q
بحسب البنك الدولي فأن يحتل العراق المرتبة الأولى في مصادر المياه العربية بفضل نهري دجلة والفرات بنحو 967 متراً مكعباً للفرد، بعدما كان 4115 متراً مكعباً قبل 50 سنة، ويصل استهلاك الفرد العراقي يومياً من الماء بحسب وزارة التخطيط الى 350 لتر، وعلى الرغم من إن العراق يحتل المرتبة الأولى في مصادر المياه...

بحسب البنك الدولي فأن يحتل العراق المرتبة الأولى في مصادر المياه العربية بفضل نهري دجلة والفرات بنحو 967 متراً مكعباً للفرد، بعدما كان 4115 متراً مكعباً قبل 50 سنة، ويصل استهلاك الفرد العراقي يومياً من الماء بحسب وزارة التخطيط الى 350 لتر، وعلى الرغم من إن العراق يحتل المرتبة الأولى في مصادر المياه، الا أنه يُعد من أكثر الدول التي تعاني من شحة المياه سواء الخاصة للشرب أو للزراعة، وهذا يعود الى عدم وجود ادارة فاعلة للموارد المائية وتخطيط ستراتيجي يأخذ على عاتقه الافاق المستقبلية لتزايد السكان وتغير المناخ والمتغيرات الجيوسياسية الأخرى، فضلاً عن الهدر الكبير الذي يعاني منه العراق والذي بات يمثل ثقافة لدى المجتمع العراقي في استخدامه لأحد أهم موارد الحياة والطاقة.

وفي حين نجحت دول عديدة من تعزيز ادارتها للمياه وايجاد السُبل والاليات في توفير المياه الصالحة للشرب سيما في المنطقة العربية، فشل العراق في تطوير وتعزيز موارده المائية، وهو الأن يواجه أزمة حادة في توفير مياه الشرب سيما في محافظة البصرة التي تعيش اليوم حالة من التظاهرات والاحتجاجات والغضب الجماهيري جراء عدم توفر الماء الصالح للشرب لمواطنيها، ومن تلك التجارب العالمية والاقليمية التي مثلت نجاحاً منقطع النظير هي تجربة سنغافورة، اذ تعد سنغافورة من أكثر الدول نجاحا في هذا المجال، حيث بدأت مع بداية الألفية الثانية تكرير مياه البحر، وحفرت أنفاق على مساحة 48 كيلومترا، لنقل مياه الصرف الصحي من الأماكن السكنية إلى المصانع المعالجة و تنقى عبر مصاف صغيرة، كما تعرض للأشعة ما فوق البنفسجية.

وعند المقارنة على المستوى الدولي، فإن مشروع"NEWater" في سنغافورة، يحتل مكانة جيدة، فهو يغطي نحو ثلث احتياجات البلاد من المياه، ومن المتوقع بحلول عام 2060 أن يؤمن أكثر من 50 في المئة، وفقًا لموقع دويتش فيله الألماني، وفي دول الخليج، نجحت أبوظبي في تحلية مياه البحر وأصبح خط الساد ينقل المياه المحلاة من مدينة أبوظبي، إلي مدينة العين نفسها، وأصبحت أبوظبي من أكبر دول المنطقة في مشروعات تحلية مياه البحر.

فيما توفر محطات "هيتاشي" لتحلية المياه بالطاقة الشمسية المياه العذبة في مناطق أبوظبي الصحراوية البعيدة، وتتصدرالسعودية دول العالم في إنتاج المياه المحلاة، وعرفت السعودية تحلية المياه المالحة منذ أكثر من 100 عام، عندما تم تشغيل وحدة تكثيف وتقطير مياه البحر المالحة في مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر، والتي نزعت من إحدى البوارج الغارقة قبالة سواحلها ونصبت بمينائها، وعرفت باسم "الكنداسة"، وهي أول وحدة تحلية تنشأ على اليابسة حيث كانت تلك التقنية تستخدم فقط في السفن العسكرية والتجارية.

