q
منوعات - بيئة

سلاسل الإمدادات وإزالة الغابات والممارسات الزراعية مصدر رئيسي للانبعاثات

في قطاع الإنتاج الزراعي والغذائي

انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن مرحلتي ما قبل الإنتاج وما بعده في سلاسل الإمدادات الغذائية تمثل أكثر من نصف مجموع الانبعاثات الناجمة عن النظم الزراعية والغذائية في أوروبا وأمريكا الشمالية، في حين كانت نسبتها أقل من 14 في المائة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية. ويبرز التباين...

سلاسل الإمدادات ماضية في تخطّيها الزراعة واستخدامات الأراضي باعتبارها المساهم الأكبر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن النظم الزراعية والغذائية في العديد من البلدان، وذلك بفعل النمو السريع نتيجة تجهيز الأغذية وتعبئتها ونقلها وبيعها بالتجزئة واستهلاكها على مستوى الأسر المعيشية والتخلص من نفاياتها وتصنيع الأسمدة، وذلك بحسب ما أفادت به دراسة جديدة بقيادة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة).

وتستحوذ بالفعل عوامل غير متصلة بالأنشطة داخل المزرعة والتغيرات في استخدام الأراضي على أكثر من نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن النظم الزراعية والغذائية في المناطق المتقدمة وقد ازداد نصيبها بأكثر من الضعف خلال العقود الثلاثة الأخيرة في البلدان النامية.

وهذه الدراسة الجديدة المتاحة اليوم بنسختها السابقة للنشر في إطار المناقشات بشأن البيانات العلمية للنظم الخاصة بالأرض والتي أعدها السيد Francesco Tubiello، كبير الإحصائيين في المنظمة، تستند إلى كمّ كبير من الجهود المبذولة في الآونة الأخيرة لوضع تحديد كمي لاتجاهات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بما يسهّل تدابير التخفيف من تأثيراتها ويُنذر صانعي السياسات بالاتجاهات المستجدة.

ولعلّ الأهمّ أنّه بات بالإمكان النفاذ بسهولة إلى قاعدة البيانات التي تتناول 236 بلدًا وإقليمًا خلال الفترة الممتدة من 1990 إلى 2019 والتي سيجري تحديثها سنويًا واستخدامها من خلال بوابة قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية للمنظمة (FAOSTAT) وهي تتضمن تفاصيل عن مختلف مكونات النظم الزراعية والغذائية. وهذا من شأنه أن يساعد المزارعين وواضعي الخطط على مستوى الوزارات على فهم الروابط القائمة بين إجراءات المناخ المخطط لها في إطار اتفاق باريس، كما سيساعد البلدان على اكتساب فهم أفضل لها.

وفي نهاية المطاف، يمكن استخدامها لمساعدة المستهلكين على فهم بصمة الكربون على أكمل وجه بالنسبة إلى سلع أساسية محددة عبر سلاسل الإمدادات العالمية.

وقال السيد Maximo Torero، رئيس الخبراء الاقتصاديين في المنظمة "يسرّ منظمة الأغذية والزراعة أن تتيح هذه السلعة العالمية العامة وهي مجموعة من البيانات التي تتناول بصورة مباشرة وبالتفصيل أكبر تحديات عصرنا هذا، وقد باتت متاحة الآن للجميع. وهذا النوع من المعرفة قادر على حفز الوعي والعمل بشكل هادف".

وتفيد البيانات الجديدة بأنّ 31 في المائة من مجموع غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن أنشطة الإنسان، أو ما يعادل 16.5 مليارات طنّ، مصدرها النظم الزراعية والغذائية في العالم وهو ما يشكل زيادة بنسبة 17 في المائة عما كانت عليه في عام 1990 عندما كان العدد الإجمالي لسكان العالم أدنى من الآن. وتتماشى الحصص العالمية مع العمل المضطلع به في السابق، وتشير إلى هامش يتراوح بين 21 و37 في المائة.

