q
ان المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي –طاب ثراه- جسّد أكمل مصداق لمفهوم المعارضة السياسية في النظرية الديمقراطية عندما انطلق يواجه المسؤولين الحكوميين في العراق منذ العهد الملكي ثم الجمهوري، ويكشف لهم أخطائهم، ويحذرهم من تماديهم في التمسك بهذه الاخطاء، وكان في العقد الثالث من عمره، في سابقة لم تشهدها الحوزة العلمية في تاريخها المعاصر...

{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى}

مما يميّز الفكر السياسي لمذهب أهل بيت رسول الله؛ تأسيسهم جهاز الرقابة على أنشطة الحكم، الى جانب المعارضة السلمية، وتجنب الخوض بالمواجهة العنيفة، والتسلّح بالكلمة ومنطق العقل، وبما جاء به الله –تعالى- من شرائع وأحكام متطابقة مع الفطرة البشرية، وهذا ملحوظ من سيرة حياة الأئمة المعصومين، ثم ما جرى عليه العلماء المصلحون منذ حوالي اثني عشر قرناً من الزمن، فقد شهدوا حكاماً تقمّصوا رداء الاسلام ثم عاثوا في الارض فساداً فحقّ عليهم الارشاد والتحذير لإلقاء الحجة عليهم، وفق القاعدة القرآنية: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}، ولا يبقى من يقول: {لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}.

ولانهم مصدرٌ غني للمعرفة، وذوي خطاب دقيق وحازم يستند على قاعدة رصينة تتمثل بالقرآن الكريم، وسيرة الرسول الأكرم، فانهم اكتسبوا عدة امتيازات على الصعيد الاجتماعي والسياسي في آن:

الأول: الاستقلالية الاقتصادية عن الدولة.

الثانية: توفير الجهد في مواجهة عنيفة لا تنتهي مع الحكام.

الثالثة؛ والأهم: ودّ وحب الناس لهم، وفي احيان كثيرة إعلان الولاء لهم والالتزام بتوجيهاتهم (فتاواهم) كونهم يعبرون عن ضمير الناس وتطلعاتهم واحتياجاتهم، مقابل الكراهية إزاء الحكام، فمهما كان العطاء والترغيب وشراء الولاءات، كان أول رد فعل للناس بعد موت أحدهم هو الفرح والسرور والتحول للاستماع الى الحاكم الجديد، بينما الحب والولاء لمراجع الدين لم ينقطع يوماً واحداً طيلة قرون من الزمن.

وهذا يعني وجود دولة داخل دولة كما كان عليه الحال في عهود الأئمة المعصومين المعاصرين للحكام العباسيين، ويعني ايضاً؛ وجود قوة غير طبيعية من الصعب التعامل معها ممن يفكر بالحكم والهيمنة واستغلال الثروات والقدرات كما جرت المحاولات منذ عهد الاستعمار البريطاني أواخر القرن التاسع عشر عندما اصطدم على حين غرّة بهذه القوة الجبارة مرتين في ايران (ثورة التنباك)، وفي العراق (ثورة العشرين)، فكيف -والحال هكذا- يتمكن حكام بصناعة بريطانية –ومن ثمّ اميركية- من الجلوس بأمان في قصورهم وهم يفتقدون لأي علاقة صادقة وحقيقية مع ابناء الشعب؟

الامام الشيرازي الراحل والتجربة الناجحة

ربما يمكنني القول أن المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي –طاب ثراه- جسّد أكمل مصداق لمفهوم المعارضة السياسية في النظرية الديمقراطية عندما انطلق يواجه المسؤولين الحكوميين في العراق منذ العهد الملكي ثم الجمهوري، ويكشف لهم أخطائهم، ويحذرهم من تماديهم في التمسك بهذه الاخطاء، وكان في العقد الثالث من عمره، في سابقة لم تشهدها الحوزة العلمية في تاريخها المعاصر، بظهور عالم دين شاب يترك دروسه العلمية وبرامجه المكثقة من أجل اللقاء بهذا المدير وذاك الوزير وحتى "الزعيم"، وفي وقت كانت علاقة الحوزة العلمية بالمؤسسة الحاكمة في بغداد مشوبة بالتوتر وعدم الثقة منذ الدعم البريطاني الواضح لتشكيل الدولة العراقية على أجساد وتضحيات رجال ثورة العشرين، ثم انتهاج سياسة التمييز الطائفي في الوظائف الحكومية وفي الجيش، مما خلق تصوراً بأن لافائدة من الحديث مع هؤلاء الحكام الموغلين في العمالة والفساد.