ونجحت الجزائر في تجربة تحلية المياه، بعد أن انتهجت أسلوب تحلية مياه البحر أمام مظاهر الجفاف التي تجتاحها من سنة لأخرى وتزايد النقص في تموين بعض المدن بالمياه بخاصة المدن الكبرى كالعاصمة و هران نظرا لحجمهما الكبير. ولجأت وزارة الموارد المائية هناك لعملية تحلية مياه البحر منذ سنة 2003 لتنويع مصادر إنتاج المياه، بعد انخفاض منسوب السدود وارتفاع الطلب على المياه، لتتم برمجة عملية إنجاز 13 محطة من الحجم الكبير على مستوى عدد من الولايات الساحلية، تنتج كل واحدة منها ألاف الأمتار المكعبة يوميا من المياه، وفي تونس، تنتج أربع محطات تحلية نحو أربعة في المائة من إجمالي الموارد المائية للبلاد، وتستخدم هذه المحطات الارتشاح العكسي، وهي عملية تمرر المياه بمقتضاها عبر غشاء بثقوب متناهية الصغر تمنع معظم الملح المذاب فضلا عن معظم الملوثات من المركبات العضوية والميكروبيولوجية من المرور بحسب أبرز تجارب الدول الناجحة في تحلية المياه.

وثمة هناك تقنيّتان ناضجتان لتحلية المياه المالحة في العالم، وهما التحلية الحرارية، والتحلية من خلال تقنية الضغط الأسموزي العكسي (Reverse Osmosis). وكلتا التقنيّتان تُستخدَمان في دول الشرق الأوسط. فالسعودية الآن بها أكبر محطة للتحلية الحرارية في العالم، تنتج 640 ألف متر مكعب في اليوم، ومنذ الستينات، ودول الشرق الأوسط تَستخدم عملية التحلية الحرارية، كعملية رئيسة في إنتاج المياه الصالحة للشرب، لكن متطلبات التحلية الحرارية التي تَستهلك كميات كبيرة من الطاقة جعلت التركيز يتجه إلى تطوير تقنيات تحلية أقل استهلاكاً للطاقة، مثل الضغط الأسموزي العكسي.

وبالفعل، اتجهت 70% من محطات التحلية الحرارية في جميع أنحاء العالم إلى تقنية الضغط الأسموزي العكسي، لكن دول الشرق الأوسط لا تزال تنتج 50% فقط من المياه الصالحة للشرب بهذه التقنية. ومن أبرز عيوب هذه التقنية أن الأغشية المستخدَمة ليست مهيأة تماما لدرجة الملوحة العالية لمياه البحر الأحمر والخليج العربي، كما أن الحرارة العالية في المنطقة تؤثر على الكفاءة والقدرة التشغيلية لمحطات الضغط الأسموزي العكسي، وتركّز غالبية الأبحاث في هذا المجال على تطوير أغشية جديدة عالية السرعة، يمكنها مقاومة الملوثات، والعمل بكفاءة في مستويات ضغط منخفضة، ودرجات حرارة عالية، لكن على الباحثين التركيز على تطوير عمليات المعالَجة الأوليّة للمياه في ضوء الملوحة العالية في مياه الخليج العربي، والبحر العربي وفقا أبحاث تحليـة المياه تعطي أملًا للشرق الأوسـط.

وهنا على القائمين في ادارة الموارد المائية ان يفهموا جيداً أهمية الماء كمصدر مهم للطاقة والحياة، وأن مسألة تحقيق أمن مائي للبلد تُعد من أهم الضرورات اليوم، والأمر لايقتصر على الشرب وحسب، بل لأبد أن تكون هناك ستراتيجية واضحة المعالم وحقيقية في حماية مياه العراق، فالمياه اليوم تُعد جزء من السيادة للبلد، والحفاظ عليها يدخل في اولويات جميع الدول دون استثناء، فضروري أن يفهم القائمون على ملف المياه إن طريق المفاوضات مع دول الجوار لايوجد فيه مساومات على أمن العراق المائي، بل ويجب أن تكون الشروط تعمل لصالح العراق، أي عقد مفاوضات جديدة وبمعايير مستقبلية سيما مع الجارتين تركيا وايران وبالشكل الذي يخدم مصالح جميع الاطراف لاطرف على حساب طرف أخر، وهذا يتطلب وجود مفاوض مختص وقوي ومدعوم بقوة من الحكومة في تحقيق أهداف العراق في تجاوز أزمة المياه والا فأن الازمة ستتعقد الى ما لايحمد عقباه.

اضف تعليق