ويستخدم التقرير الجديد مجموعة أوسع من البيانات ويتبع نهجًا مفصلاً أكثر ترد خطوطه العريضة ضمن ملخص تحليلي وقد أفاد أيضًا بأنّ الانبعاثات الناجمة عن النظم الزراعية والغذائية جراء تغير استخدامات الأراضي - على غرار تحويل الغابات إلى أراض زراعية - وإن كانت لا تزال تشكل إحدى أهمّ العوامل الحاسمة بالنسبة إلى الانبعاثات الناجمة عن النظم الزراعية والغذائية، قد تراجعت بنسبة 25 في المائة خلال الفترة المذكورة في مقابل ارتفاع الانبعاثات داخل المزارع بنسبة 9 في المائة فقط. ويسلّط هذا الضوء على كيفية تأثير عوامل سلسلة الإمدادات على ارتفاع الانبعاثات الإجمالية لغازات الاحتباس الحراري الناجمة عن النظم الزراعية والغذائية.

ويقول السيد Tubiello "إنّ أهم اتجاه خلال السنوات الثلاثين الماضية منذ سنة 1990 أبرزه التحليل الذي أجريناه هو اكتساب الانبعاثات المتصلة بالأغذية والتي يجري توليدها خارج الأراضي الزراعية دورًا متناميًا في العمليات في مرحلتي ما قبل الإنتاج وما بعده على طول سلاسل الإمدادات الغذائية وعلى المستويات كافة، العالمية والإقليمية والأممية. ولهذا تداعيات هامة على الاستراتيجيات الوطنية للتخفيف من الانبعاثات المتصلة بالأغذية على اعتبار أنّ هذا النوع من الاستراتيجيات قد ركّز حتى الآن بشكل رئيسي على خفض الانبعاثات غير ثاني أكسيد الكربون داخل المزرعة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن تغير استخدام الأراضي".

ويعدّ إصدار مجموعة البيانات الجديدة هذه التي تمّ عرضها يوم الإثنين خلال المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (COP26) أساسيًا للمناقشات التي تجريها البلدان في قمة المناخ المنعقدة في غلاسكو، إضافة إلى تيسير الوفاء الهادف ببعض من التعهدات التي قطعتها البلدان وصولاً إلى تحييد أثر الكربون.

وقد تعاونت كل من شعبة الإحصاءات في الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية وباحثون أكاديميون من جامعة كولومبيا مع منظمة الأغذية والزراعة لإعداد هذا التحليل الأخير.

تتبّع الحقائق واستخلاص الاتجاهات

من أصل 16.5 مليارات طنّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن إجمالي انبعاثات النظم الزراعية والغذائية في العالم خلال عام 2019، تأتّى 7.2 مليار طنّ من داخل المزرعة، و3.5 مليارات طنّ من تغيّر استخدام الأراضي، و5.8 مليارات طنّ من عمليات سلاسل الإمدادات.

وتطلق هذه الفئة الأخيرة بالفعل أكبر كمية من ثاني أكسيد الكربون، وهو المقياس الرئيسي للانبعاثات المتراكمة، فيما كانت الأنشطة داخل المزرعة من بين أكبر مصادر انبعاثات الميثان (CH4) وأكسيد النيتروز (N2O)، مع أنّ تحلّل النفايات الغذائية يولّد كميات كبيرة من غاز الميثان.

وفي ما يتعلق بفرادى مكوّنات هذه الانبعاثات، كانت إزالة الغابات في عام 2019 أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وقد بلغت 058 3 مليون طنّ من ثاني أكسيد الكربون، تلاها التخمّر المعوي (823 2 مليون طنّ من مكافئ ثاني أكسيد الكربون)، ومخلّفات الماشية (315 1 مليون طنّ من مكافئ ثاني أكسيد الكربون)، والاستهلاك الأسري (309 1 ملايين طنّ من مكافئ ثاني أكسيد الكربون) والتخلّص من النفايات الغذائية (309 1 ملايين طنّ من مكافئ ثاني أكسيد الكربون) واستخدام الوقود الأحفوري ضمن المزارع (021 1 مليون طنّ من مكافئ ثاني أكسيد الكربون)، وقطاع بيع الأغذية بالتجزئة (932 مليون طنّ من مكافئ ثاني أكسيد الكربون).