بيد أن الاجحاف والتهميش، وحتى الضغوطات والاستفزازات لم تكن سبباً للتقوقع والانكفاء على الذات عند الامام الشيرازي، بل قلب المعادلة تماماً لصالح الحوزة العلمية وجعلها مصدر قلق لدى السلطات الحاكمة تحسب لها ألف حساب بأي قرار تتخذه.

وللأمانة التاريخية؛ كان الإمساك بزمام المبادرة بفضل روح التصدّي والمواجهة عند والده؛ المرجع الكبير في كربلاء المقدسة آنذاك؛ السيد ميرزا مهدي الشيرازي، الذي أقام أول مدرسة للمعارضة السياسية الحقيقية في كربلاء عندما استنكر على فؤاد عارف محافظ كربلاء –كان في حينها تحت عنوان متصرّف- ، وهو أحد كبار الضباط المقربين من عبد الكريم قاسم، ما تتعرض له المدينة من أعمال لا أخلاقية بمساندة من الحكام الجدد، بالسماح للفتيات السافرات بالتجمهر والسير في الشوارع وتحدي القيم الدينية باطلاق شعارات منها: "بعد شهر ما كو مهر"، في اشارة الى المطالبة بإلغاء الاحكام الاسلامية، فجاء الرد من المحافظ بأنك "شخص ايراني ولا يحق التدخل في شؤون العراقيين"، ولكن جاء الرد أقوى وأشدّ من الميرزا مهدي الشيرازي بأنك "لا يحق لك التدخل في شؤون المسلمين، أليس نحن الذين فجرنا ثورة العشرين وطردنا الانجليز من العراق وحفظنا استقلاله وكرامته، فان لم ترغب في العمل بموازين الدين الحنيف أخرج من مدينتنا"!

ثلاثة خطابات تخرس الحكام

اعتمد الامام الشيرازي ثلاث خطابات في منهجه المعارض وهو يتجشم عناء السفر في تلك الظروف الصعبة الى العاصمة بغداد، او يجري لقاءات متواصلة مع المسؤولين المحليين في كربلاء المقدسة، وفي بغداد ايضاً، وكان لهذه الخطابات بعداً استراتيجياً لم يكن لمن يجلس امامه من مدير او وزير او حتى زعيم سوى الابتسامة، او الصمت، وفي أفضل الحالات الوعد بالتعديل او التغيير، ثم النكث بالوعد بكل سهولة، ثم كان يضمّن الحديث عن القضايا الكبرى، المطالبة بعدم انتهاك القيم الدينية في كربلاء المقدسة، مثل مسألة الحجاب، والسماح بالمقاهي التي تعرض في اجهزة التلفاز لديها أفلام مخلّة بالحياء، والمطاعم التي تستقبل الزبائن في نهار شهر رمضان، وبهذه الطريقة الذكية كان يحقق أهدافه خدمة لمدينة كربلاء وللعراق بشكل عام.

