تعد مشكلة التصحر والجفاف من أبرز التحديات البيئية في العصر الحالي؛ إذ يعاني ما نسبته 40% من إجمالي مساحة الأراضي في أنحاء العالم كافة من التدهور أو الإنهاك؛ وفقاً لما أشارت إليه الامم المتحدة. وتسهم الزيادة السكانية وما ترتبط به من الاستهلاك غير المستدام في زيادة الطلب على الموارد الطبيعية، والضغط المفرط على الأراضي...
تُعَدّ مشكلة التصحُّر والجفاف من أبرز التحدِّيات البيئية في العصر الحاليّ؛ إذ يُعاني ما نسبته 40% من إجماليّ مساحة الأراضي في أنحاء العالَم كافَّة من التدهوُر أو الإنهاك؛ وفقاً لما أشارت إليه الأُمَم المُتَّحِدة. وتُسهم الزيادة السكّانية وما ترتبط به من الاستهلاك غير المُستَدام في زيادة الطَّلَب على الموارد الطبيعية، والضغط المُفرِط على الأراضي.
موعد اليوم العالمي لمكافحة التصحُّر والجفاف
يحتفي الناس من أنحاء العالَم أجمع باليوم العالَمي لمكافحة التصحُّر والجفاف في 17 يونيو من كلّ عام؛ بهدف حماية النظم البيئية الأرضية، وتعزيز الاستخدام المُستَدام لها، ومكافحة تدهوُر الأراضي والجفاف وعَكس مَساره؛ وفقاً لما نصَّت عليه الأمم المتحدة في هدفها رقم 15 من التنمية المُستَدامة.
أرقام تثير القلق
تتراوح تقديرات حجم الأراضي المتدهورة عالميا بين 15 و60 مليون كيلومتر مربع، ويعيش نحو ملياري شخص في أراضٍ جافة معرضة للتصحر.
بحسب التقديرات، قد ينزح ما يقرب من 50 مليون شخص بحلول عام 2030 بفعل التصحر وتغير المناخ، لتضرر مصادر رزقهم وانهيار النظم البيئية التي يعتمدون عليها.
ففي آسيا وحدها، سيعيش أكثر من ملياري شخص في ظروف جافة، بينما تُقدّر الأعداد في أفريقيا بنحو مليار شخص في السنوات القادمة.
التداعيات
التصحر ظاهرة خاضعة للتطور، وبالتالي فإنها حين تنشأ في منطقة تكون مهيأة للاتساع، كما أن التصحر تصاحبه ندرة في الأمطار، وهو ما يتسبب في آثار كارثية على حياة السكان والتنمية الحيوانية والزراعية في المنطقة، بل يتسبب في كثير من الأحيان في هجرة السكان.
يضر التصحر على نحو كارثي مقدرات السكان في المناطق المتضررة، لا سيما إذا كانت الأنشطة السائدة هي التنمية الحيوانية والزراعية.
وعلاوة على ما تقدم، فإن التصحر له تأثير مباشر على مستوى التنمية؛ فالهجرات التي يتسبب فيها والمجاعات والخسائر الكبيرة التي يخلفها لدى سكان المناطق القروية تلقي آثارا سلبية على الخطط التنموية الحكومية وعلى النمو الاقتصادي للدولة خاصة في البلدان الفقيرة والسائرة في طريق النمو، التي شكَّل التصحر في بعضها مشكلة اقتصادية هيكلية عطلت -أو كادت- مسار التنمية الاقتصادية والبشرية.
أسباب التّصحر في العراق
هناك عدّة عوامل تؤدي إلى تفاقم مشكلة التصحر في العراق، من أهمها التغيرات المناخية، وارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض معدلات هطول الأمطار في السنوات الأخيرة، لا سيما الجفاف المتكرّر، فالعراق يواجه فترات جفاف متكرّرة ناتجة عن تغير المناخ. ومن أهم الأسباب الزراعة غير المستدامة، والممارسات الزراعية الضارّة، مثل الري الجائر وإزالة الغطاء النباتي. كما أنّ الأضرار الناجمة عن النزاعات والحروب في العراق ساهمت في تفاقم المشكلة.
المناطق المهيأة للتصحر
ترتبط ظاهرة التصحر بهشاشة الأراضي وافتقارها إلى الأسباب الضرورية لمواجهة الظاهرة وأبرزها الخصوبة وطبيعة الغطاء النباتي، فضلا عن تساقط الأمطار. بيد أن هذه العوامل وحدها لا تكفي لفهم تعرض الأراضي الأخرى للتصحر رغم وجودها في فضاء جغرافي ومناخي واحد.
