في وقتٍ تتسارع فيه النقاشات حول موقع المرأة في الحياة العامة، اختارت الباحثة في مرحلة الماجستير "سمراء مهنه رباط" من قسم الدراسات القرآنية والفقه في كلية العلوم الإسلامية بجامعة كربلاء أن تطرق بابًا قلّما اقترب منه الدارسون: تولّي المرأة للوظائف الحكومية ذات الطابع الأمني...
في وقتٍ تتسارع فيه النقاشات حول موقع المرأة في الحياة العامة، اختارت الباحثة في مرحلة الماجستير "سمراء مهنه رباط" من قسم الدراسات القرآنية والفقه في كلية العلوم الإسلامية بجامعة كربلاء أن تطرق بابًا قلّما اقترب منه الدارسون: (تولّي المرأة للوظائف الحكومية ذات الطابع الأمني).
موضوع حساس يضعه البعض في خانة المحرّمات النقاشية، لكنه بالنسبة لها كان مساحة جديرة بالبحث والتحليل، لأنه يجمع بين النص الفقهي ومتطلبات الواقع الأمني الحديث.
في هذا الحوار، فتحت لنا الباحثة صفحات من رسالتها، متحدثة عن دوافعها، منهجها، والتباينات الفقهية التي واجهتها، فضلاً عن رؤيتها لكيفية الموازنة بين النص الشرعي وحاجات المجتمع.
ما الذي دفعكِ لاختيار موضوع "تولّي المرأة للوظائف الحكومية الأمنية نموذجاً"؟ وهل هناك تجربة شخصية أو ملاحظة اجتماعية أثرت في قراركِ؟
إن الدافع لاختيار موضوع حساس وشائك يتعلق بالمرأة وإمكانية توليها الوظائف ذات الطابع الأمني جاء من عدة جوانب:
1. الدافع العلمي والأكاديمي
ثمة فراغ بحثي واضح: دراسات الفقه الإمامي تناولت أحكام قبول المرأة للوظائف بعمومها، لكنّها لم تتناول تفصيلًا خصوصية الوظائف الأمنية الحكومية (التي تجمع بين سلطات إدارية، ممارسات تفتيشية، وواجبات حماية الأفراد ونفاذ القانون) لذا كان هدفي ملء هذا الفراغ ببحث يجمع بين الاستدلال الفقهي والتحليل المؤسسي الحديث لمفهوم الوظائف، لإخراج ضوابط شرعية عملية تواكب حاجة المجتمع والإدارة الحديثة.
2. الدافع الاجتماعي
الواقع العملي يبيّن وجود مهام لا تستطيع المؤسسات تنفيذها بكفاءة دون عنصر نسائي، كتفتيش النساء في السجون أو أماكن الاحتجاز، التعامل مع ضحايا العنف الجنسي أو الأسري، ومهام الاستخبارات الاجتماعية، وخدمات الدعم النفسي والاجتماعي للنساء المتضررات، لذا اخترت هذا الموضوع لأنَّه نقطة التقاء بين الشريعة والمصلحة العامة، هناك مهام أمنية لا يمكن تنفيذها بفعالية إلا بوجود نساء مختصّات، والفقه الإمامي يملك أدوات استنباطية تتيح لنا صياغة ضوابط شرعية تضمن حفظ الحرمات وحقوق الأفراد وتأمين المصلحة العامة.
3. الدافع الفقهي والأصولي
البحث يسعى إلى اختبار تطبيق قواعد فقهية (مثل: قاعدة حفظ النظام، وقاعدة الاشتراك، وقاعدة السلطنة). وكذلك دراسة النصوص النقلية، وقراءة فتاوى المراجع المعاصرين لتحديد الضوابط (شرط الستر، منع الاختلاط المحرم، وغير ذلك).
4. لم يكن الدافع تجربة شخصية بل ملاحظة اجتماعية، من خلال استقراء ومراجعة للأبحاث والدراسات العربية بشكل خاص، وتتبع تقارير منظمات المجتمع المدني، ووقائع عمل المؤسسات الأمنية في الدول العربية والانفتاح والتطور الحاصل لتواجد العنصر النسائي وبشكل متزايد في المؤسسات ذات الطابع الأمني خلال فترات زمنية قليلة.
