المشهد يبدو مثاليًا، لكن عند التدقيق يتبادر إلى الذهن سؤال جوهري: ما الفائدة الحقيقية من هذه الفعاليات؟ هل تحقق الأقسام ما تدعيه، أم أنها مجرد نشاط شكلي مسجَّل على الورق؟ المشكلة الأساسية تكمن في طبيعة أداء الأقسام الأكاديمية نفسها. كثير من الأقسام تتحرك وفق قاعدة غير معلنة: "لنقم بنشاط لننشره"...

في ظل التطور السريع للتعليم والتدريب المستمر، تتسابق الجامعات والكليات والمعاهد على تنظيم دورات تدريبية، ورش عمل، وندوات حوارية ينظمها كل قسم أكاديمي. يوميًا، نشاهد على الصفحات الرسمية للجامعات والكليات صورًا مبتسمة للمشاركين، عناوين جذابة، شهادات مشاركة، وحتى مقاطع قصيرة تصور نشاط الورشة أو الدورة. المشهد يبدو مثاليًا، لكن عند التدقيق يتبادر إلى الذهن سؤال جوهري: ما الفائدة الحقيقية من هذه الفعاليات؟ هل تحقق الأقسام ما تدعيه، أم أنها مجرد نشاط شكلي مسجَّل على الورق؟

المشكلة الأساسية تكمن في طبيعة أداء الأقسام الأكاديمية نفسها. كثير من الأقسام تتحرك وفق قاعدة غير معلنة: "لنقم بنشاط لننشره". يعلن القسم عن ورشة عمل أو دورة تدريبية تحت عنوان جذاب، مع صور للمشاركين، وخطاب رسمي عن أهميتها، ولكن عند البحث عن النتائج العملية للفعالية نجد غالبًا غياب أي أثر ملموس أو تقرير يوضح ماذا استفاد الطلاب أو المشاركون بالفعل. في هذه الحالة، تتحول الدورة أو الورشة إلى مجرد عنصر في جدول القسم يُضاف إلى سجل الإنجازات، دون أن يحقق أي قيمة تعليمية حقيقية.

النقد هنا لا يقلل من أهمية التدريب أو الورش كأدوات تعليمية، بل يشير إلى غياب التخطيط الاستراتيجي والتقييم العلمي للأنشطة. كثير من الأقسام تختار مواضيع عامة أو جذابة بصريًا، لكنها لا ترتبط بحاجة فعلية للطلاب أو المجتمع الأكاديمي. النتيجة: حضور شكلي للطلاب، نقاش محدود، ثم رحيل بلا أي أثر معرفي أو مهاري.

ما يزيد الأمر سوءًا هو غياب أي آلية لقياس الأثر. أي قسم أكاديمي جاد يجب أن يسأل نفسه بعد كل نشاط: هل فهم الطلاب المفاهيم الجديدة؟ هل اكتسبوا مهارة قابلة للتطبيق؟ هل هناك مشاريع أو تطبيقات عملية تربط ما تعلموه بالواقع؟ للأسف، كثير من الأقسام يقتصر نشاطها على شهادة حضور، صورة جماعية، أو خبر على الموقع الرسمي، دون أي متابعة لما اكتسبه المشاركون. هذا يجعل النشاط شكليًا، ويحول الورشة أو الدورة إلى مجرد "عنوان جميل على الصفحة الرسمية".

الأمر الأكثر خطورة هو أن هذه الثقافة الشكلية تُرسخ في ذهن الطلاب والمشاركين فكرة أن الفعالية الأكاديمية مجرد واجب رسمي، وأن القيمة الحقيقية ليست في ما يتعلمونه، بل في ما يُنشر من صور ومنشورات على منصات التواصل الجامعية. هذا ليس نقدًا للطلاب، بل للسياسة الداخلية للأقسام التي تمنح الأهمية الأكبر للظهور الإعلامي على المضمون العلمي.

على الأقسام أن تدرك أن الهدف من أي دورة أو ورشة عمل هو إثراء المعرفة وبناء المهارات وليس مجرد تسجيل حضور أو نشر صورة. لا يكفي الإعلان عن نشاط، بل يجب وضع خطة واضحة تشمل:

1. أهداف قابلة للقياس: كل ورشة يجب أن تحدد ما يجب أن يحققه المشاركون من معرفة أو مهارة.

2. محتوى عملي وواقعي: المعلومات النظرية وحدها لا تكفي، يجب أن تتضمن التطبيقات العملية والمشاريع الصغيرة.

3. متابعة وتقييم: بعد انتهاء النشاط، يجب أن يكون هناك تقرير يوضح ما تعلمه المشاركون وكيف يمكنهم تطبيقه.

4. ربط النشاط بالواقع: كل ورشة أو دورة يجب أن تكون مرتبطة بحاجة فعلية للطلاب أو المجتمع الأكاديمي، وليس مجرد نشاط صوري.

عندما تتوفر هذه العناصر، تتحول أي دورة أو ورشة من مجرد نشاط شكلي إلى تجربة تعليمية حقيقية. المشاركون يخرجون ليس فقط بشهادة، بل بفهم عميق، مهارة جديدة، وإمكانية تطبيق ما تعلموه عمليًا، ما يعكس نجاح القسم في تقديم قيمة فعلية.

من المهم أيضًا أن تفهم الأقسام أن النجاح الأكاديمي لا يُقاس بعدد الدورات أو الصور المنشورة، بل بما يقدمه الطلاب والمشاركون من نتائج بعد النشاط. ورشة بلا مشروع، دورة بلا تطبيق، أو ندوة بلا مخرجات علمية حقيقية تعني فشل النشاط، مهما كان التغطية الإعلامية كبيرة.

الانتقاد هنا ليس للمبادرة، بل لسلوك الأقسام نفسها. فبدل أن تكون ورش العمل والدورات التدريبية أداة تطوير معرفي حقيقي، تتحول في الكثير من الحالات إلى عرض شكلي لتسجل في السجلات. هذا يؤدي إلى بيئة تعليمية تقلل من أهمية التعلم الفعلي، وتزرع لدى الطلاب عادة المشاركة الشكلية دون التعلم الحقيقي.

الأقسام بحاجة إلى تغيير جوهري في ثقافة تنظيم الأنشطة: يجب أن تكون كل ورشة ودورة مدروسة مسبقًا، مرتكزة على أهداف واضحة، وقابلة للقياس، ومتصلة بالواقع العملي. الصور والمنشورات على المنصات يجب أن تكون وثيقة للإنجاز، وليس الهدف نفسه. عندها فقط يتحول النشاط الأكاديمي من مجرد نشاط شكلي إلى تجربة معرفية حقيقية تُحدث فارقًا في حياة الطلاب والمجتمع الأكاديمي.

في النهاية، المسؤولية تقع بالكامل على الأقسام الأكاديمية نفسها. إذا أرادت أن تترك أثرًا حقيقيًا، عليها التركيز على المحتوى قبل الصورة، النتائج قبل الإعلان، والتطبيق قبل التوثيق. الأنشطة الأكاديمية ليست مجرد حدث يُقام لتوثيقه، بل فرصة لبناء المعرفة والمهارات وصناعة الفارق في الحياة الأكاديمية والمهنية للمشاركين. وعندما تتحقق هذه الشروط، لن يكون المنشور على الموقع الرسمي مجرد واجهة إعلامية، بل انعكاس طبيعي لإنجاز حقيقي.

اضف تعليق