الخطاب الأول: البديل الحضاري

كان الامام الشيرازي شديد الحرص على أن يجعل من كربلاء المقدسة نموذجاً للمدينة النظيفة والمنظمة والخالية من الانحرافات والمفاسد، كما تكون متقدمة ومزدهرة، وكان يعتصره الألم لأي خلل أو محاولة تعكير لهذا المسعى الحضاري، لذا كان يضمّن هذه المحاولات في الحديث عن نماذج حضارية راقية وعظيمة مجربة على ارض الواقع من شأنها تحقيق الكرامة والعزّة والتقدم للبلد وللأمة جمعاء، فقد كان يتحدث عن إلغاء الحدود بين الدول الاسلامية، والسماح للمسلمين بزيارة العراق دون الحاجة لتأشيرة من الدولة تسمح له بذلك، وكان يتحدث عن الاقتصاد الاسلامي، وعن العدل، والمساواة، والحرية، وحقوق المرأة، والقضاء، والأمن ومناهج التعليم، ويبين للمسؤولين كيف أن البلاد الاسلامية شهدت الازدهار والامن والتقدم في ظل قوانين الاسلام.

فعندما التقى بوزير المعارف في العهد الملكي؛ خليل كنّه، طالبه بأن تتضمن المناهج الدراسية الحديث عن النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الاسلام، كما طالبه بحل مشكلة تزامن خروج الطلاب والطالبات من مدرستين في وقت واحد، مع فرض الملابس المحتشمة على الطالبات.

وفي لقائه بوزير البلديات في العهد الجمهوري الاول؛ عباس البلداوي، طالب بالسماح بتشكيل لجان خاصة من الأهالي لتنظيف المدينة المقدسة، بعد أن كثرت الاوساخ والنفايات فيها، وبعد حوار بين الوفد الزائر والوزير حول، وتأكيد الامام الشيرازي على "إن الشعوب والأمم تهتم بمناطقها المقدسة وتعير لها الاهمية لقدسيتها أولاً؛ ولتراثها ثانياً؛ ولتعريف العالم بحضارتها"، قال الوزير بشكل قاطع: "في الواقع ان حكومة بغداد تريد أن تبقى العتبات المقدسة مهملة متسخة"!

وفي لقائه مع عبد الكريم قاسم جرى حديث مطول حول مسائل عدّة منها "الشيء المهم هو مطالبتنا إعطاء الناس الحرية"، ومنها حرية التملّك، وليس بالشكل الذي ترتضيه السلطة الديكتاتورية مثل توزيع قطع الاراضي بشكل محدد على الجميع مع أخذ رسوم مالية عليها، واقترح عليه بأن "بعد تحديد الاماكن العامة كالمساجد والمستشفيات والمدارس ودوائر الدولة، وخططنا الشوارع، ثم قسمنا بقية الاراضي الى 200، و300، و500، و1000 متر مربع، وبعد تعيين هذه الاماكن يتم استدعاء الناس لاختيار الاماكن حسب حاجتهم، فهناك من يختار البيت الاصغر، ومن يختار الأكبر، فتجري القرعة بين الافراد حول البيوت التي تزداد الطلب عليها، فابتسم ولم ينطق بحرف".

وفي لقائه مع مدير المخابرات في العهد نفسه؛ محسن الرفيعي طالب ايضاً بالحريات الحقيقية لجميع افراد الشعب العراقي، وقال له: "أعطيتم الحرية المطلقة للشيوعيين، وأخذتم من الناس أغلى شيء عندهم وهو الحرية"، ثم تحدث اليه كيف أن الاسلام يمنح الانسان المسلم الحرية في كل شيء سوى المحرمات، فكان جواب الرفيعي نسخة من جواب زعيمه للإمام الشيرازي: "إن مثل هذا العمل سيجلب الفوضى للبلاد"!

الخطاب الثاني: التنمية والتطوير ومحاربة الفساد

في لقائه بوزير الداخلي في العهد الملكي؛ سعد القزاز، سلط الضوء على المفاسد الاجتماعية والاخلاقية التي تعمّ كربلاء والعراق كله، وعزا السبب في فساد القوانين "التي لا تستطيع توفير العدالة في المجتمع"، ثم تطرق الى مشكلة الغلاء وقال للقزاز: "لو قلت أن مشكلة الغلاء مشكلة عالمية وليس بمقدورنا مواجهتها منفردين، قلت لك: أجل! قد يكون هذا الكلام صحيحاً في جانب منه، لكن من جانب آخر هناك اربعة اسباب أخرى للغلاء". وعددها سماحته بالنفقات الباهضة على التسلّح، وضعف الانتاج المحلّي، وكثرة الموظفين "فهؤلاء يشكلون عبئاً ثقيلاً على كاهل الدولة، كما ان كثرتهم توجب تفشي البطالة"، المعروفة اليوم بالبطالة المقنعة، كما اشار الى "القوانين الكابتة للحريات والمقيّدة للعمل والانتاج".

