q
ملفات - حوارات

الشاعر صلاح السيلاوي للنبأ: الدولة مأسورة بالسياقات التعبوية

لا يمكن اعتماد مواقع التواصل الاجتماعي كوثيقة نهائية للمنتج الأدبي

شاعر واعلامي عراقي برز في العقد التسعيني من القرن الماضي وأوجد له مساحة مهمة في خريطة المشهد الإبداعي العراقي، تتسك كتاباته وآراؤه بالواقعية والقرب من هواجس المتلقي دون أن يتنازل عن فنّيته فيما يتعلق بقصيدته النابضة بالدهشة التصويرية ، يعمل محرراً في جريدة الصباح اليومية وهو مسؤول الشؤون الثقافية في اتحاد الأدباء والكتاب في كربلاء ، شبكة النبأ المعلوماتية التقته وكان هذا الحوار:

* غالباً ما تقول أن قصيدة النثر هي مشروعك الشعري النهائي، ألا تخشى من اتهامك بالتطرف الشكلاني؟

- لا طبعاً، فانتماء الشاعر لشكل معين لا يعني رفضه الأخرى، الأشكال متجاورة عندي بحب وليست متصارعة، فهي نتاج وعي وزمن محدد، فالقصيدة العمودية ليست صناعة زمننا وإن كان الكثير من شعرائها يعملون على تطويرها وإضافة بصمات خاصة بهم على جسدها، اما قصيدة التفعيلة فقلت في اكثر من مناسبة أنها صارت ضحية المتصارعين من شعراء قصيدة النثر والقصيدة العمودية لأنها لم تأخذ حيزها الزمني المناسب، الصراع في الحقيقة صراع شعراء لا اشكال لأن الأشكال تعمل على تطوير الشعرية مثلما تعمل على تطوير ذائقة المتلقي، التطرف الشكلاني كما أراه وجه من وجوه طائفيتنا وانتماءاتنا وأنا لا أرى الشعر بهذا المعيار الضيق، الشعر حياة سابحة بين الأرواح والأفكار وانتمائي لقصيدة النثر قائم على رؤيتي بأنها ابنة زمني القابلة للتجريب وأرضها الواسعة قابلة لزراعة أشجار جديدة ومستقبل الشعرية العربية يكمن في قصيدة النثر لبعدها عن الوظيفة الإنشادية للشعر.

* العمود الآن غادر الإنشاد واتجه للتأمل منتجاً رؤاه الحداثية متسلحاً بإيقاع تفتقده قصيدة النثر، وهل تؤمن بنظرية الإيقاع الداخلي التي يقول بها النثريون؟

- لا أنفي أبداً ان هنالك شعر عمودي يمتلك تأملات وحداثة، لكن كل ذلك يبقى أسير الشكل القديم ابن الزمن الماضي، وهنا يثار تساؤل عن أسباب التأمل والحداثة عبر شكل أنتجه زمن مضى لحاجات تختلف عن حاجات زمننا، دلالة الحداثة والتأمل بالمبنى وتأمل الشاعر العمودي شاء أم أبى ينتمي لشكل شعري كان الاعلام الاجتماعي السبب الرئيس في وجوده كالدفاع عن القبيلة مثلاً، رمن ابتكره آنذاك لم يبتكره للتأمل ولهذا كان الشعر حاضراً في ساحات الحرب عكس قصيدة النثر التي نشأت بحافز فكري واستطاعت أن تجد مكانة في ظل صراع كبير أراد تغييبها، وما يشاع عن إيقاعها الداخلي فهذه كذبة لا أجد لها مبرراً فقصيدة النثر قائمة على إيقاع الجملة والمفردة، أي أن الشاعر يستثمر ممكنات اللغة الموسيقية بطريقة حرة.

* لنتحدث عن دور المبدع في صياغة وعي مجتمعه، هل تعتقد أن مبدعينا ساهموا بانتاج الوعي في هذه المرحلة الملتهبة؟

- المشكلة الحقيقية في هذا الصدد تكمن في جهل السلطة، لو قارنا دور المثقف في المرحلة الملكية أو ماتلاها من جمهوريات حتى بداية الثمانينات، سنجد أن السلطات كانت على وعي بأهمية الثقافة وأهمية أن تحكم شعباً مثقفاً ولهذا كنا نجد جامعات مرموقة ومعلمين مؤثرين في الطلبة، وعلى الرغم من عدم اقتناعي بحجم ما يسهم به المثقف في تغيير الواقع الا اني ارى ان مسؤوليته أكبر وأجد أن ثمة حراك ثقافي أخذ يعمل على التوجه للشارع والتأثير فيه وهناك إسهامات مهمة مثل ( أنا عراقي أنا إقرأ ) و( قافلة لا للعنف الشعرية ) فضلاً عن تواجد المثقفين في ساحات التظاهر ضد الفساد وهذا ملمح مميز من ملامح تأثير المثقف في الشارع.