كيف صغتِ مشكلة البحث؟ وهل تغيّرت رؤيتكِ أثناء العمل عليه مقارنةً بما بدأتِ به أول مرة؟
عند صياغة مشكلة البحث ركّزتُ على الفراغ الفقهي في معالجة موضوع تولّي المرأة للوظائف الحكومية الأمنية نموذجاً، حيث لاحظت أن أغلب الدراسات الفقهية القديمة والمعاصرة تتناول عمل المرأة بشكل عام، أو تكتفي بذكر حدود ولايتها في مجالات محدودة، من دون التعرّض المباشر لميدان الأمن والشرطة بما يحمله من حساسية شرعية ومجتمعية، لذلك صغتُ المشكلة بصيغة سؤال محوري: ما هي الضوابط والمرتكزات الفقهية الإمامية التي تنظّم عمل المرأة في الوظائف الأمنية الحكومية، وما مدى انسجامها مع حاجات الواقع؟
أثناء العمل على الرسالة، وجدتُ أن الرؤية الأولى اتّسعت؛ إذ لم يعد البحث مجرد محاولة لإثبات الجواز أو المنع، بل أصبح موجهاً نحو بناء نظرية متكاملة تقوم على القواعد الفقهية وتُبرز كيف يمكن للفقه أن يوفّر إطاراً عملياً يسهم في سدّ الفراغ التشريعي داخل المؤسسات الأمنية، هذا التطوّر جعلني أرى أن المشكلة لا تكمن فقط في السؤال عن (هل يجوز أو لا يجوز)، بل في كيفية تنظيم هذا العمل بضوابط شرعية عملية تحافظ على كرامة المرأة وتحقق المصلحة الأمنية والاجتماعية في آنٍ واحد.
ما أبرز النصوص الشرعية التي استندتِ إليها في بيان مشروعية أو عدم مشروعية عمل المرأة في المجال الأمني؟
استندتُ إلى محورين من النصوص الشرعية:
أولاً – النص القرآني: كقوله تعالى: ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ (التوبة: 71)، وهو نصّ عام يقرر مبدأ المشاركة والمسؤولية المشتركة بين الرجل والمرأة في القضايا الاجتماعية والسياسية، وهو ما يشمل الوظائف التي تحفظ النظام والأمن، وقوله تعالى: (يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَٰكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سورة الحجرات: الاية13)
يدل على أن جميع الناس يرجعون إلى أصل واحد، ولا فضل لأحد على أحد في أصل الخلق، أكدت الآية على إنسانية المرأة وهي كالرجل تماما خُلقا من مصدر واحد وهذا يُعتبر تأصيلاً لمبدأ المساواة بين البشر من حيث الخلقة والإنسانية، فالمعيار الحقيقي للتفاضل هو التقوى.
كذلك استندتُ إلى قاعدة التكريم الواردة في قوله تعالى: ﴿ولقد كرّمنا بني آدم﴾ (الإسراء: 70)، التي تقرّر مبدأ المساواة في الأصل الإنساني.
ثانياً – النص الروائي: اعتمدتُ على روايات من كتب الحديث الإمامية (الكافي، التهذيب، الاستبصار، من لا يحضره الفقيه) التي تبيّن اشتراك النساء في بعض المهام العامة زمن المعصومين، مثل: روايات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومشاركة بعض النساء في مواقف سياسية/اجتماعية مؤثرة، ما يفتح الباب للاستدلال على مشروعية عملهن في وظائف الحسبة والأمن بشروط وضوابط.
عند مواجهة اختلاف بين فتاوى الفقهاء، كيف تعاملتِ مع التباين؟ وما المنهج الذي اتبعتهِ في ترجيح رأي على آخر؟
نعم لقد تعرضنا لتباين بين اراء الفقهاء المتقدمين والمعاصرين في موضوع عمل المرأة في المجال الأمني، فمنهم من يضيّق دائرة الولاية أو الوظيفة العامة على المرأة، وبين من يوسّعها ضمن ضوابط شرعية. للتعامل مع هذا الاختلاف لم أكتفِ بعرض الآراء، بل اتبعتُ منهجًا استدلاليًا
والعودة إلى المدرك الأصلي للرأي، أي الرجوع إلى النصوص القرآنية والروائية والقواعد الفقهية التي استند إليها كل فقيه، وتفسير النصوص المعتمدة من أكثر من مصدر تفسيري وتحليل الروايات وبيان دلالتها لفهم السياق والدليل لا مجرد النتيجة، بهذا المنهج لم يكن الترجيح قائمًا على الانحياز المسبق، بل على التحليل العلمي للنصوص والأدلة، ثم اختيار ما يوفّق بين ثبات الأحكام الشرعية ومتطلبات الواقع الأمني والاجتماعي المعاصر.