واستخلص الامام الشيرازي من هذا كله بأنه الباب الواسع الذي تدخل منه كل اشكال الانحرافات السلوكية والمفاسد الأخلاقية مثل اللواط والزنا وشرب الخمر والادمان على الافلام الخليعة في التلفاز والسينما في المدن القريبة من كربلاء.

ونقل الامام الشيرازي عن رئيس غرفة تجارة كربلاء في العهد الملكي؛ السيد هاشم السيد حسن آل نصرالله، "بأن كربلاء كان فيها حوالي أربعمائة نوع من الانشطة الاقتصادية في مختلف الاقسام من صناعة متوسطة الى صناعة خفيفة".

الخطاب الثالث: مطالب الجماهير

حمل الامام الشيرازي هموم المجتمع في قلبه وعلى لسانه خلال لقاءاته بأصحاب المناصب الحكومية للتعبير عن حاجاتهم وتطلعاتهم، فعندما طفح الكيل بالكب والارهاب المنظم في عهد عبد الكريم قاسم، سأل الامام الشيرازي عبد المجيد كمونة، عضو مجلس السيادة، أرسله قاسم الى كربلاء للقاء المرجع الديني آنذاك؛ الميرزا مهدي الشيرازي، بيد أن وعكة صحية حالت دون توليه إدارة الحوار، فأوكل الأمر الى نجله، فقال له: "منحتم الحرية والصلاحيات المطلقة لأجهزة الامن والمخابرات الى درجة أن يأتي ضابط أمن الى بائع القيمر ويأخذ منه كيلوغرام من القيمر ولا يدفع ثمنه، ثم يهدد البائع البسيط الجالس على الارض في السوق بأن اذا أصرّ على طلبه سيلقي القبض عليه بتهمة "شتم الزعيم"! "لأن حسب قانون الدولة من شتم الخالف ورسوله جزاؤه غرامة نقدية ربع دينار يدفعها للمحكمة، أما من شتم الزعيم فيزجّ في السجن عشر سنوات"! ثم ذكر سماحة الامام الشيرازي شكوى لأحد باعة الكراع (الباجة) بنفس المشكلة.

من اتهام العلماء بالتجسس الى بثّ المقتل الحسيني من الراديو

فؤاد عارف تحول من متصرف لمدينة كربلاء الى وزير للثقافة والاعلام، وعندما واجهه الامام الشيرازي بانتقاد لاذع بفكرة إعطاء الحرية للشيوعيين بذريعة مواجهة النفوذ الاميركي، وأن "على علماء الدين ارشاد الناس ومنعهم من الممارسات المخلّة بالدين"، قال: "نحن نشك برجال الدين جميعاً، فهناك تقارير موثقة تفيد بان سبعمائة رجل دين في كربلاء يعملون كجواسيس لصالح اميركا"!

ولكن الامام الشيرازي غيّر مجرى الحوار الى الحديث عن اهداف الاستعمار وهي؛ تخريب الاقتصاد، وتقييد الحريات، وإذلال الشعب، ومحاولة القضاء على شعائر الامام الحسين، وضرب المرجعية الدينية والحوزات، و"أن اتهامك هذا للعلماء هو ضمن هذا المخطط المشبوه"!

