نظم معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب، خلال دورته الحادية عشرة، يوم الأحد 5 إبريل 2015، ندوة بعنوان تساؤلات حول مصداقية الإعلام العربي، تحدث خلالها كل من الدكتور فوزي عبد الغني عميد كلية الإعلام بجامعة فاروس بالإسكندرية والدكتور خالد عزب رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية بمكتبة الإسكندرية وحسين دعسة مدير تحرير جريدة الرأي الأردنية.

 وقام بتقديمها الصحفي وائل السمري الذي قال أن الفارق بين الأحداث التاريخية التي عاشها المجتمع المصري والعربي قديماً والأحداث التي يعيشها الآن هو فارق يتحكم فيه بشكل كبير تطور وسائل الإعلام والاتصال والتي انعكست على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها الآن، ومن هنا جاء السؤال المهم حول مصداقية هذا الإعلام خاصة في ظل الأزمات التي تعيشها معظم الدول العربية، وتشابك القضايا الإعلامية مع القضايا الوطنية بشكل يومي أو لحظي، ووجود العديد من المصالح المتصارعة حول هذه القضية، خاصة مع ظهور إعلام رجال الأعمال وإعلام الدولة والإعلام الخارجي الذي يتدخل في كل ما نعيشه يومياً.

وأوضح الدكتور فوزي عبد الغني أن الدساتير في كل دول العالم بها ضمانة حرية التعبير وحرية الإعلام دون قيود أو رقابة، ولكن بما لا يخالف بعض الضوابط في القوانين والتي تحذر من انتهاك الحرمة الخاصة أو السب أو القذف، ومن هنا تأتي وضعية مناقشة قضية المصداقية حيث أن التنافس الإعلامي أصبح ضخم جداً ووسائل الإعلام متعددة، خاصة مع ظهور الإعلام الخاص أو إعلام رجال الأعمال وإعلام الدول وإعلام الأحزاب وإعلام الإنترنت والذي ظهر فيه ما يسمى بالصحفي المواطن، فالتحديث التكنولوجي الذي أظهر مواقع التوصل الاجتماعي Social Media وشاشات التلفزيون والراديو الأكثر تطوراً هو ما جعل هناك فكرة السبق والتغطية المتسرعة، وهو ما قد يفقدنا مصداقية وسيلة الإعلام أو الموضوع الذي تتناوله.

وأشار عبد الغني إلى أن شركات الإعلانات تؤثر بشكل كبير على مسألة المصداقية، فالإعلان قد يجعلك قادراً على زيادة نسب المشاهدة أو كثرة زيارة المواقع الإلكترونية، كما يُعد شريان الحياة بالنسبة للصحف، ولكن ما يُفقد الصحيفة مصداقيتها هي فكرة الإعلان التحريري التي أصبحت منتشرة بصورة كبيرة، فالصحفي يجب أن يكون محرر فقط، ولابد من وضع نوع من المحاسبة تمنع هذا النوع من الإعلانات. وأكد السمري في هذا السياق على أن هناك تكتلات من وكالات الإعلان بدأت تتحكم في سياسات العديد من محطات التلفزيون والصحف وتمارس ضغوطاً عليها.

وأكد فوزي على أنه لترسيخ فكرة المصداقية لابد أن يكون لدينا أدلة وشواهد واحصاءات ومراجع وتعدد وجهات النظر لقادة الرأي ووثائق مصورة وخبرات المصدر وتدريبات إعلامية، ويجب أن نكون بعيدين كل البعد عن الاهتمامات الشخصية، فمن عيوب الإعلامي هو الخوض في موضوع لا يعلم عنه شيئاً. وأشارت العديد من الدراسات التي تناولت وسائل الإعلام إلى أن نسبة 80% يؤكدون على انخفاض نسبة المصداقية في هذه الوسائل؛ نتيجة المعلومات المتناقضة، وتقديم وجهة نظر أحادية، وكثرة التحيز والتشكيك.

وأشار الدكتور خالد عزب إلى أن تعريف الإعلام، وفقاً للـ BBC أكاديمي، هو فن سيطرة الأقلية على الأغلبية، وكلما كان لهذه الأقلية القدرة على توجيه الأغلبية والسيطرة على عقلها كلما كان هذا الإعلام ناجحاً بصورة كبيرة، فلا يوجد ما يسمى بالإعلام المحايد، ولكنه يكون موجه بصورة كبيرة ويعبر إما عن ثقافة المجتمع أو توجه الدولة أو مالكي الأدوات الإعلامية.

