q
تبدو مدرسة مكثر الداخلية للوهلة الأولى كغيرها من المدارس التونسية، لكن خصوصيتها تكمن في كونها تحقق اكتفاءها الذاتي من الطاقة والغذاء للتلاميذ وتمول أنشطة تكميلية تتيح لهم الانفتاح على العالم، انطلقت جمعية "والله نستطيع" في هذا المشروع قبل عشر سنوات، وتعمل على إنشاء نموذج للمساهمة في إصلاح النظام التعليمي في تونس...

تبدو مدرسة مكثر الداخلية للوهلة الأولى كغيرها من المدارس التونسية، لكن خصوصيتها تكمن في كونها تحقق اكتفاءها الذاتي من الطاقة والغذاء للتلاميذ وتمول أنشطة تكميلية تتيح لهم "الانفتاح على العالم". بحسب فرانس برس.

انطلقت جمعية "والله وي كان (والله نستطيع)" في هذا المشروع قبل عشر سنوات، وتعمل على إنشاء "نموذج" للمساهمة في إصلاح النظام التعليمي في تونس، البلد الذي كان منذ زمن غير بعيد رائدا في هذا المجال في منطقة المغرب العربي.

تضم المدرسة الداخلية 565 تلميذاً بينهم 80% متحدرون من عائلات تعيش بعيداً من المدرسة. وتقع في منطقة زراعية على علو 900 متر فوق سطح البحر، عند الوصول إلى مدينة مكثر الريفية والتي تبعد نحو 170 كيلومترا عن العاصمة في اتجاه الغرب، يبدأ مؤسس الجمعية لطفي حمادي في العمل مباشرة وينطلق في مساعدة العمّال على طلاء سور المدرسة الداخلية، يعبّر لطفي عن أسف شديد لأن "أداء نظام التعليم سيئ للغاية منذ ثورة 2011 (التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي)، ليس بسبب الثورة، ولكن لأن كل حكومة خضعت لضغوط النقابة وانتهى بنا الأمر بتخصيص 95% من ميزانية الوزارة (التربية) لدفع الأجور"، وكنتيجة لذلك، لم تبقَ أموال للصيانة وتحسين مناهج التعليم والتدريب المستمر للأساتذة والمدرّسين.

غير أن الوزير السابق وأستاذ السياسات العامة الهادي العربي، يؤكد لوكالة فرانس برس أن تونس "تميزت في عهد (رئيسها الأول) الحبيب بورقيبة بسياسة تعليمية استباقية للغاية تقوم على تخصيص 85% من الميزانية لتغطية الرواتب، و15% كانت تذهب للتجهيزات والمعلمين والتدريب"، ما مكّن من تحقيق نسبة تسجيل في المدارس بلغت 95% في التسعينيات.

المفيد من الاستثمار

لكن مئة ألف تلميذ يوقفون حالياً تحصيلهم العلمي في المدارس التونسية سنوياً، وسط ازدياد كبير في نسبة الحصص التعليمية الخاصة، وتراجع في المستوى التعليمي، وأمام هذا الواقع، قرر لطفي حمادي (46 عاما) المتخصص في الاستشارات في مجال الفنادق والمطاعم، وهو ابن مهاجرين تونسيين أميّين من من منطقة كسرى المحاذية لمكثر، العودة إلى تونس "للمساهمة في +اصلاح+ بلاده" إثر ثورة 2011. وهو يرغب في "توظيف المفيد من الاستثمار وتحويل المدارس إلى مؤسسات اجتماعية".

مرت عشر سنوات سريعاً، وبدأت تظهر التحسينات وأصبحت المؤسسة "مدرسة خضراء" مزودة 140 لوحاً شمسياً وخمسين سخان مياه يعمل بالطاقة الشمسية تنتج فائضا بأربعة أضعاف كمية الاستهلاك، وبحسن توظيف الفائض، تموّل المدرسة صيانة المبنى (الفصول الدراسية ومواقع المبيت والمطعم)، وتزود ثلاث مدارس أخرى بالكهرباء.