ما مدى ارتباط مواقف الفقهاء القدامى تجاه تولي المرأة بعض الولايات بالظروف الاجتماعية والسياسية في زمانهم أكثر من ارتباطها بالنصوص القطعية؟
أنَّ كثيرًا من مواقف الفقهاء تجاه تولّي المرأة بعض الولايات لم تكن مستندة حصراً إلى نصوص قطعية الدلالة، بل تداخلت فيها الظروف الاجتماعية والسياسية التي كانت سائدة في تلك العصور، لذلك في منهجيتي البحثية سعيت إلى التمييز بين ما هو نص قطعي ثابت وما هو اجتهاد ناتج عن ظرف اجتماعي أو سياسي متغيّر، وهذا الفهم يفتح الباب أمام الفقه الإمامي المعاصر ليعيد قراءة المسألة في ضوء المتغيرات الحديثة، من دون الإخلال بثوابت الشريعة.
كيف انعكس تطوّر المجتمعات الإسلامية المعاصرة على الاجتهاد الفقهي في هذه المسألة؟
يمكنّ الإجابة عن هذا السؤال بنقطتين أساسيتين:
الأولى: إن تطوّر المجتمعات الإسلامية المعاصرة، من حيث بنية الدولة الحديثة، وتوسّع دور المرأة في مجالات العمل، وظهور الحاجة إليها في مجالات متخصصة (كالطب، والقضاء، والأمن، والإدارة)، انعكس بوضوح على حركة الاجتهاد الفقهي. فالفقيه المعاصر لم يعد ينظر إلى المسألة من زاوية فردية بحتة، بل يضعها ضمن إطار النظام العام ومتطلبات الدولة الحديثة.
الثانية: نجد أن عدداً من الفقهاء المعاصرين اتجهوا إلى إعادة قراءة النصوص في ضوء القواعد الكلية مثل: قاعدة الاشتراك، وحفظ النظام، هذه القواعد فتحت مجالاً أوسع لإثبات مشروعية تولّي المرأة وظائف حكومية وأمنية، بشرط الالتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية.
وبذلك يمكن القول إن الاجتهاد الفقهي في هذا الباب انتقل من مرحلة الحظر والاحتياط الشديد، إلى مرحلة الموازنة والتقنين، حيث صار الفقهاء يعترفون بحاجة المؤسسات إلى العنصر النسوي، ويسعون لوضع ضوابط شرعية تنظّم مشاركتهن بما ينسجم مع روح الشريعة ومتطلبات الواقع المعاصر.
ما أهم الوظائف الأمنية التي تعتبرينها مناسبة للمرأة شرعًا وواقعًا (كالتفتيش، التحقيق، إدارة السجون النسائية)؟
هناك مجموعة من الوظائف الأمنية التي تتناسب مع المرأة شرعًا وواقعًا، وأهمها:
1ـــ التفتيش الأمني للنساء: وهو أوضح مثال على الحاجة الميدانية لوجود العنصر النسوي، حفاظًا على الكرامة والستر.
2ـــ إدارة السجون والأقسام النسائية: لما فيه من صيانة لحرمة السجينات، ومنع الخلوة أو الانتهاك.
3ـــ التحقيق في القضايا الخاصة بالنساء (خاصة قضايا العنف الأسري أو الجرائم الأخلاقية): وجود المرأة المحققة يسهّل التواصل مع الضحايا ويقلل الحرج الشرعي والاجتماعي.
4ـــ مهام الرعاية والدعم النفسي والاجتماعي للنساء المتضررات: وهي وظائف أمنية مساندة لكنها جوهرية لحفظ النظام.
5ـــ المشاركة في المهام الميدانية غير القتالية: مثل الجوانب الإدارية، التحليل المعلوماتي، أو الأمن المجتمعي، بشرط مراعاة الضوابط الشرعية.