وأكد عزب على أن الإعلام لابد أن يمتلكه المجتمع ولا يمتلكه أفراد أو دول أو غيرها، وأن هناك حقوق للمستهلك والمشاهد على وسائل الإعلام، ففي المنطقة العربية لا يوجد أي حق للمشاهد، وبالتالي فالشركات التجارية مثلاً تدمر الثقافة العربية تدميراً مستمراً بمحاولة تسطيح هذه الثقافة عن طريق وضع إعلاناتها بصورة كبيرة في برامج مسابقات الأغاني التي لا تنتهي في المنطقة العربية أو في مسابقات وهمية يجري إشاعاتها في الوطن العربي، ونحن نحمل طوال الوقت المسئولية إلى التعليم وننسى أن الإعلام أو ثقافة الصورة هي الأساس الأول الذي يتلقى عبره الشخص المعلومة، فإذا كانت تميل إلى تسطيح الثقافة في الوطن العربي، فهذا يعني أننا لسنا لدينا ثقافة حقيقية من الأساس.

وحذر عزب من خطورة سيطرة الإعلام في تشكيل رأي المجتمع بصورة كبيرة، حيث اتجهت الولايات المتحدة واعقبتها ألمانيا والصين وروسيا إلى تكوين وحدات خاصة داخل جيوشها تتعلق بحرب المعلومات وتحليلها وبثها عبر الإنترنت أو التلفزيون، والتي تُظهر قوة الولايات المتحدة في الحروب، وبالتالي سيطرة الجيش الأمريكي هو سيطرة الرعب على المشاهد عبر وسائل الإعلام الأمريكية.

وأشار إلى إن أروع مثال في استخدام الخطاب الإعلامي كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي كان يُعد نموذجاً ناجحاً في بناء شخصيته الإعلامية، ففي قريته ميت أبو الكوم كان يوجه خطابه لجموع الفلاحين والعمال، ولكن في القاهرة يخاطب جمهور آخر بلغة أخرى، وهذا هو تعدد مستويات الخطاب الإعلامي والتلقي الإعلامي، ففكرة المستوى الإعلامي الواحد هو ما يدمر المتلقي الإعلامي، ويعود ذلك إلى شبكة الإنترنت التي جعلت من المتلقي ناقد ومحلل، وإذا لم تنتبه وسائل الإعلام العربية لذلك سوف تقع في خطر كبير، فقد فقدت قناة الجزيرة مصداقيتها؛ لأنها أكثر قناة عربية روجت للعدو الصهيوني الإسرائيلي في المنطقة العربية، فأكثر ضيوفها هم من أعداء الوطن العربي في إسرائيل.

وأوضح حسين دعسة أننا نعيش في عالم من التشتت الإعلامي والفكري والثقافي تقوده مؤسسات واضحة الرؤية، فلا يستطيع التلفزيون الأردني على سبيل المثال أن يمنع إذاعة إعلانات المنتجات في وسط نشرة الأخبار، لأنها تشتريها بالكامل، فهناك مظلات قوية جداً تسيطر على سيادة المنتج الوطني، وإذا أردنا تحسين ذلك في المستقبل فسنصبح أمام مواجهات قانونية. كما أن أكاديميات الإعلام تعاني الآن من الغزو الذي تبثه شركات تدعي أنها تمتلك حقوق كليات إعلام في نيويورك أو شيكاغو والتي غزت الأردن وهي كليات مستقلة ولكنها تدرس الإعلام بالطرق الغربية، وبالتالي يكون لها تأثير على كل مسار الدولة.

وأكد دعسة على أن المسلسلات التركية عبارة عن إعلام موجه تحمل رؤى معينة لها علاقة ببناء المجتمعات وبناء الأسرة والدولة، ولها علاقة بتركيا الحديثة، بالإضافة إلى دبلجة العديد من المسلسلات التي لها علاقة بتاريخ الدولة العثمانية تحديداً، ومع الأسف دول الخليج بدأت في تقليد هذه المسلسلات ضمن نفس الرؤى، مما يؤثر على مصداقية كل شيء في العالم العربي.

ويرى دعسة أن المصداقية هي أن تكون كل دولة عربية قائمة على نمط معين من الأداء الإعلامي وتمويل الخطاب، فلا مكان للدولة الضعيفة التي لا تستطيع مقاومة قنوات مثل الجزيرة أو العربية، فقناة مثل الجزيرة تستغل الوثائق السياسية لاستمالة الرأي العام وتغيير مصداقية الإعلام. ويأمل أن يكون إعلامنا قادراً على المواجهة خلال الثلاثين عاماً القادمة لنعيد بناء ما فقدناه في مجتمعاتنا عن طريق ربط قنوات البث العادي أو الفضائي مع واقع حاجاتنا التربوية في المدارس والجامعات، فنحن نحتاج إلى بناء قوة ناعمة في المدن والقرى والأرياف، فهي التي ستحمي أجيالنا القادمة من الصراع الحادث الآن.

وقال حسين دعسة في ختام حديثه أنه منذ بدء حركات الربيع العربي بات التخطيط للإعلام المخفي بشكل كبير، حيث بدأ هذا النوع من الإعلام يغزو بلادنا عن طريق اخفاء الحقيقة ووضع حقائق مزيفة أو اخفاء الحدث بالكامل، وبالتالي تضيع المصداقية بالكامل.

اضف تعليق