يمكن أن نبني وطنيا محميا، ودولة مصانة، ومجتمعا متقدما، من خلال التمسك بمبادئ النهضة الحسينية، وهذا الأمر يعد خريطة عمل جاهزة للتطبيق، ويمكن تحقيق الأهداف المعلنة في حال تمة الالتزام بخطوات هذه الخريطة التي قدمها الإمام الحسين عليه السلام منذ أول لحظ أعلن فيها قيامه وخروجه على كل ما يحدث من ظلم وفساد وانحراف...

كثيرا ما سمعتُ من أبي رحمه الله، جملة يكررها دائما يقول فيها (الوطن أولا وقبل كل شيء)، بينما نسمع اليوم من مواطنين كثيرين يقلبون هذه الجملة فيقولون (من لا يمتلك بيتًا لا وطن عنده)، وعندما أحاول أن أحكّم رأيي حول من هو الأصح من الرأيين، أنخرط من دون أدنى تفكير إلى الوطن، لأن الحفاظ على الوطن بإخلاص واستعداد للتضحية، سوف يقود الناس إلى حماية أنفسهم وبيوتهم وأملاكهم والأهم من هذا كله يصونون كرامتهم.

منهج عاشوراء الذي هو منهج النهضة الحسينية، يتضمن مبادئ واضحة أعلنها الإمام الحسين عليه السلام بالقول والفعل، فليس الأقوال وحدها يمكنها أن تعلن عن المبادئ، بل هنالك أيضا الأفعال والقرارات التطبيقية يمكنها أن تبيّن المبادئ وتوضحها للجميع.

فهناك حزمة من مبادئ منهج وثقافة عاشوراء كلها تتحالف وتتآز ليبدأ الهدف الكلّي منها بمقارعة الظلم وعدم الاحناء أمام الظالم، حاكما كان أو في أي عنوان آخر لأن ثقافة عاشوراء هي بمثابة منهج حياة تشمل جميع المجالات.

وسوف نلاحظ حزمة المبادئ هذه مكتوبة ومعلنة على رؤوس الأشهاد، حيث يدلي الإمام الحسين بكلام مكتوب، معلنا عن جملة من المبادئ، حين قال عليه السلام: (إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين).

ويمكن لأي باحث ومهتم أن يستخلص من هذه الجملة الطويلة للإمام الحسين عليه السلام، مجموعة من مبادئ عاشوراء، يتضمنها قول الإمام المعلَن وهذه المبادئ هي:

أولا: رفص التكبّر

ويتضح هذا الرفض من خلال قول الإمام عليه السلام (إنني لم أخ أشرا)، وهذه الصفة تعني التعالي والاستكبار، فالإمام حين خرج مناهضا لحكومة يزيد لم يكن يبحث عن علو الشأن أو رفعة المكانة، لأنه سلسل المجد النبوي العظيم، وامتداد الإرث العلوي الأكثر مجدا عبر التاريخ، بل ورث التواضع وكل الصفات التي جعلت منه أكثر الناس شأنا وعلوّا وسموّا، لهذا لم يخرج أشرا كما أعلن ذلك للجميع. هذا هو المبدأ الأول من مبادئ عاشور ويجب على كل إنسان يعلن انتماءه للإمام الحسين أن يعمل بهذا المبدأ قولا وفعلا. 

ثانيا: رفض البطر

الإنسان البطِر هو الذي يستخف بالنعمة ويتنكّر لها، ولمن قدّمها له، وهذه الصفة أيضا بعيدة عن الإمام الحسين عليه السلام، ومع ذلك أعلنها بصوت عال وبكلام مكتوب على الناس لكي يتم تثبيتها بالقول والحرف، ولكن هل هناك أحد من مجتمع الحجاز من لا يعرف من هو الحسين وما هو نسبه، وكيف هي أخلاقه؟، لذا هو ليس بحاجة إلى هذا الإعلان والتأكيد، ومع ذلك أعلنه على الجميع مكتوبا حتى يتم تثبيته كواحد من المبادئ المهمة لثقافة عاشوراء وهذا يعني وجوب الايمان والعمل به في حياة كل انسان يؤمن قولا وقلبا بالحسين عليه السلام.

