q
الصناديق الخضراء هي صناديق الاستثمار المشتركة التي تقدم حزمًا تمويلية للشركات التي تحقق الالتزام بالمعايير البيئية والمجتمعية، سعيًا إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتتميز صناديق الاستثمارات الخضراء بأنها في حالة إذا ما انتَهكت الشركات المستفيدة منها أيًّا من القوانين والمعايير البيئية، فإنه يمكن سحب التمويل المقدم لتلك الشركات بصورة فورية وبشكل مباشر...
بقلم: محمود العيسوي

أثارت أعمال المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (COP 27) في شرم الشيخ، مزيدًا من الشكوك في إمكانية تحقيق هدف اتفاق باريس، بشأن العمل على تجنُّب ارتفاع درجة حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، وهو الهدف الذي يبدو بعيد المنال، الأمر الذي يؤكد أهمية حشد مزيد من التمويل من أجل ترويض أزمات المناخ، بما يبلغ 6 تريليونات دولار.

ونظرًا إلى الأهمية الكبيرة التي يحظى بها محور التمويل، باعتباره القوة الدافعة للعمل المناخي، تم تخصيص يوم كامل ضمن فعاليات المؤتمر في شرم الشيخ، كما تضمَّن جدول أعمال المؤتمر العديد من الجلسات لمناقشة هذه القضية، تطرقت أيضًا إلى دور "الصناديق الخضراء" في تمويل مشروعات التخفيف من حدة التغيرات المناخية، أو التكيف مع التداعيات الناجمة عنها.

والصناديق الخضراء (Green Funds) هي صناديق الاستثمار المشتركة التي تقدم حزمًا تمويلية للشركات التي تحقق الالتزام بالمعايير البيئية والمجتمعية، سعيًا إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتتميز صناديق الاستثمارات الخضراء بأنها في حالة إذا ما انتَهكت الشركات المستفيدة منها أيًّا من القوانين والمعايير البيئية، فإنه يمكن سحب التمويل المقدم لتلك الشركات بصورة فورية وبشكل مباشر.

وتشير تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى أن هدف الحد من الاحترار العالمي بما لا يتجاوز 1.5 درجة يتطلب إحداث تحولات سريعة وبعيدة المدى في الأرض والطاقة والصناعة والنقل والمدن، سعيًا إلى خفض الانبعاثات العالمية من غازات الاحتباس الحراري بنسبة 45% عن مستويات عام 2010، وذلك بحلول عام 2030، لتصل إلى مستوى "صافي الصفر" في 2050.

إلا أن الدكتورة هالة السعيد -وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية في مصر، ورئيس مجلس إدارة "صندوق مصر السيادي"- تعتبر أن الالتزامات التي أعلنتها الدول، بما في ذلك الأهداف المشروطة بتوافر التمويل الدولي، من شأنها أن تخفض الانبعاثات بنسبة 10% فقط، بحلول عام 2030، وترى أن "هذه النسبة ما زالت بعيدةً كثيرًا عن المسار الذي رسمه العلماء، للإبقاء على هدف 1.5 درجة مئوية في متناول اليد".

وفي جلسة بعنوان "تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال الصناديق السيادية"، قالت "السعيد": إن خفض انبعاثات الاحتباس الحراري بنسبة 45%، قبل حلول عام 2030، يتطلب استثمارات هائلة تتراوح بين 4 و6 تريليونات دولار، وإذا لم يتم حشد هذا التمويل، لن يمكن تحقيق ذلك الطموح.

وأكدت "السعيد" أن تمويل التحول إلى "الطاقة الخضراء" يمثل أحد التحديات الرئيسية، خاصةً للدول النامية في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها القيود على آليات التمويل ميسور التكلفة، إضافةً إلى الصدمات المتكررة التي تعرَّض لها الاقتصاد العالمي، وتسببت في خسائر كبيرة للموارد المحلية، فضلًا عن اهتزاز ثقة المستثمرين في توجيه أموالهم إلى هذه القطاعات.

وبينما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الاستثمارات المطلوبة للتكيف مع تداعيات التغيرات المناخية على المستوى العالمي، تتراوح بين 160 و340 مليار دولار سنويًّا، بحلول عام 2030، لترتفع إلى 565 مليار دولار سنويًّا بحلول 2050، فإن إجمالي استثمارات تدابير التكيف في الدول النامية خلال عام 2020، بلغ حوالي 29 مليار دولار، بنسبة زيادة 4% فقط عن العام السابق.

وقالت "السعيد" في تصريحات لـ"للعلم": إن الشراكة بين القطاعين العام والخاص يمكن أن تؤدي دورًا رئيسيًّا في سد فجوة تمويل العمل المناخي، خاصةً في الدول النامية التي تعاني عجزًا كبيرًا، بهدف تلبية الاحتياجات المطلوبة، وتسريع إجراءات التكيف مع تداعيات تغير المناخ، والصناديق السيادية هي أفضل وسيلة لتحقيق هذا الهدف دون زيادة أعباء الديون على الدول النامية.

وأضافت أن "مؤتمر شرم الشيخ (COP 27) وفر فرصةً للتعاون بين جميع الأطراف من أجل توفير فرص استثمارية لدعم القضايا العالمية ذات الأولوية، وفي مقدمتها قضية التغيرات المناخية"، مشيرةً إلى أن "نسبة المشروعات الخضراء بلغت 40% من إجمالي الاستثمارات العامة في خطة الدولة المصرية لعام 2022/ 2023، ومن المستهدف زيادتها إلى 50% في موازنة العام التالي 2024/ 2025".

من جهتها، قالت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، في تصريحات لـ"للعلم": إنه "يجب على الدول الغنية والدوائر الاقتصادية التخلي عن مفهومها الخطأ بأن التحول إلى الاقتصاد الأخضر يعرقل خطط التنمية، بل على العكس من ذلك، فإن التحول إلى الاقتصاد الأخضر يمكن أن يحقق مكاسب اقتصادية مباشرة بمقدار 26 تريليون دولار، على المستوى العالمي حتى عام 2030، كما يتيح أكثر من 65 مليون وظيفة جديدة".

وفي جلسة نقاشية، عُقدت بعنوان "الصناديق الخضراء ودورها في عمليات التخفيف والتكيف" ضمن فعاليات "يوم الحلول"، عرض الدكتور كريم مرسي -مستشار وزيرة البيئة للقطاع الخاص- فرص الاستثمار في تمويل المبادرات المستدامة، وتطرق إلى مجالات الاستثمارات الخضراء، التي يتضمنها قانون المخلَّفات المصري، لجذب مزيد من استثمارات القطاع الخاص في المشروعات البيئية.

ودعا المشاركون في الجلسة الجانبية، التي عُقدت في "المنطقة الخضراء"، إلى العمل على تسريع استجابة المجتمعات المحلية للتداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية، وغيرها من القضايا البيئية، ومن ضمنها مشكلة التلوث بمخلفات البلاستيك، كما أظهرت المناقشات أن البنية التحتية لإعادة التدوير في القارة الأفريقية ما زالت منخفضةً للغاية، وأن هناك حاجةً ماسةً إلى مزيد من الاستثمارات الخضراء في المنطقة.

اضف تعليق