q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

الأربعين الحسيني وتصاعد النهضة الثقافية

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

زيارة الأربعين نافذة كبرى للتثقيف وتطوير الأفكار، والتعليم على الابتكار، دعما للشباب الحسيني، وفتح السبل أمامه لاقتحام العالم المتطور، خصوصا عالم الإنترنيت ومواقع التواصل، وتحصينهم فكريا وعقائديا من خلال استثمار وجودهم في الأربعين الحسيني، بالإضافة إلى الإمكانيات الهائلة التي توفرها هذه الزيارة لمثل هذه المهام الكبيرة...

(علينا أن نتمسك بأهداف الإمام الحسين (عليه السلام) وتعاليمه)

الإمام الشيرازي

تفصلنا أيام قلائل عن ذكرى زيارة أربعين الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد غصّت مدينة كربلاء المقدسة بملايين الزوار، من داخل العراق وخارجه، وهؤلاء الزوار الكرام واجهوا الكثير من المصاعب المختلفة، منها بسبب صعوبة السفر، والزحام الكبير، والأوضاع الصحية الصعب لكثير من هؤلاء المؤمنين القادمين بقوة إيمانهم إلى سيد الأحرار (عليه السلام).

مع كل هذه الظروف المعيقة للزوار الأفاضل، إلا أن الأعداد في تزايد مستمر، حيث أعلن الناطق الرسمي باسم العتبة الحسينية بأن زيارة الأربعين لهذا العام هي الأكبر حتى الآن، وهذا دليل على تعاظم الفكر الحسيني ومكانة الإمام الحسين (عليه السلام) في قلوب المسلمين في العالم أجمع، فهذه الزيادة المتصاعدة في أعداد الزوار تؤشّر تصاعد الخير والثبات على مبادئ الحق التي أعلنها سيد الشهداء منذ ما يفوق الألف سنة.

هذا التصاعد الهائل في أعداد الزوار، لابد أن يوازيه تصاعد في الاستثمار الصحيح لهذه الشعيرة الحسينية المباركة، حيث تترتب واجبات ومسؤوليات علينا جميعا إزاء القضية الحسينية المتوهجة على مر التاريخ، فكل الذي يؤازرون مبادئ الإمام الحسين (عليه السلام) ويؤمنون بالفكر الحسيني ومبادئه عليهم واجب يجب أن يتصدوا له بإيمان مطلق، وإرادة راسخة، وجهود مضاعفة لا تعرف الملل أو الكلل.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يوضّح واجب المؤمنين تجاه القضية الحسينية، ويذكر ذلك في كتابه القيّم الموسوم بـ (موجز عن النهضة الحسينية) فيقول عن هذه النقطة:

(من الأسئلة المطروحة: ما هو واجبنا تجاه القضية الحسينية؟ وما هي مسؤوليتنا في الوقت الحاضر؟ الجواب: لابد من الاهتمام بالشعائر الحسينية بمختلف أنواعها والسعي لنشر ثقافة عاشوراء والنهضة الحسينية مضافاً إلى التبليغ الديني).

هنالك ظروف مناسبة للترويج الفكري العقائدي، لاسيما حين تبلغ التجمعات ملايين الأشخاص كما يحدث في زيارة الأربعين، فهذه المناسبة السنوية التي توالت مئات السنوات، لابد أن تُستثمَر بالطرائق المثلى خاصة من قبل الشباب، حتى يكون التبليغ منجزا ماثلا، وتكون النتائج ملموسة، لاسيما أن المسلمين يخوضون في معترك التنافس العالمي للتقدم.

الأمم تتصارع كي تثبت وجودها، وتحمي مصالحها، وتؤكد ذاتها وتاريخها وحاضرها، وطالما أن أمة المسلمين من الأمم الرائدة لقيادة البشرية، فإن مناسبة وشعيرة كالأربعين الحسيني، تعد من الفرص النادرة لتعظيم الفكر الإسلامي والنهضة الحسينية لاستعادة ألق الإسلام والمسلمين، ولتأكيد الدور الإسلامي الحسيني في تعديل بوصلة البشرية نحو الأهداف الصالحة، إن شهريّ محرّم وصفر هما أعظم الفرص التي توصل الفكر الحسيني إلى أبعد أصقاع العالم، فعلينا استثمارها بالشكل الذي يوازي مكانة الأربعين الحسيني.

التفوق الفكري والثبات العقائدي

الإمام الشيرازي يقول: (إن أفضل فرصة لخدمة العقيدة الإسلامية والتبليغ الديني على مستوى العالم، وإيقاظ وتوعية المسلمين، هو شهر محرم وصفر).

ومما يتوجّب التركيز عليه حتى نضمن التفوق الفكري والثبات العقائدي لشبابنا، تهيئة الظروف المناسبة لمواصلة التوعية والتثقيف من خلال مواصلة مجالس العزاء في كل الأماكن التي يمكن إقامتها فيها، كأماكن العبادة، أو البيوت وسواها، على أن يتم توزيع المطبوعات المختلفة على الحاضرين، والتأكيد على فئة الشباب وأهمية رفدهم بالفكر الحسيني ومبادئ النهضة الحسينية.

في زيارة الأربعين يكون الحضور الشبابي واضحا، ليس من العراق فحسب، بل من دول الجوار والعالم كافة، وهكذا يمكن انتهاز أو استثمار فرصة الحضور الشبابي الكبير من أجل التثقيف والتوعية، وإذا تم ذلك في مثل هذه المناسبات الكبيرة، فإن الشباب وغيرهم سوف يعتادوا على قراءة الكتب والمطبوعات، ويبحثوا بشكل مستمر عمّا يطور وعيهم وثقافتهم العاشورائية المؤازرة للحق والرافضة للباطل بكل مسمياته.