ثالثا: رفض الفساد والإفساد

ويعد هذا المبدأ من المبادئ العاشورائية المهمة من خلال الدعوة القاطعة لمقارعة الفساد، حيث يجب أن يتجنبه كل من ينتمي للخط الحسيني، كما يجب على كل إنسان حسيني التوجّه أن لا يشارك في عمليات الإفساد كبيرة كانت أو صغيرة، وأن يقارع الفساد بقوة من خلال مواجهة الفاسدين والمفسدين، لأن الفساد ومن يقف وراءه في الداخل والخارج هدفه الأول والأخير تدمير الوطن وتحطيم الدولة وإذلال المجتمع، ولهذا فأينما كان الفساد موجودا يجب أن يتصدى له المخلص الحسيني، وأن لا يساوم أو يهادن أو يتردد، لأن مقارعة الفساد مبدأ مهم من مبادئ النهضة الحسينية.

رابعا: مقارعة الظلم

كل شخص لا يقف بوجه الظلم لا يمكن أن ينتمي لخط الحسين عليه السلام، ولا يمكن أن يساهم في إدامة وقوة النهضة الحسينية، بل هو يعمل بالضد منها، لذلك هنالك مسؤولون يحتلون مناصب مهمة في الدولة ويعلنون بأنهم حسينيون، لكن نجد أنهم داعمون للظلم والظالمين، بل يداهنون الباطل والباطلين، كل هذا من أجل مصالحهم، فلا يقفون ضد الظلم ولا الظالمين، لذا فإن مبدأ رفض الظلم يعد من أعظم مبادئ منهج عاشوراء والنهضة الحسينة، والتخلي عنه والمراوغة فيه ومجاملة الأقوياء والظالمين، تجعل هذا الفاعل في الموقع المضاد للإمام الحسين ولخطه ونهضته المباركة، وأخيرا فإن القضاء على الفساد يعني بناء وطن مزدهر ومجتمع متقدم متطور ومستقر.

خامسا: الإصلاح

كذا الحال، فإن الإصلاح هو جوهر النهضة الحسينية، لأن الصراع الدائم بين الخير والشر يجعل من القضاء على الأخطاء والشروع في ارتكاب الحرام أمرا غير قابل للتحقيق، ولكن إذا انتصر الخير على الشر بنسبة عالية فهذا هو المطلوب، وهذا لن يتحقق إلا بإصلاح الأخطاء والانحرافات التي تحدث في المجتمع، فكل هذا الصراع يحدث في إطار الاختبار الإلهي للعباد، ومبارك ذلك الإنسان الذي يصطف لمبادئ النهضة الحسينية ويفهمها ويؤمن بها ويطبقها.

سادسا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

هكذا آمن الإمام الحسين عليه السلام بهذا المبدأ العظيم وجعله في المقدمة، ودعا إلى الإيمان المطلق به، والعمل الحاسم بهذه القاعدة التي تبني المجتمع، وتحمي الوطن، وتصون حقوق الناس، فكل من يرى انحرافا يواجهه بقوة، ويقف بالضد منه بغض النظر عن مركز ومكانة من يقوم به، فإن الانحراف يتراجع رويدا رويدا وينحسر ويتم القضاء عليه، لهذا فإن الأمر بالمعروف مبدأ متكمل يدعمه رفض المنكر، لحماية الوطن والدولة والمجتمع وحقوق الأفراد. 

خلاصة ما نروم الوصول إليه، يمكن أن نبني وطنيا محميا، ودولة مصانة، ومجتمعا متقدما، من خلال التمسك بمبادئ النهضة الحسينية، وهذا الأمر يعد خريطة عمل جاهزة للتطبيق، ويمكن تحقيق الأهداف المعلنة في حال تمة الالتزام بخطوات هذه الخريطة التي قدمها الإمام الحسين عليه السلام منذ أول لحظ أعلن فيها قيامه وخروجه على كل ما يحدث من ظلم وفساد وانحراف في أمة المسلمين.

اضف تعليق