ما موقف الشريعة من تدريب المرأة على حمل السلاح والمشاركة في الدورات العسكرية، وهل يدخل ذلك في باب الضرورات؟
موقف الشريعة يقوم على مبدأين أساسيين:
أولاً – الأصل الشرعي: لا يوجد نص قطعي يمنع المرأة من التدرّب أو المشاركة في بعض الأنشطة العسكرية، ما دامت تراعي الستر والحشمة، وتتجنب الخلوة المحرّمة والاختلاط غير المنضبط، وهذا ما أشار اليه السيد الخميني في كتابه (المرأة في فكر الخميني) بل إنّ التاريخ الإسلامي يشهد بمشاركة بعض النساء في أدوار عسكرية مساندة، كالمداواة أو الحماية في المعارك.
ثانياً – باب الضرورة والمصلحة: إذا اقتضت الضرورات الأمنية أو العسكرية أن تتدرّب المرأة على حمل السلاح (مثل الدفاع عن النفس، حماية النساء في أماكن احتجازهن، أو مواجهة أخطار تمسّ المجتمع)، فإن الأمر يدخل في دائرة الضرورات التي تبيح المحظورات، مع بقاء الالتزام بالضوابط الشرعية، وهنا يُستند إلى قواعد فقهية مثل: قاعدة حفظ النظام، قاعدة لا ضرر ولا ضرار.
فإن تدريب المرأة على حمل السلاح لا يُعتبر أصلاً واجبًا عامًا، لكنه يصبح مشروعًا في الحالات التي تقتضيها المصلحة الأمنية، ويبقى الأمر على أساس الإباحة المقيّدة بالضوابط الشرعية.
ما الضوابط الشرعية التي ينبغي للمرأة الالتزام بها أثناء عملها الأمني، خاصة فيما يخص اللباس والاختلاط؟
ان مبدأ المشاركة مشروطة بجملة من الضوابط الفقهية التي تضمن تحقيق المصلحة دون الوقوع في محظورات شرعية، ومن أبرز هذه الضوابط:
1- عدم الخلوة والاختلاط المحرم: فلا يجوز أن تؤدي المرأة مهامها ضمن بيئة عمل تشتمل على خلوة محرمة أو اختلاط غير منضبط، وهو ما يمكن معالجته من خلال تنظيم الهيكل الإداري وضبط العلاقات المهنية.
2- الاحتشام في اللباس والسلوك إذ يجب أن تلتزم المرأة بلباس شرعي يتناسب مع طبيعة العمل، وألا يكون في مظهرها أو تصرفها ما يُعد خرقا لآداب الإسلام في التعامل بين الجنسين.
3- الضرورة الفعلية: أي أن تُستند المشاركة إلى حاجة فعلية للمجتمع، وليس مجرد ظهر تجميلي أو سياسي، وذلك التزاما بقاعدة الضرورات تُقدَّر بقدرها.
4- الكفاءة المهنية إذ يجب أن تكون المرأة مؤهلة فنيًا ونفسيًا لأداء المهام الأمنية، بما يحقق الكفاءة ويمنع التلاعب بمفهوم حفظ النظام.
وبذلك فإن حضور المرأة في الأجهزة الأمنية يُعد من تطبيقات القاعدة الفقهية الكبرى في حفظ النظام العام، ويُمارَس ضمن إطار شرعي منضبط، ويُسهم في بناء بيئة قانونية أكثر عدالة وشمولًا، تنسجم مع مقاصد الشريعة الإسلامية وتراعي تطورات الواقع المعاصر.
في حال تعارض حفظ النظام مع حكم شرعي آخر، كيف تتم الموازنة بين المصلحتين؟
تم عرض هذا السؤال على فقيه مجتهد فرد قائلاً: يجب تقديم الأهم على المهم بشروط:
الاول: احراز الأهمية بواسطة القواعد الشرعية والعقلية.
الثاني: مراجعة الفقيه الجامع للشرائط.
الثالث: ان يكون العمل بالأهم من باب الضرورة التي تقدر بقدرها فلا يكون ذلك حكماً عاماً، بل إذا ارتفعت الأهمية رجع الحكم إلى حالته الأولىٰ.