وعندما اراد عارف تغيير الحديث لصالحه بالسؤال عن سبب الامتناع عن مشاركة النساء ولو كنّ غير محجبات بالتظاهر في الشوارع، ففتح عليه الامام الشيرازي باباً واسعة عن حقوق المرأة في ظل الاسلام، وكيف انه ضمن كرامتها وعزتها وسعادتها، وأكد له بالدليل والبرهان أن "العدالة والحرية تنافي المساواة بين الرجل والمرأة". ثم جرى الحديث ليصل الى أمور الزواج، وحق الرجل دون المرأة بتعدد الزوجات، وحتى الزواج المؤقت.

وبعد أن بين الامام الشيرازي الدلائل على أحقية النظام الاجتماعي في الاسلام لأن يقود الحياة، قال الوزير: "ان هذه الفلسفة لم أكن أسمع بها من قبل"! ثم أبدى رغبته بجمع كل هذه الاحاديث في كراس و توزيعه "حتى يعرف الناس واجباتهم الدينية والاجتماعية". و لفرط التفاعل اقترح على الامام الراحل بنشر المحاضرات الدينية من اذاعة بغداد.

يقول الامام الشيرازي: "غمرتنا الفرحة بسبب هذه النتيجة التي توصلنا اليها مع فؤاد عارف فقد كان انجازاً كبيراً في حينه ان نجد طريقاً الى الاذاعة العراقية لطرح الافكار والمفاهيم الاسلامية".

وبعد اجتماع ضمّ كلاً من الامام الراحل، والشهيد السيد حسن الشيرازي، والشهيد الشيخ عبد الزهراء الكعبي، والسيد مرتضى القزويني، وتم الاتفاق على تقديم محاضرات دينية تبث من الاذاعة، وقد جمعها السيد الشهيد في كتاب "التوجيه الديني"، وكان تتويج هذا النصر ببث المقتل الحسيني الشهير من اذاعة بغداد، وكان له ما كان من تأثير واسع في العراق فاق التصورات.

{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى}

هكذا يرسم القرآن الكريم طريق الإصلاح الحقيقي والناجز للمصلحين بأن لا يرسموا لانفسهم أطراً ضيقة إذا كانوا جادّين في أمر الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد في المجتمع والدولة، فالطغيان والاجرام والقسوة التي كان عليها فرعون يُضرب بها المثل في القرآن الكريم في غير سورة كريمة، ولعله الشخص الاكثر ذكراً في الكتاب المجيد لهذا السبب، بأن لا يأتي يوماً يتحدث فيه شخص يدّعي الإصلاح ثم يتوقف عند حدود او خطوط يرسمها هو لنفسه وفق اجتهادات وتصورات خاصة به، لان القضية تتعلق بالحضارة والانسانية التي ضمن الله –تعالى- لها كل مقومات النهوض والرقي والكرامة، فلا مجال للاعذار مهما كانت الظروف، وقد كان نبي الله موسى شخصاً وحيداً قبل ان يعضده الله بأخيه هارون، فصارا اثنين فقط، أمام فرعون الذي كان يرمي المعارضين في الزيت المغلي، ويزهق أرواح الآلاف لتشييد اهراماته.

أجل؛ الظروف مختلفة تماماً، ولكن! الروح باقية لا تتغير، كما جسدها الامام الشيرازي قبل فترة ليست بالطويلة عنّا، فالعزّم والإرادة، والثقة، والشجاعة هي التي تخترق الابواب والاسوار، وكل اشكال الموانع والعقبات و تبليغ الحاكم رسالة التغيير والإصلاح، على الأقل؛ إلقاء الحجة عليه أمام المجتمع والامة وأمام الله –تعالى-، فضلاً عن السعي لتغيير القرارات الخاطئة والسياسات الفاشلة.

أما ان يكتفي البعض بالموظفين والمسؤولين من الدرجات الثالثة والرابعة فان الواقع الفاسد لن يتغير بل يزداد سوءاً بسبب استمرار الفساد في الرؤوس الكبيرة التي تبعث بالإيعازات الى الاطراف المنفذة باستمرار.

المصدر: كتاب؛ تلك الأيام، صفحات من تاريخ العراق السياسي- للإمام السيد محمد الشيرازي.

اضف تعليق