ومع أن المكوّن الأول آخذ في التراجع، والمكوّن الثاني لا يزداد إلّا بشكل بسيط، فقد سجّلت الانبعاثات الناجمة عن البيع بالتجزئة، بما يشمل الغازات المفلورة المتصلة بالتبريد والتي لها تأثيرات مناخية أقوى من الميثان وأكسيد النيتروز، ارتفاعًا بأكثر من سبعة أضعاف منذ عام 1990، في حين ازدادت الانبعاثات الناجمة عن الاستهلاك الأسري بأكثر من الضعف. وتشكّل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من النظم الزراعية والغذائية من آسيا، وهي أكثر الأقاليم اكتظاظًا بالسكان في العالم، الحصة الأكبر من الانبعاثات، تليها تلك المتأتية من أفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وأوروبا، وأمريكا الشمالية، وأوسيانيا.

ولكنّ الدراسة قد خلصت إلى أنّ انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن مرحلتي ما قبل الإنتاج وما بعده في سلاسل الإمدادات الغذائية تمثل أكثر من نصف مجموع الانبعاثات الناجمة عن النظم الزراعية والغذائية في أوروبا وأمريكا الشمالية، في حين كانت نسبتها أقل من 14 في المائة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية.

ويبرز التباين على المستوى القطري. فعلى سبيل المثال، كانت غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالنظم الزراعية نتيجة تغير استخدام الأراضي ضئيلة للغاية في كل من الصين والهند وباكستان والاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها كانت المكوّن المهيمن في كل من البرازيل وإندونيسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وكانت عمليات الاستهلاك الأسري ضمن سلاسل الإمدادات المصدر الرئيسي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الصين، فيما كان التخلص من النفايات الغذائية المصدر المهيمن لهذه الانبعاثات في كل من البرازيل، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإندونيسيا، والمكسيك، وباكستان، فيما كان قطاع البيع بالتجزئة المصدر المهيمن لهذه الانبعاثات في الولايات المتحدة وروسيا وكندا. وكان استخدام الطاقة داخل المزارع أكبر مصدر للانبعاثات في الهند.

ويشير هذا التباين إلى مختلف استراتيجيات التخفيف المحتملة فضلًا عن الاتجاهات المرجّحة للمستقبل. فعلى سبيل المثال، بينما انخفضت الانبعاثات الناجمة عن النظم الغذائية في العالم كحصة من المجموع العالمي، من 40 في المائة في عام 1990 إلى 31 في المائة في عام 2019، كان العكس صحيحًا في الأقاليم التي تهيمن عليها النظم الزراعية والغذائية الحديثة: فقد ارتفعت من 24 إلى 31 في المائة في أوروبا ومن 17 إلى 21 في المائة في أمريكا الشمالية. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الارتفاع في معدّل الانبعاثات يعزى بشكل رئيسي إلى ثاني أكسيد الكربون، ما يؤكد تزايد ثقل العمليات في مرحلتي ما قبل الإنتاج وما بعده التي تنطوي عادة على استخدام الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة.

التوسع الزراعي يؤدي إلى إزالة الغابات في العالم بنسبة تقارب 90 في المائة

إزالة الغابات هي عملية تحويل الغابات إلى أراضٍ تُستخدم لأغراض أخرى مثل الزراعة أو البنى التحتية.

صرّحت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) لدى إصدارها للنتائج الأولى للمسح العالمي الجديد للاستشعار عن بعد الذي أجرته، بأن التوسع الزراعي يؤدي إلى إزالة الغابات في العالم بنسبة تقارب 90 في المائة، وهو تأثير أكبر بكثير ممّا كان يُعتقد سابقًا.

وتجدر الإشارة إلى إن إزالة الغابات هي عملية تحويل الغابات إلى أراضٍ تُستخدم لأغراض أخرى مثل الزراعة أو البنى التحتية. ووفقًا للدراسة الجديدة، فإن أكثر من نصف خسارة الغابات في جميع أنحاء العالم يعزى إلى تحويلها إلى أراضٍ زراعية، في حين أن ما يقارب 40 في المائة من فقدان الغابات يعود إلى رعي الماشية.

وفي الوقت الذي تؤكّد فيه البيانات الجديدة أيضًا تباطؤًا عامًا في وتيرة إزالة الغابات حول العالم، فإنها تدق ناقوس الخطر، محذرة من تعرض الغابات الاستوائية المطيرة، على وجه الخصوص، إلى ضغوط كبيرة جراء التوسع الزراعي.

