q
اقتصاد - تنمية

مشكلة الفقر في العراق

دراسة استقصائية (1 ـ 2)

عراقيا الاختلاف يكون بدرجة جذرية عن كل تلك الدول إن تواترت نسب الفقر فيه وبشكل تقترب من خط الفقر او تحته في ظل دولة يختلف اقتصادها بشكل جذري عن تلك الدول التي تحتفظ بنسب معينة للفقر كما هي في المشهد السيوسولوجي العراقي الى الحد الذي...

في العراق تشكل نسبة الفقر فيه اكثر من 30% حسب احصاءات وزارة التخطيط، اي ما يعادل ثلث سكان العراق البالغ عددهم اكثر من 37 مليونا، ولايختلف الواقع الديموغرافي في العراق عن اية دولة اخرى في العالم من ناحية تمركز الفقر فيها وتمدّده بنسب معينة قد تكون في بعض المدن عالية جدا او تحت المستوى المسموح به عالميا، وبعض مستويات الفقر فيها تكون تحت خط الفقر والبعض فوقه.

ولكن عراقيا الاختلاف يكون بدرجة جذرية عن كل تلك الدول إن تواترت نسب الفقر فيه وبشكل تقترب من خط الفقر او تحته في ظل دولة يختلف اقتصادها بشكل جذري عن تلك الدول التي تحتفظ بنسب معينة للفقر كما هي في المشهد السيوسولوجي العراقي الى الحد الذي يكون الفقر وخطّه احدى متلازمات هذا المشهد والتي ازدادت خاصة بعد التغيير النيساني، وسبب الاختلاف هو طبيعة المشهد الاقتصادي/السيوسولوجي العراقي نفسه عن غيره هو انه اقتصاد غير فقير، فالاقتصاد الفقير يصدق على تلك الدول ذات متلازمات الفقر ويعيش الكثير من مواطنيها تحت خط الفقر، ولكن العراق يختلف اذ لايوجد تطابق مابين الواقعين الاقتصادي والسيوسولوجي وهذه شيزوفرينيا لاتكاد توجد في مشهد سيوسولوجي/اقتصادي اخر غير العراق، فالعراق يشبه تلك الدول ديموغرافيا ويناقضها اقتصاديا فهذه النسب تزداد يوما بعد يوم دون معالجات حقيقية اذ تقترب الكثير من شرائح المجتمع العراقي من خط الفقر بينما الاقتصاد العراقي الريعي يزداد غنى والمجتمع العراقي يزداد فقرا.

ولتعدّد اسباب الفقر في العراق يجب ان تتعدّد طرائق معالجته او التخفيف منه فقد ادرك رئيس الوزراء عبد المهدي وهو رجل اقتصاد ان من اهم اسباب الفقر شحة السكن واضطرار الاف العوائل الى السكن اما في العشوائيات التي انتشرت على اديم الوطن او الرزوح تحت رحمة بدلات الايجار الباهظة التي تثقل كاهل المواطن البسيط وتضيف المزيد من المعاناة على حياته اليومية ناهيك عن شظف العيش وتردي الخدمات، ولان العراق يحتاج الى اكثر من ثلاثة ملايين وحدة سكنية وهو رقم مهول قياسا الى البلدان الاخرى ويكشف عن احد مستويات الفقر في العراق ومن اهمها وهو احد اسباب التصدعات التي تحصل في اغلب العوائل التي تحصل فيها خلافات تؤدي الى تشتتها بانفصال الازواج عن بعضهم لهذا السبب، لذا ارتأت الدولة توزيع قطع اراض على الفقراء وذوي الدخل المحدود لتكون الخطوة الاولى في سلّم معالجة ظاهرة الفقر ومن المؤكد انها لن تكون كافية لذلك او الأخيرة.

فما زال امام الحكومة شوط طويل في هذا المضمار لان صيغة معالجة الفقر التي ترد كثيرا في البرامج الحكومية تحتاج الى اجراءات اقتصادية واسعة وطويلة الامد تبدأ من معالجة التضخم النقدي في العملة الوطنية والذي يبتلع اغلبية رواتب ومدخرات الاسر وممن يكونون اكثر تعرضا لمخاطر مناسيب التضخم التي تقربّهم من خط الفقر الذي تعرّفه الموسوعة الحرة بانه (هو حالة العوز المادي، حيث يعيش الانسان دون حد الكفاف المتمثل بسوء التغذية والمجاعة حتى الموت، وما ينتج عن ذلك من انخفاض المستوى الصحي والتعليمي والحرمان من امتلاك السلع المعمرة والاصول المادية الاخرى، وفقدان الضمان لمواجهة الحالات الطارئة كالمرض والاعاقة والبطالة والكوارث والازمات وغيرها)، اما خط الفقر فهو : المستوى الادنى من حاجة العائلة، الى المأكل والملبس والرعاية الصحية والتعليمية والسكن، اما من يعيش تحت خط الفقر فهو في حالة فقر مدقع شديد ويكون في واقع معاشي مزرٍ.