* هذه المشاريع هل أوقعت المؤسسة في حرج، وكيف تنظر للفعل الثقافي المؤسساتي؟

- الحرج الحقيقي يقع على المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة فهي تمتلك مقرات وميزانيات وموظفين، وعلى الرغم من كل ذلك نجد هذه المؤسسات غائبة تماماً عن التأثير في المجتمع وهي برأيي سائرة على سياقات النظام السابق لأنك تجد مؤسسات ثقافية تابعة للوزارة لاتؤور في جيرانها، فالبيوت الثقافية تقيم فعاليات يحضرها ضيوف وفنانون ومثقفون لكن المحيط الاجتماعي للبيت الثقافي لا يعلم بوجود هذه الفعالية ومن هذا نستخلص ان الدولة مأسورة بالسياقات التعبوية التي كانت سلطات البعث تنفذها.

* كيف تقرأ تقسيم المبدع إلى إسلامي وعلماني؟

- من فوائد هذه المرحلة - على سوئها - أنها كشفت بعض معادن المثقفين، فالبعض القليل منهم فضل حزبه على أبناء وطنه والبعض الآخر ترك منجزه وصار حزبياً، اما الانتماء للإسلام غير السياسي فهو حرية دينية مكفولة للجميع ولا أجد أن علينا ختم هوية المثقف وفق انتمائه الديني والفكري فالتعامل يجب ان يكون مع منجزه الابداعي وحسب.

* كيف تقرأ النتاج الأدبي في مواقع التواصل الإجتماعي؟، وهل تعتقد أن الصحافة الروقية تقهقرت ثقافياً أمام المارد الرقمي؟

- لا يمكن أن تعتمد مواقع التواصل الاجتماعي كوثيقة نهائية لتقييم المنتج الأدبي ، فهي ليست معدة لهذا الشأن، فعادة ما يتخذها الأدباء للتواصل الثقافي أو للكتابة التمرينية فنجد قصائد وآراء تنشر ثم تحذف أو تعدل، واذا لم تحذف او تعدل لا نجد لها حضوراً في منجز الشاعر او الكاتب التدويني، ومع ذلك يمكن للمتبع تكوين فكرة نسبية عن المنجز الثقافي في هذه المواقع وهو امر جديد على الثقافة العربية، فهذه المواقع كشفت الأديب أمام جمهوره فقد صار بإمكانه التحدث الى خمسة الاف من أصدقائه بكبسة زر على الكومبيوتر، هذه المواقع فتحت ابواب الشهرة لأسماء إبداعية حقيقية ما كان لها أن تظهر الا عبرها لتتعرى بذلك الأسماء التي صنعتها الايديولوجيا ، كل ذلك من شأنه أن يجعل الصحف الثقافية الورقية شيء من الحاجة الأرشيفية فقط ، وربما شيء من الذكرى خلال عقود قليلة مقبلة.

* شهد العقد الأخير تفوقاً سردياً واضحاً حيث الإقبال على القصص والروايات في معارض الكتب، من أية زاوية تقرأ هذا التفوق؟

- طالما تحدثت في عدة مقالات عن ضرورة التحول الأدبي باتجاه السرد لأسباب عديدة منها أن مجتمعنا مجتمع شعري يتعاطى مع الواقع بأساليب تشبه الشعر، فهو مأخوذ بالحماسة، خيالي للدرجة التي يسقط معها في الوهم ولذا يستطيع الحكام دائماً التمكن منه، وما يحدث الآن من تطور في المنتج السردي كماً ونوعاً هو دليل عافية على إدراك المشهد لأهمية السرد في زمن مزدحم بالتفاصيل نحتاج للإجابة على أسئلته بطريقة تتناسب وكثرة مكنوناته ، لهذا أصبح السرد بقدرته وآلياته الهاضمة لهذه التفاصيل هو الأجدر بالمواجهة.

اضف تعليق