحماية الديمقراطية. في السلفادور، وعلى عكس الولايات المتحدة، أصبح الجيش الآن موالياً للرئيس فقط، على الرغم من أن إدارة ترامب نشرت الآن الحرس الوطني في عدة مدن، وقامت بتطهير العديد من الضباط العسكريين رفيعي المستوى، وتجاوزت الخطوط الحمراء السابقة من خلال إلقاء خطابات سياسية صريحة للجنرالات.

علماء الديمقراطية والمدافعون عن حرية الصحافة في الولايات المتحدة واضحون بشأن ما يحتاج الأمريكيون لفعله لحماية الحقوق التي اعتبروها أمراً مفروغاً منه لفترة طويلة. يتطلب التصدي لإساءة استخدام السلطة عملاً جماعياً - كما حدث عندما رفضت جميع المؤسسات الإخبارية باستثناء القلة قبول جهود إدارة ترامب لتقييد التغطية حول الشؤون العسكرية وفقدت تصاريحها الصحفية في البنتاغون. الوقوف في وجه الضغط يمكن أن يبدد الخوف ويشجع على المزيد من المقاومة - كما حدث عندما قاوم الجمهوريون في الكونغرس ضغوطاً مكثفة من ترامب وانضموا إلى الديمقراطيين للمطالبة بالإفراج عن ملفات إبستين. إن محاربة الدعاوى القضائية التي لا أساس لها في المحاكم تدافع عن حرية الصحافة، بينما تقوضها التسوية مسبقاً.

أحد الأسباب التي جعلت العديد من المؤسسات والأفراد في البرازيل وكوريا الجنوبية يقفون في وجه التآكل الديمقراطي هو احتفاظهم بذكريات حية عن الاضطهاد في ظل الديكتاتورية. لطالما اعتبر الأمريكيون أنفسهم بمنأى عن معظم العالم، آمنين في تاريخ طويل من الديمقراطية النابضة بالحياة والصحافة القوية. لكن تجارب الدول الأخرى تشير إلى أن الرضا عن النفس (التراخي) هو مجرد وهم.

اضف تعليق