يقول الإمام الشيرازي:

(علينا إقامة مجالس العزاء في المساجد، الحسينيات، الطرقات، المكتبات، النوادي، المستشفيات، وحتى في منازلنا الشخصية طيلة أيام السنة ونجعل منها محلاً للتحرك والتوعية الصحيحة للناس).

ويضيف الإمام الشيرازي (رحمه الله) (نطمح أن يبلغ عدد هذه المجالس الملايين، توزع خلالها ملايين الكتب الإسلامية والتوعوية المفيدة بين مختلف الناس، كي تتفهم الأمة الإسلامية قضاياها ومسائلها بطريقة متدرجة، فيرتفع المستوى الثقافي عند الجميع).

وإذا كانت فئات زوّار الأربعين متباينة، حيث يوجد كبير السن والصغير ومتوسط العمر، فإن وجود الشباب يشكل علامة واضحة، كما أن مشاركاتهم في أداء مراسيم هذه الزيارة كبيرة وواضحة، عبر مواكب العزاء التي تتدفق على الضريحين المباركين للإمام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام)، بالإضافة إلى الخدمات الكبيرة التي يقدمونها لزوار كربلاء الكرام.

ومن الشباب من يُسهم بشكل لافت في الفعاليات الثقافية والدينية والفنية (كتقديم المسرحيات الهادفة)، كل هذا يتم في المواكب الحسينية التي تستقطب مئات الشباب كي يتلقوا المواعظ والخطب الفكرية والدينية التي تنير عقولهم وقلوبهم في وقت واحد، وغالبا ما ترافق هذه الفعاليات حملات لتوزيع المطبوعات الدينية والعقائدية والفكرية الرصينة.

يقول الإمام الشيرازي:

(علينا تنظيم الشباب المسلم بقدر الإمكان، فالشباب قوة عظيمة في البلاد الإسلامية كافة، وذلك عن طريق ملايين المنابر ومجالس الوعظ والخطابة ووسائل الإعلام الحديثة، وتوزيع الكتب، وإرشاد الجميع نحو التطور والاكتفاء الذاتي في المجالات كافة).

زيارة الأربعين نافذة ثقافية كبرى

وهكذا تكون زيارة الأربعين نافذة كبرى للتثقيف وتطوير الأفكار، والتعليم على الابتكار، دعما للشباب الحسيني، وفتح السبل أمامه لاقتحام العالم المتطور، خصوصا عالم الإنترنيت ومواقع التواصل، وتحصينهم فكريا وعقائديا من خلال استثمار وجودهم في الأربعين الحسيني، بالإضافة إلى الإمكانيات الهائلة التي توفرها هذه الزيارة لمثل هذه المهام الكبيرة.

الإمام الشيرازي يقول:

(إن مجالس الإمام الحسين (عليه السلام) في شهر محرم وصفر وغيرهما من أيام السنة، هي من أفضل الطرق للدعوة إلى تشكيل البرامج الدينية والحركات الفكرية والهيئات التنظيمية والدعوة للاكتفاء الذاتي وما أشبه).

يوم بعد آخر وشهر بعد آخر وسنة بعد أخرى، تزداد أعداد الزوار الكرام في هذه الزيارة السنوية المليونية المباركة، وتتعاظم حشود الزائرين وتتضاعف، وهذا الجانب يجب أن يضغط على المعنيين لتطوير قدراتهم كي يستثمروا الأربعينية بطريقة مثلى، فما يتحقق من حشود مليونية لا نجده في العالم كله، لهذا يجب العمل بعلمية ودقو وإرادة وتخطيط لدعم الشباب الحسيني بكل ما يستحقونه من التثقيف والتوعية الحسينية.

وهذا ما سيقود هؤلاء الشباب وعائلاتهم وأقرانهم التأثر بهم، والانخراط في الخط الحسيني، فالشباب من أكثر الناس قدرة على التأثير في من يصاحبهم أو يكون قريبا منهم، نظرا لتمتعهم بروح رياضية سمحة مقبلة على الحياة بإيمان وتفاؤل، لذا فزيارة الأربعين يجب أن تكون نقطة انطلاق لزرع مبادئ الحسين (عليه السلام) التي ضحى بنفسه كي ينشرها بين الناس، ضمانا لحياة كريمة تسود المسلمين والعالم كله.

لهذا يقول الإمام الشيرازي:

(إذن علينا أن نتمسك بأهداف الإمام الحسين (عليه السلام) وتعاليمه، بحيث يظهر في أعمالنا أننا قد اعتمدنا على رحمة الله الواسعة وباب نجاة الأمة، كما علينا أن نعمل بالقرآن الكريم والقوانين الإسلامية التي ضحى من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته المباركة، عندئذ يمكن استعادة قدرة الإسلام وقوة المسلمين وما ذلك على الله بعزيز).

وأخيرا فإننا في الطريق لإحياء مراسيم زيارة الأربعين، ولا تفصلنا عنها سوى أيام، لذلك فإن استثمار هذا الحدث العظيم الذي يحدث مرة واحد في السنة كلها، يجب أن يكون أولوية للجميع، خصوصا النخب الدينية والسياسية والثقافية التي تقود المجتمع، فإذا أردنا أن نعود إلى الصدارة كأمّة إسلامية حيّة، فإن بوابة العودة تكون من خلال هذه الزيارة الحسينية العملاقة.

اضف تعليق