وأوضح المدير العام للمنظمة، السيد شو دونيو، اليوم في كلمة أعدت لغرض حوار رفيع المستوى للدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، بعنوان "الارتقاء بمستوى الإجراءات لعكس مسار إزالة الغابات"، عرضت فيه المنظمة النتائج الجديدة، قائلًا "يفيد آخر تقييم للموارد الحرجية في العالم صادر عن منظمة الأغذية والزراعة أننا فقدنا 420 مليون هكتار من الغابات منذ عام 1990". وتحقيقًا لهذه الغاية، شدّد على أن زيادة إنتاجية الأغذية الزراعية لتلبية الطلبات الجديدة لعدد متزايد من السكان ووقف إزالة الغابات ليسا هدفين متعارضين.

وأضاف المدير العام قائلًا إنه من الأهمية بمكان عكس مسار إزالة الغابات وتوسيع نطاق التقدم الذي أحرز بشق الأنفس على هذه الجبهة لإعادة البناء على نحو أفضل وبطريقة أكثر مراعاة للبيئة بعد جائحة كوفيد-19.

وأشار إلى أن تحقيق النجاح في هذا المسعى يتطلب منّا معرفة مكان وسبب حدوث إزالة الغابات وتدهورها، وأين يتعين اتخاذ الإجراءات، ولاحظ أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلّا من خلال الجمع بين أحدث الابتكارات التكنولوجية والخبرات المحلية في الميدان. وإن المسح الجديد هو مثال جيد لمثل هذا النهج.

وإن زيادة إنتاجية الأغذية الزراعية لتلبية الطلبات الجديدة لعدد متزايد من السكان ووقف إزالة الغابات ليسا هدفين متعارضين. فقد بيّن ما يزيد عن 20 بلدًا ناميًا فعلًا أنه من الممكن تحقيق ذلك. وبالفعل، فإن أحدث البيانات المتاحة تؤكد أنه تسنّى خفض معدلات إزالة الغابات بنجاح في كل ٍمن أمريكا الجنوبية وآسيا.

الغابات الاستوائية مهدّدة

تفيد البيانات الجديدة أن الغالبية العظمى من إزالة الغابات حدثت، في الفترة الممتدة بين عامي 2000 و2018، في المناطق الأحيائية الاستوائية. وعلى الرغم من تباطؤ وتيرة إزالة الغابات في أمريكا الجنوبية وآسيا، تواصل الغابات الاستوائية المطيرة في هذه المناطق تسجيل أعلى معدلات إزالة الغابات.

تبيّن الدراسة أن الزراعة تظل الدافع الرئيسي الكامن وراء إزالة الغابات في جميع الأقاليم باستثناء أوروبا، حيث ينطوي التوسع الحضري وإنشاء البنية التحتية على تأثير أكبر. وتعزى خسارة الغابات في أفريقيا وآسيا في المقام الأول إلى تحويل الغابات إلى أراضٍ زراعية، حيث حُوّلت نسبة تزيد عن 75 في المائة من مساحة الغابات إلى أراضٍ زراعية. وفي أمريكا الجنوبية، يمثل رعي الماشية سبب إزالة ما يقرب من ثلاثة أرباع الغابات.

وأُجريت الدراسة التي أخذت بزمام قيادتها منظمة الأغذية والزراعة باستخدام بيانات وأدوات ساتلية طُوّرت بالشراكة مع الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (NASA) وشركة غوغل (Google)، وبالتعاون الوثيق مع أكثر من 800 خبير وطني من حوالي 130 بلدًا.

وجمع الحوار الرفيع المستوى رؤساء ومديري المنظمات الأعضاء في الشراكة التعاونية في مجال الغابات لبناء الزخم حول الإجراءات المناخية القائمة على الغابات في إطار مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن عكس مسار إزالة الغابات. وسيشكّل هذا الحدث أيضًا مساهمة كبيرة في قمة ستوكهولم+50، والدورة السابعة عشرة لمنتدى الأمم المتحدة المعني بالغابات والاستعراض المتعمق الذي سيُجريه منتدى الأمم المتحدة السياسي الرفيع المستوى بشأن التنمية المستدامة بخصوص هدف التنمية المستدامة 15 (الحياة في البر) في عام 2022.

اضف تعليق