وهنا يبرز الدور البشري في الظاهرة، فالتمدن والاستهلاك المفرط للغطاء النباتي سواء بقطع الأشجار أو النباتات لدوافع الصناعة أو التجارة، أو الرعي المستمر والكثيف؛ كلها عوامل مساعدة على إفقار الأراضي، وبالتالي جعلها عرضة لنشوء التصحر.
ومن هنا يُمكن رصد خاصية أساسية لظاهرة التصحر، وهي التطور؛ فالتصحر يُمكن أن يُهدد أي منطقة إذا توفرت شروط ذلك، كما يُمكن أن يَختفي فيها إذا بُذل جهد لمحاربته والقضاء على أسباب نشأته.
درجات وأشكال التصحر
تختلف حالات التصحر ودرجة خطورته بشكل عام من منطقة لأخرى تبعا لاختلاف العوامل المسببة، سواء كانت طبيعية أم ناتجة عن الأنشطة البشرية.
كما قد تختلف درجة وحدة التصحر في ذات المنطقة من وقت إلى آخر، زيادة أو نقصانا، تبعا للعوامل نفسها. فقد كانت الكويت على سبيل المثال، تعاني حتى وقت قريب من التصحر المتوسط، لكن بداية من عام 1991 بدأت الحالة تتحول إلى تصحر شديد، وهذا بسبب تدهور الغطاء النباتي وزيادة مساحة الأراضي المتصحرة.
كما تتباين مظاهر وأشكال التصحر من منطقة إلى أخرى ومن وقت لآخر، لكنها لا تخرج في العادة عن أحد الدلائل والمؤشرات الطبيعية التالية:
-زيادة رقعة المساحة الصحراوية الجرداء وزحفها جهة المناطق الإستراتيجية والسكنية.
-غزو الكثبان الرملية للأراضي الزراعية وتراكم الرمال بالمناطق الرعوية والعمرانية.
- زيادة حدة العواصف الغبارية ونسبة الأملاح في الأراضي الزراعية (تملح التربة).
- إزالة الغابات وتدمير الأشجار والنباتات لصالح المشروعات التنموية.
- زحف المناطق العمرانية وبناء المنشآت على حساب التربة الزراعية.
وتبعا لهذه المؤشرات، يمكن تصنيف التصحر إلى أربع درجات أو فئات مختلفة. تصحر خفيف، ويستدل عليه بحدوث تلف بسيط جدا في الغطاء النباتي والتربة. وتصحر معتدل، ويحدث حينما يصاب الغطاء النباتي بتلف من الدرجة المتوسطة، مع ظهور كثبان رملية صغيرة أو تملح بسيط في التربة.
أما الدرجة الثالثة من التصحر فتتمثل في التصحر الشديد، ويحدث حينما تنتشر النباتات والحشائش غير المرغوب فيها بكثافة في المنطقة على حساب النباتات المنتجة والمفيدة. في حين يمكن أن تزيد شدة التصحر إلى الدرجة الرابعة أي التصحر الشديد جدا، حينما تظهر بالمنطقة الكثبان الرملية الكبيرة والأخاديد وأعراض تملح التربة، وحينما تنخفض إنتاجية الأراضي المتاحة بشكل واضح ومؤثر.
سيناريوهات صعبة
وتحذر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر من أنه إذا استمرت اتجاهات تدهور الأراضي الحالية في العالم، فقد تنخفض المحاصيل الزراعية بنسبة 50% بحلول عام 2050.
ويؤدي التصحر إلى خفض كمية الأخشاب المتاحة للوقود أو البناء. هذه الآثار تُفاقم الفقر والجوع لأن الفقراء هم الأكثر اعتمادا على الموارد الطبيعية والزراعة للبقاء على قيد الحياة.
وفي المناطق الجافة، تتدهور أو تُستنزف العديد من طبقات المياه الجوفية بسبب استنزاف كميات كبيرة من المياه للزراعة، مما يسبب ندرة في المياه. وعندما يُلحق التصحر الضرر بالنظم البيئية، قد تتعرض النباتات والحيوانات لخطر الانقراض. كما يؤثر فقدان التنوع البيولوجي على سبل العيش.
ويزيد التصحر أيضا من وتيرة العواصف الترابية التي قد تحمل جسيمات دقيقة ومسببات أمراض أو مسببات حساسية ضارة بصحة الإنسان. وفي منطقة الصحراء الكبرى والشرق الأوسط وجنوب وشرق آسيا، ساهمت العواصف الترابية في 15% إلى 50% من جميع وفيات أمراض القلب والرئة، حسب بيانات منظمة الصحة العالمية.
كما تُهدد الرمال المتحركة استقرار البنية التحتية والأراضي الزراعية، وعلاوة على أنه عندما تموت الأشجار بالمناطق الجافة، تاركةً وراءها كميات كبيرة من الخشب الجاف للحرق، يمكن أن تتزايد وتيرة حرائق الغابات.
وينتج عن التصحر ما يعرف بالهجرة المناخية، إذ تصبح الأراضي غير صالحة للسكن، ويضطر الناس إلى الهجرة إلى أماكن أخرى للبقاء على قيد الحياة. وهو ما قد يُؤدي إلى صراعات اجتماعية وسياسية في مناطق أو دول أخرى، نتيجة التنافس على الموارد ومواطن الشغل، لا سيما المناطق التي تعاني من ندرة الموارد أصلا.
كما يؤدي التصحر أيضا إلى إطلاق الكربون المخزن في التربة، ولأن عدد النباتات المتبقية لامتصاص الكربون من الغلاف الجوي قليل فإن التصحر يساهم في تغير المناخ.
ووفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، يُعتبر التصحر حالةً دائمة لكن عكس مساره ممكنٌ باتخاذ حلول وتدابير استثنائية.
ومن بين هذه الحلول: إنشاء الغابات الصغيرة، تكثيف زراعة الأشجار والنباتات الأخرى بالأماكن غير المأهولة بما فيها الأشجار الصحراوية مثل أشجار الأكاسيا والعرعر دائمة الخضرة والنباتات التي تكيفت مع التربة الصحراوية ذات الملوحة العالية وقلة العناصر الغذائية، الحفاظ على المياه واستعادة مواردها من خلال زراعة الأراضي المتدرجة، جمع مياه الأمطار، أنظمة الري بالتنقيط، إزالة النباتات الغازية، إعادة زراعة النباتات الأصلية.
ومن شأن هذه التدابير -حسب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر- أن تقاوم توسع الجفاف والتصحر، وتحافظ على الغطاء النباتي والتنوع البيولوجي مما تُعزِز امتصاص الكربون ومكافحة تغيّر المناخ، ويحفظ الأمن الغذائي العالمي.
ما جهود الحكومة العراقية لمواجهة الجفاف؟
حذّرت المديرية العامة للماء في العراق ومنظمة اليونيسيف الدولية من أن البلاد تواجه أزمة مائية خانقة، وأن الجفاف والتغيرات المناخية يصعّبان الحصول على مياه الشرب لملايين المواطنين، وأن الأزمة تتفاقم بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والتصحر، مما يجعل العراق من أكثر البلدان تأثرا بتغير المناخ.
وتتزامن هذه التحذيرات مع تدهور خطير بالقطاع الزراعي، إذ فقد العراق نحو 50% من أراضيه الزراعية خلال السنوات الأخيرة، حسب المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي.
ويقول الخزاعي إن الوضع الحالي سببه التغيرات المناخية وارتفاع الحرارة، إضافة لشح المياه الناجم عن مشاكل مع دول المنبع بما يتعلق بحصص العراق من مياه نهري دجلة والفرات.
خارج الخدمة
وأوضح الخزاعي -للجزيرة نت- أن تلك الأراضي خرجت عن الخدمة تماما، وأن الخطط الزراعية المعدة بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية توضع حاليا لتخدم النصف الآخر من الأراضي الصالحة للزراعة، نظرا لعدم كفاية المياه، مؤكدا أن خسائر العراق كبيرة جدا جراء ذلك.
وبالرغم من أن التغيرات المناخية لم يتأثر بها العراق وحده عالميا، فإنه -وحسب الخزاعي- يعتبر من الدول الخمس الأكثر تضررا، وأن شح المياه نتيجة مباشرة لمشاكل العراق مع دول المنبع، وخاصة تركيا ، بما يتعلق بحصص المياه.
