تهدف هذه الورقة إلى تشخيص عشر ظواهر سلبية تعيق مسار التحول نحو الدولة الحضارية الحديثة، وتقديم إطار سياسات لمعالجتها ضمن منظور حضاري يقوم على القيم العليا الاثنتي عشرة: الحرية، العدالة، المساواة، المسؤولية، الإتقان، التضامن، التعاون، الإيثار، التسامح، الثقة، السلام، والإبداع، وتُمثّل هذه الظواهر نقاط اختناق حضارية ينبغي معالجتها بصورة متوازنة وشاملة...

مقدمة

تهدف هذه الورقة إلى تشخيص عشر ظواهر سلبية تعيق مسار التحول نحو الدولة الحضارية الحديثة، وتقديم إطار سياسات لمعالجتها ضمن منظور حضاري يقوم على القيم العليا الاثنتي عشرة: الحرية، العدالة، المساواة، المسؤولية، الإتقان، التضامن، التعاون، الإيثار، التسامح، الثقة، السلام، والإبداع، وتُمثّل هذه الظواهر نقاط اختناق حضارية ينبغي معالجتها بصورة متوازنة وشاملة لضمان الارتقاء المجتمعي المطلوب.

أولًا: الظواهر السلبية

١. شيوع الخطاب الطائفي والعرقي والعشائري والانقسام الهوياتي

ظاهرة تُضعف المواطنة وتعمّق الشروخ الاجتماعية وتتحول إلى بيئة طاردة لقيم السلام والثقة والتضامن.

٢. الفساد المالي والإداري

منظومة معيقة للإتقان والعدالة والمساواة وتحوّل الدولة إلى مجال نفوذ بدلاً من فضاء خدمة عامة.

٣. ضعف الالتزام بالقانون

ثقافة اجتماعية تتسامح مع تجاوز الأنظمة واللوائح وتروّج لغياب المساءلة مما يعطل بناء دولة المؤسسات.

٤. العنف المجتمعي وانتشار السلاح المنفلت

يُضعف احتكار الدولة للعنف المشروع ويدفع المجتمع نحو الخوف بدل السلم الأهلي.

٥. تدنّي مستوى الوعي بالقيم الحضارية

يظهر في ضعف احترام الوقت وغياب الإتقان وتدنّي المسؤولية العامة وضعف روح التخطيط والمبادرة.

٦. عدم الاهتمام بالنظافة العامة

تجسيد لحالة قصور في الإحساس بالمسؤولية الجمعية واحترام المجال العام والبيئة، ويعد مؤشرًا واضحًا لغياب الوعي الحضاري اليومي.

٧. البيروقراطية المتخلفة وضعف الخدمة العامة

تُعيق كفاءة الدولة وتستنزف وقت المواطنين وتحبط المشاريع التنموية وتضعف ثقة المجتمع بالمؤسسات.

٨. ضعف التعليم وبعده عن متطلبات العصر

يُبقي المجتمع في خارج سياق التطور العالمي ويمنع تكوين إنسان خلاق قادر على الإبداع والإنتاجية العالية.

٩. هيمنة الثقافة الاستهلاكية وضعف الإنتاج

تولّد اعتمادًا على الخارج وتمنع بناء اقتصاد معرفة قائم على الإبداع والعمل المنتج.

١٠. تآكل الثقة بين المواطن والدولة

يمثل أكبر خطر حضاري لأنه يشل التعاون الاجتماعي ويضعف الشرعية الفعلية ويقوّض أسس التحول الحضاري.

ثانيًا: محاور السياسات لمعالجة الظواهر

١. محور الهوية الوطنية الجامعة

اعتماد برامج إعلامية وتعليمية تعزز الهوية الحضارية المشتركة وتدمج خطاب المواطنة فوق الانتماءات الفرعية، مع إنتاج محتوى إعلامي تأسيسي قائم على قيم الثقة والسلام والتضامن.

٢. محور الإصلاح المؤسسي ومكافحة الفساد

إطلاق حزمة إصلاحات إدارية تشمل رقمنة المعاملات الحكومية، وتفعيل المساءلة القانونية، وإعادة هيكلة مؤسسات الرقابة بما يضمن الشفافية وقطع دوائر الفساد.

٣. محور سيادة القانون

تحديث منظومة القوانين وتطبيقها بلا انتقائية، وإطلاق حملات توعية مجتمعية تعيد بناء العلاقة بين المواطن والقانون بوصفه حماية لا قيدًا.

٤. محور السلم المجتمعي والسيطرة على السلاح

فرض احتكار الدولة للعنف المشروع عبر نزع السلاح المنفلت تدريجيًا، وإطلاق برامج تثقيفية لتعزيز ثقافة اللاعنف وبناء الثقة بين المكوّنات.

٥. محور الوعي الحضاري

إدخال مساقات القيم الحضارية العليا في المدارس والجامعات، وتنظيم برامج تدريبية للعاملين في المؤسسات العامة لترسيخ قيم الإتقان والمسؤولية والعمل التعاوني.

٦. محور النظافة والبيئة الحضرية

إطلاق استراتيجية وطنية للنظافة تشمل نظام فرز نفايات مبسطًا، وغرامات رادعة على المخالفين، وحملات إعلامية تربط النظافة بالقيم الحضارية، مع تطوير منظومات جمع النفايات.

٧. محور تحديث الإدارة والخدمة العامة

تقليل الاحتكاك المباشر بين المواطن والموظف عبر الرقمنة، وتبسيط الإجراءات، ووضع معايير جودة للخدمات العامة، وربط الترقّي الوظيفي بالإتقان.

٨. محور إصلاح التعليم

تحويل التعليم من تقليدي قائم على الحفظ إلى تعليم حضاري قيمي/وظيفي قائم على الإبداع والمهارات وحل المشكلات، وربط المناهج برؤية الدولة الحضارية الحديثة.

٩. محور الاقتصاد المنتج

إعادة بناء الاقتصاد على أسس الإنتاج والإبداع بدل الاستهلاك، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبرامج الابتكار، وتشجيع الصناعات الوطنية.

١٠. محور بناء الثقة بين الدولة والمواطن

إعادة الاعتبار للشفافية الحكومية، وإشراك المواطنين في صنع القرار، وإظهار فعالية الدولة من خلال مشاريع ملموسة تحسّن حياة الناس، بما يعيد إنتاج الثقة كقيمة حضارية مركزية.

خاتمة

تقدم هذه الورقة إطارًا حضاريًا شاملًا لمعالجة التحديات الاجتماعية التي تعترض مسار الدولة الحضارية الحديثة، ويقوم نجاح السياسات المقترحة على دمج القيم العليا في كل خطوة، وتحويل الفلسفة الحضارية من رؤية نظرية إلى ممارسة يومية تنعكس في سلوك الفرد وأداء المؤسسات، بما يقود العراق إلى مكانته الحضارية المنشودة.

اضف تعليق