استأجرت الجمعية ثمانية هكتارات من الأراضي الزراعية من جمعية "كيدشين" الزراعية التي يعمل بها ستة من آباء تلاميذ كانوا عاطلين عن العمل، ومهندس زراعي، تزود المزرعة مطعم المدرسة بالخضروات كالطماطم والفلفل الحلو والبصل والبطاطا والبازلاء، فيما يباع فائض الانتاج.

مشروعنا

تغيرت حياة المسؤول عن فريق العمل الشايب شايب وهو أب لثلاثة تلاميذ، بفضل عمله في المزرعة، ويقول الرجل البالغ 44 عاما "في السابق، كنت أتعاقد لفترة وجيزة لا تتجاوز الخمسة أو الستة أشهر، وفي كل مرة كنت أعمل في مكان جديد. ولكن الآن أعمل في منطقتي"، إلى ذلك، يقر الشايب "بتحسن ظروف المبيت والطعام بالنسبة لأبنائه".

تمنحه وظيفته الجديدة استقرارا ماليا، فضلا عن كون كل عامل هو بالأساس مشارك بـ2% في مشروع "كيدشن"، ما "يحفزنا على زيادة العمل والإنتاج، وبالتالي الربح الأوفر هو مشروعنا"، يتم تخصيص فائض الأرباح لتمويل أنشطة ونوادي ثقافية ورياضية ومسرحية ولغات أجنبية، ويقول إن الهدف من ذلك "تعليمهم حب الدراسة وزرع الفضول فيهم للانفتاح على العالم"، تقول شهد الصالحي (14 عاما) إن "هذه التجربة منحتني الكثير من الثقة بالنفس"، ويساورها حلم بتأسيس شركة سياحية في المواقع الاثرية في منطقة مكثر، وتضيف بنبرة واثقة رغم بعض الخجل على وجها "نادي المسرح أيضاً جيد جداً لأنه يلقنك فنّ التحدث والإلقاء في الأماكن العامة"، التحقت شيماء رحومة الطالبة في كلية الحقوق والبالغة 21 عاما، بهذه المدرسة الداخلية في السابق، هي مثال ناجح آخر على مدى تأثير جمعية "والله وي كان" في حياة الطلاب وفي المنطقة.

الكلّ يريد أن يلتحق

وشهدت المدرسة تحولا كبيرا، إذ باتت تضم حمّامات ساخنة يوميا وقاعة سينما لعرض الأفلام وملعباً لممارسة مختلف الرياضات و حديقة كبيرة. "فمع مجيء الجمعية، تغيّر كل شيء في المدرسة وسادت موجات إيجابية"، وفق شيماء.

تضيف الفتاة التي تحلم بأن تصبح يوما ما سفيرة لبلادها، أنه بفضل نوادي الآداب والسينما، أصبحت "فضولية أكثر وتبحث دوما عن أشياء ومواضيع جديدة، لك أن تدرس هنا وأنت تلهو"، حظيت المدرسة بسمعة جيّدة بين أهالي مدينة مكثر، وفق المدير الطاهر المترفي الذي يؤكد أن "أكثر من ثمانين طلبا في الانتظار...الكلّ يريد الالتحاق من الأساتذة والمسؤولين أيضا"، وضعت الجمعية هدفاً في المستقبل يتمثل في إنشاء "مزرعة للطاقة" على مساحة تقدر بأربعين هكتارا تخصص لتزويد 23 مدرسة تضم 3500 تلميذ في المناطق المحيطة بمكثر، بالغذاء والكهرباء، لا يضع لطفي حمادي حدودا لطموحه، ويعمل على أن تكون المدرسة نموذجية بشكل يسمح بإنشاء مثيلات لها في كامل تونس "ولمَ لا في منطقة المغرب العربي وإفريقيا".

اضف تعليق