وأكد أن الوزارة تعمل على تنفيذ خطط للتعامل مع هذه المعطيات، من خلال عدة محاور، أهمها تسريع عملية التحول نحو أنظمة الري الحديثة، حيث خصصت الحكومة الحالية أكثر من 830 مليار دينار (نحو 628 مليون دولار)، لشراء أكثر من 13 ألف مِرشَّة محورية من شركات محلية وأجنبية.
كما تشجع الوزارة المزارعين على التحول إلى أنظمة الري الحديثة من خلال تقديم عدة امتيازات، منها دعم يصل إلى 40% من قيمة المِرشَّات، وتقسيط بقية ثمنها على 10 سنوات، مع سنة سماح، وهو ما أوجد إقبالا كبيرا من الفلاحين لاقتنائها.
وأوضح الخزاعي أن مراكز البحوث في وزارة الزراعة تعمل على استنباط أصناف زراعية تتحمل الجفاف وزيادة الملوحة في التربة، وتتواءم مع الظروف المناخية الجديدة، حيث نجحت محطة أبحاث الرز في المشخاب بزراعة نوعين من الرز باستخدام المرشات الحديثة، مما يفتح المجال للتوسع بزراعة هذا المحصول بتلك التقنيات.
التغير المناخي يضع الشرق الأوسط على حافة الجفاف
ترتفع درجات الحرارة ومعدلات استنزاف المياه الجوفية في معظم دول المنطقة، وعلى رأسها العراق وسوريا وتركيا وإيران، وسط تصاعد التحديات المناخية في الشرق الأوسط الذي تظهر فيه آثار الاحتباس الحراري بشدة.
وتشير الدراسات البيئية الحديثة إلى أن المنطقة تسجّل معدلات ارتفاع في درجات الحرارة تفوق المتوسط العالمي، مما يؤدي إلى اشتداد موجات الجفاف وتراجع معدلات الهطول المطري وارتفاع معدلات التبخر، وهو ما يهدد منظومات المياه والزراعة في بلدان كانت تعرف تاريخيا بخصوبتها.
وتشهد المنطقة ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة، فبين عامي 2013 و2022 سُجّلت زيادة واضحة في درجات الحرارة، خاصة في مناطق شرق سوريا والعراق ووسط إيران، وفق تقرير أصدرته شبكة زوي للبيئة مطلع العام الحالي.
وتوقع التقرير مزيدا من موجات الحر والجفاف التي ستسبب شحّا مائيا ما لم تتخذ إجراءات فعالة لمواجهة التغير المناخي، في ظل توسع المناطق الصحراوية في بلدان مثل سوريا والعراق والأردن وفلسطين، واستنزاف الزراعة للمياه الجوفية التي لا تُعوض بسرعة مع انخفاض مستويات الأمطار والثلوج.
وظهر التحول المناخي الذي يشهده الشرق الأوسط بارتفاع درجات الحرارة إلى 2.8 درجة مئوية بين عامي 2013 و2022، وفق شبكة زوي للبيئة، في حين تسعى دول العالم إلى الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض ليبقى أقل من درجتين مئويتين، مع السعي لحصره عند 1.5 درجة مئوية بحسب اتفاق باريس للمناخ.
المياه تُستنزف
وأكد التقرير أن العراق وسوريا يواجهان خطر الهشاشة المائية بسبب الاعتماد على مياه نهرية مصدرها دول أخرى مثل تركيا التي تواجه أيضا انخفاضا في معدلات الأمطار.
وأوضحت الخرائط التي أوردها أن استنزاف المياه الجوفية وتداخل المياه المالحة في دلتا دجلة والفرات يهدد الزراعة في المناطق التي تعتمد على مياه النهرين.
ولا تزال الزراعة المستهلك الأول للمياه رغم ندرتها، مقابل نصيب أقل منها للاستهلاك الصناعي أو الاستخدام البشري اليومي، في دول مثل إيران وسوريا والسعودية.
وتبرز الكويت وفلسطين كحالتين خاصتين. ففي الكويت يُعتمد بشكل رئيسي على محطات تحلية المياه لتأمين الحاجة المحلية، مع ذلك سُجلت نسبة فقد بالمياه تصل إلى 40%.
أما في فلسطين، فرغم محدودية الموارد المائية، فإن نسبة عالية من الاستهلاك تُوجّه للاستخدام المنزلي، وسط تحديات كبيرة تتعلق بالحصول على المياه، في ظل الانتهاكات البيئية والحقوقية التي تمارسها إسرائيل لاستغلال المياه.
اضف تعليق