كيف يمكن إشراك المرأة في الوظائف الأمنية دون أن يؤثر ذلك على مسؤولياتها الأسرية ودورها في بناء الأسرة؟
إن إشراك المرأة في الوظائف الأمنية لا يتعارض مع دورها الأسري إذا جرى ضمن تنظيم تشريعي وإداري يراعي خصوصيتها، ويوازن بين واجباتها الأسرية ومسؤولياتها الاجتماعية، وبما ان الأصل في عمل المرأة الجواز بما لا يتعارض مع واجباتها الشرعية ولا يؤدي إلى تضييع حقوق الأسرة، هنا تكون الأسرة في مقام رعاية أساسي، لكن هذا لا يمنع من الجمع بين الدورين إذا وُضع نظام يراعي خصوصية المرأة، من الناحية العملية والتطبيقية، عن طريق منح المرأة جداول عمل مرنة (دوام جزئي، دوام صباحي) لتستطيع الموازنة بين بيتها ووظيفتها هذا من جانب ، من جانب آخر توفير حضانات أو رعاية للأطفال في مقار العمل الأمني لتقليل الضغط على المرأة ، كذلك زيادة التثقيف الأسري كتشجيع الأزواج والأسر على المشاركة في الأعباء المنزلية بما يعزز دور المرأة الوظيفي دون أن يكون على حساب الأسرة، يمكن ايضاً الاستفادة من التكنولوجيا و إدخال أنماط العمل عن بُعد في بعض الجوانب الأمنية (التقارير، المتابعة الإدارية، الرصد الإلكتروني) لتقليل الغياب الطويل عن المنزل.
ما ردّكِ على من يعترض بأن عمل المرأة في المجال الأمني يتنافى مع طبيعتها الفطرية أو يحمّلها فوق طاقتها؟
كثيراً ما يتعرض النقاش في مثل هكذا موضوع حساس إلى اعتراض من هذا النوع، يمكن الإجابة عن هذه الإشكالات من منظور فقهي واخر اجتماعي.
فقهياً: ان الأصل في العمل هو الإباحة، ما لم يرد نص قطعي يمنع المرأة من تولي الأعمال الأمنية ما دامت لا تؤدي إلى محرم أو تضييع واجب شرعي، المشاركة النسائية قد تكون ضرورة لحفظ الأمن في شؤون تتعلق بالنساء (التفتيش، التحقيق، الرعاية الإصلاحية)، في هذه الحالة يصبح العمل واجبًا كفائيًا إذا لم يسد مكانها غيرها، من جانب آخر فإن ليس كل عمل أمني يتطلب جهدًا بدنيًا مفرطًا أو صدامًا عسكرياً هناك أعمال إدارية، استخبارية، لوجستية، رقابية، مجتمعية، كلّها تناسب طبيعة المرأة.
اجتماعياً: ان فطرة المرأة لا تعني الانحصار ، أي القول إن “طبيعة المرأة” لا تناسب الأمن فيه تعميم، فقد أثبت الواقع أن كثيرًا من النساء نجحن في أدوار قيادية، عسكرية، وطبية ميدانية من دون إخلال بدورهن الأسري كما ان الطاقات متفاوتة بين النساء فالبعض منهن يمتلكن قدرة بدنية ونفسية عالية، ان العمل على توزيع المسؤولية وإخضاع المرأة المتقدمة للعمل بالمجالات الأمنية الى اختبارات كفاءة مهم ايضاً للعمل على إدماج المرأة في مجالات تناسبها (كالأمن المجتمعي، أمن الحدود الاجتماعية، الشرطة النسائية) هذا بدوره يقلل من الضغط البدني ويجعلها مكمّلة للرجل لا منافسة له.
ما درجة استعداد المجتمع العراقي نفسيًا وثقافيًا لتوسيع مشاركة المرأة في الوظائف الأمنية؟
يمكن القول بأن المجتمع العراقي مستعد لدرجة متوسطة في تقبل مشاركة المرأة للعمل بالمجالات الأمنية، لكن الحاجة التي ظهرت خصوصاً بعد عام 2003 وانتشار المجموعات الإرهابية وتهديد أمن المنطقة ظهرت حاجة ماسة لتجنيد النساء للعمل العسكري والاستخباراتي وحفظ الأمن ظهرت الشرطة النسائية وأثبتت حضورها، خاصة في المطارات والسجون، مما ولّد نوعًا من الاعتياد على رؤية المرأة في المجال الأمني.
نعم قد تكون ما زالت هناك فئات محافظة ترى أن الأمن مهنة خشنة أو لا تنسجم مع صورة المرأة الأسرية، فيكون لديهم تحفظ تقليدي، لكن الأغلبية يميل إلى تقبّل مشاركة المرأة أكثر من الأجيال السابقة، خصوصًا في المدن الكبرى، نظرًا للاحتكاك بالثقافات الحديثة ووسائل الإعلام.
ما التوصيات العملية التي تطرحينها للحكومة والجهات الدينية لتأهيل النساء لهذا المجال مع الحفاظ على الضوابط الشرعية؟
1- العمل على توعية المرأة العربية بحقوقها السياسية، بوسائل، منها: إقامة الندوات العامة، وإلقاء المحاضرات، وإعداد برامج إعلامية موجهة تعنى بقضايا وشؤون المرأة السياسية، وذلك على مستويات مختلفة محليا وإسلاميًا ودوليًا.
2- توجيه المرأة وتشجيعها على المشاركة الإيجابية الفاعلة، سواء في النشاط المجتمعي العام أو النشاط السياسي الخاص، مع تهيئة الأسباب والعوامل التي تعين المرأة على الوفاء بمسئوليتها المجتمعية بجانب مسؤوليتها الأسرية.
3- ضرورة جمع النُّصوص الدينية الواردة في حق المرأة ومعالجتها معالجة شاملة، لاستخراج تصوُّر إسلامي جامع منها عن المرأة وقدراتها وموقعها، وبحث قضايا المرأة على نحو متَّصل في محل واحد.
4- تحصيل التصوُّر الصَّحيح عن المرأة، وإشراكها في البحث الفقهي من خلال توفير الأجواء العلمية والثقافية المساعدة لوصول المرأة إلى مرتبة الاجتهاد أو على الأقل بصفة مستشار.
5-دعم المشاركة الإعلامية عبر منابر الجمعة والمحاضرات، لتصحيح الفهم السائد أن العمل الأمني لا يتنافى مع الفطرة بل هو واجب اجتماعي إذا تعيّن.
6- التنسيق مع الدولة لإعداد برامج مشتركة بين وزارة الداخلية والحوزة تضمن أن التدريب الأمني لا يخرج عن الإطار الشرعي والأخلاقي.
برأيكِ، ما الأسئلة البحثية الجديدة التي لم يتناولها بحثك وتترُكينها لبحوث قادمة حول مشاركة المرأة في العمل العام والأمني؟
إن أي بحث أكاديمي لا يغطي كل الأبعاد، بل هو يفتح الباب ويوسع الأفكار لبحوث لاحقة وفي موضوع مشاركة المرأة في العمل الحكومي والأمني يمكن اقتراح أسئلة بحثية جديدة لم تُعالج بعد بشكل معمّق، ودراستها بما يتناسب مع المستجدات العصرية والطروح الحديثة على الساحات الفقهية يمكن الاستفادة من القواعد الفقهية المهمة (كقاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة نفي العسر والحرج، وقاعدة الأهم والمهم) يمكن طرح عدة أسئلة بحثية لم يتم العروج عليها ومنها:
-هل يمكن اعتبار عمل المرأة الأمني من الواجبات الكفائية في المجتمع إذا توقف حفظ النظام عليه؟
-ما مدى إمكان توظيف قاعدة الأهم والمهم في الموازنة بين دور المرأة الأسري ومشاركتها الأمنية؟
-كيف تتعامل وسائل الإعلام العراقية مع صورة المرأة الأمنية؟ وهل تساهم في تعزيز القبول المجتمعي أم في تكريس الصورة النمطية؟
- كيف يمكن مقارنة تجربة المرأة في الأمن بالعراق مع تجارب بلدان إسلامية أخرى (إيران، لبنان، مصر)؟ هذا السؤال بالذات يصلح لدراسة أكاديمية مقارنة مهمة جداً.
مع نهاية هذا الحوار، يتضح أن بحث الباحثة "سمراء مهنه رباط" لا يكتفي بعرض أحكام فقهية قديمة أو معاصرة، بل يسعى لبناء جسر بين الشرع والواقع، بين النصوص الفقهية ومتطلبات العصر الحديث.
رسالتها تطرح رؤية عملية لكيفية إشراك المرأة في الوظائف الأمنية الحكومية مع الحفاظ على الضوابط الشرعية، مؤكدة أن التحدي ليس في إمكانية المشاركة، بل في تنظيمها بما يحقق المصلحة العامة ويحفظ كرامة المرأة.
يبقى السؤال الأهم الذي يتركه هذا الحوار للقارئ: هل يمكن للمجتمع أن يواكب هذه الرؤية ويعيد النظر في صورة المرأة في العمل الأمني، لتصبح شريكًا فاعلًا في حفظ النظام والأمن دون التفريط بثوابتها وأدوارها الأسرية؟
اضف تعليق