ولايمكن تبرئة الفساد السياسي والمالي والاداري من هذه التهمة فهو سبب اضافي في تفشي الفقر في المجتمع العراقي لان الفساد كان وما يزال سببا في تبخر الكثير من الاموال العامة وهدر اموال اكثر الموازنات لاسيما الانفجارية منها والتي ضاعت مردوداتها في جيوب الفاسدين الذين مافتئت الاستراتيجيات الحكومية تنشط في مقارعة الاسباب التي ادت الى استفحالهم وتغولهم وافلاتهم من العقاب واسترجاع مانهبوه.

وعلى مستوى مكافحة الفقر بشكل جدي تبقى الآمال معقودة على الاستراتيجية الوطنية للحد من الفقر وكان العراق قد أطلق عام 2010، الاستراتيجية الوطنية الأولى للتخفيف من الفقر لعامي 2010 - 2014، التي وضعت ضمن أولوياتها تحسين الواقع المعيشي والمستوى الصحي والتعليمي للمواطنين، مع توفير بيئة سكن مناسبة لشريحة الفقراء، فضلاً عن توفير الحماية الاجتماعية لمحدودي الدخل، واطلاق الاستراتيجية الثانية للتخفيف من الفقر للسنوات 2018-2022 بمشاركة عدد من الوزارات والنواب والخبراء والامم المتحدة والمنظمات والبنك الدولي.

وهذه الاستراتيجية متعددة القطاعات والاتجاهات وهي الاهم اذ هدفت الى الانطلاق نحو حقبة جديدة في النمو غايتها تقليص معدلات الفقر الى الربع بحلول عام 2022 وبمحصلة تشاركية بين جميع الوزارات مع التركيز على الشرائح الاكثر تضررا وفقرا كالنازحين والمهجرين وسكان الارياف وهي استراتيجية مكمّلة للاستراتيجيات السابقة التي كانت تهدف الى تحقيق التنمية المستدامة الا انها كانت محدود الفعالية.

وتأتي الاستراتيجية الثانية والتي نحن نعيش في غمارها كمحصلة لجهد اممي مشترك مع الامم المتحدة والبنك الدولي، لتهدف الى تحسين مستوى الانفاق الضروري والتوجه الى زيادة انتاجية العمال وخلق فرص العمل وايصال الرعاية الصحية للفقراء وتوفير البنى التحتية والتعليم والسكن الملائم ومعالجة مشكلة العشوائيات واصلاح نظام الرعاية الاجتماعية وتهيئة وضع معيشي مناسب لمن تضرّر من الحرب ضد داعش و الهدف الأساس من هذه الاستراتيجية، يكمن في تقليص معدلات الفقر الى ادنى حد ممكن، من خلال تبنّي سياسة اقتصادية تنسجم مع الوضع المالي الذي يعيشه العراق حالياً، والناتج من انخفاض أسعار النفط عالمياً.

كما تنصّ على تأسيس صندوق خاص لتمويل مشاريع الفقر، من خلال المخصصات المالية في الموازنة الاتحادية أو التبرعات التي قد تحصل عليها الحكومة، حيث تشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء إلى احتلال عصابات داعش الإرهابية أجزاء من البلاد، وانخفاض أسعار النفط العالمية، ساهما في رفع نسبة الفقر إلى 23%، بعدما انخفضت خلال الاستراتيجية الماضية إلى 15 في المئة في النصف الأول من عام 2014 لذا يقع على استراتيجية الحد من الفقر ان تعمل على خفض مناسيب معدلات الفقر الى اقل مستوى مقبول ما يستدعي تدخل الجميع للحد من استفحال مخاطره الاجتماعية وغيرها.

من ابرز اسباب الفقر تفشي البطالة وشحة فرص التعيين في الوظائف الحكومية وان كانت مناسيب تلك الوظائف قد بلغت حدودا عالمية غير مسبوقة (اكثر من ثمانية ملايين موظف مستمر في الخدمة فضلا عن ملايين المتقاعدين ) ولكنْ هنالك اوجه اخرى لتشغيل الايادي العاطلة عن العمل كتنشيط القطاعات الاقتصادية الاخرى وتفعيلها كالصناعة والزراعة والسياحة بأنواعها ما يساهم في رفد الموازنات المالية العامة بواردات تكسر احتكار الريع النفطي وتزيد من الدخل القومي للفرد العراقي، ما يساهم في تقليل مناسيب الفقر وتساهم ايضا في أن يغادر العراق حالة الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي باتباع إجراءات تستهدف الفئات الهشة خلال مدة تنفيذ هذه الاستراتيجية

التحديات التي واجهتها هذه الاستراتيجية تتمثل بمشكلة التمويل المالي الذي يشكّل التحدي الاول والاكبر فيبقى الامل منوطا بمساهمة المنظمات الدولية ورفد الاستراتيجية بالأموال اللازمة لتحقيقها، ولغرض الحد من مناسيب الفقر في العراق يجب ان تتضافر جميع الجهود الحكومية والدولية الاممية في برنامج حقيقي وليس ترقيعيا او مبسترا يقتصر على حل جزئي او منفرد كتوزيع الاراضي وان كان حلا مهما الا انه لايكفي وللدراسة صلة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق