السَّعي نحو توفير بيئة مليئة بالحبِّ والرعاية يقوي الروابط بين الزوجين، ويساعد على تجاوز الصعوبات مهما كانت الظروف؛ لذلك، من الضروري أن يكون هناك وعي مشترك بأهمية الاهتمام المتبادل، وأن يعكف كلُّ طرف على تلبية احتياجات الآخر العاطفيَّة والنفسيَّة، إلى جانب الاحتياجات الماديَّة، وعندما يتحد الزوجان في فهم بعضهما...
الاهتمام المتبادل بين الزَّوجينِ أحد الركائز الأساسيَّة التي تقوم عليها سعادة الحياة الزوجيَّة، ومن أبرز العوامل التي تكفل ديمومة التفاهم والمحبَّة بينهما؛ فحينما نتحدَّث عن الاهتمام في هذا السياق، فإننا نشير إلى قدرة كلِّ طرف من الزَّوجينِ على التَّركيز على الآخر، ومتابعة اهتماماته ورغباته، والعمل على تحقيق راحته النَّفسيَّة والعاطفيَّة؛ فهذا السلوك يخلق بيئة حاضنة للتفاهم والتَّعاون، وتجعل الزوجينِ ينظرانِ إلى الحياة بعين الأمل والتَّفاؤل، حتَّى في أصعب الظروف.
والاهتمام لا يتوقف عند تأمين الاحتياجات المادِّية فقط؛ بل يمتد ليشمل الاهتمام العاطفي والنَّفسي، وهذا ما قد يفتح باب السَّعادة حتَّى في أوقات الشدَّة؛ وعلى سبيل المثال: كثير من النِّساء مستعدات للعيش مع أزواجهن في السَّراء والضَّراء، وفي حالات اليسر والعسر المادِّي؛ ولكن يشترطن أن يكون هناك اهتمام حقيقي من الطَّرف الآخر، حتَّى لو كانت الظروف الماديَّة صعبة. وبالمثل، هناك العديد من الرجال يتطلعون إلى هذا النَّوع من الاهتمام المتبادل؛ حيث يشعرون بالأمان العاطفي والرَّاحة النفسيَّة عندما يجدون في شريكهم هذا الدَّعم والرِّعاية المستمرَّة؛ ولذلك، ونظرًا لأهميَّة الموضوع، سنتناوله ضمن محورينِ:
المحور الأوَّل: آثار وعوامل الإهمال
تتمثَّل أهميَّة سلوك الاهتمام المتبادل في كونه حجر الزَّاوية الذي يحمي العلاقة الزوجيَّة من التَّفكك؛ ففي حال فقد أحد الزوجينِ هذا الاهتمام داخل إطار الأسرة، قد يبحث عنه في أماكن أخرى خارج المنزل، ممَّا يعرِّضه للانزلاق في علاقات غير سوية قد تكون بداية للانحراف العاطفي أو حتَّى الاجتماعي. والغريب أنَّ بعض الأزواج، عندما يشعرون بالإهمال أو الفراغ العاطفي داخل حياتهم الزوجيَّة، يتَّجهون للبحث عن التقدير والاهتمام في دوائر أخرى؛ الأمر الذي قد يفتح الباب لعديد من المشاكل والأزمات التي تهدد استقرار الأسرة.
وفي الواقع، إذا نظرنا إلى واقع المحاكم الشرعيَّة أو المدنيَّة، نجد أنَّ كثيرًا من حالات الطَّلاق التي تصل إليها الأزواج غالبًا ما تكون جذرها في الإهمال العاطفي وعدم الاهتمام المتبادل، حتَّى يتراكم هذا الإحساس بالإهمال مع مرور الوقت، ليصبح حاجزًا نفسيًّا صعبًا يعيق التَّواصل الفعَّال بين الزوجينِ، ممَّا ينتهي إلى تصدع العلاقة.
يعتقد العديد من النَّاس أنَّ السَّعادة الزوجيَّة تعتمد أساسًا على توفير الاحتياجات الماديَّة، إلَّا أنَّ الواقع يشير إلى أن المنزل السَّعيد لا يُبنى على ركن واحد فقط؛ وإنَّما على ركنينِ متكاملينِ يعززانِ استقراره وازدهاره:
الركن الأوَّل: الركن المادِّي؛ ويتطلَّب تأمين أسس الحياة اليوميَّة مثل لقمة العيش، والمسكن المستقر، وتلبية الاحتياجات الماديَّة الأساسيَّة الأخرى، ولكن، إذا كان الركن المادِّي ضروريًا لتأمين الحياة المعيشيَّة، فإنَّه لا يكفي بمفرده لضمان السَّعادة الزوجيَّة والاستقرار الأسري.
الركن الثَّاني: الركن الروحي؛ الذي يكونُ أكثر أهميَّة في بناء المنزل السعيد؛ وهذا الركن يتجسَّد في توفير الحبِّ، والعاطفة، والاهتمام المتبادل، والتَّفاهم العميق بين الزوجينِ. ولا يقتصر هذا الركن على تبادل المشاعر الإيجابيَّة فقط؛ وإنَّما يتدخل في تنظيم الركن المادِّي ذاته؛ إذ يسهم في خلق بيئة تشجع على السَّعادة والتَّعاون بين الزوجينِ، ممَّا يساعد على التَّعامل مع القضايا المادِّية بكفاءة وأمانة. ويمكن تشبيه الركن الروحي بالهواء الذي ينعش القلب والبدن؛ فهو العنصر الحيوي الذي يُغني الحياة الزوجيَّة ويضفي عليها الحيوية والتَّواصل العاطفي. وحينما يكون هناك اهتمام وحب متبادل، يصبح الزوجانِ قادرينِ على تجاوز العوائق المادِّية بحلول عمليَّة ومشتركة، وأمَّا إذا فقد هذا الركن تصبح العلاقة فارغة من المعنى، وتفتقد الحياة الزوجيَّة إلى نبضها. كما أنَّ التَّوقف عن تزويد العلاقة بالعاطفة والاهتمام، يشبه توقف نبض القلب، فيصبح كلُّ شيءٍ جامدًا، وتغادر الحياة الزوجيَّة الدفء الذي يدعم استقرارها.
ومن هذا المنطلق، ورد العديد من النّصوص الشريفة التي تبيِّن أهميَّة هذا الركن في الحياة الزَّوجية؛ فالتّعبير العاطفي مهم جدًا في سير الحياة الزّوجية؛ عن الرسول الأعظم محمَّد (صلَّى الله عليه وآله): "قولُ الرّجلِ للمرأةِ أنِّي أحبُّكِ لا يذهب من قلبها أبدًا" (1)؛ ولذا، من الضّروري وجود هذه التَّعابير في الحياة الزَّوجية فهذه الكلمات تبقى في القلب، وينبغي استمرار هذه التّعابير؛ لأنَّ الحياة الزَّوجية إذا خلت منها تصبح مهددة بالسّقوط.
إضافة إلى ذلك يفترض انعكاس المحبّة بصورة علنيَّة؛ عن الإمام علي (عليه السلام): "البَشاشَةُ حِبالَةُ المَوَدَّةِ" (2)، وعنه (عليه السلام): "اَلبِشْرُ يُطْفِئُ نارَ المُعانَدَةِ" (3)؛ وعنه (عليه السلام): "اَلبِشْرُ يُوْنِسُ الرِّفاقَ" (4)؛ والسّر في التَّركيز على هذا الخلق؛ لأنَّ بشاشة الوجه والنظرة المليئة بالحبِّ والعاطفة كفيلان بجلب الآخر ومودَّته.
أحياناً يسألني بعض الشَّباب بعد الانتهاء من إلقاء محاضرة أنَّه على علاقة مع امرأة، وحينما أقول له: أذهب واطلب يدها، ولا تقم معها علاقة يسميها البعض: (علاقة عاطفيَّة) فإنَّها من وساوس الشَّيطان وتسويلاته، فاستغرب من جوابه: لا أستطيع.
وحينما أسأله عن السَّبب وفي تصوراتي قد يكون ظرفًا ماديًّا بسبب الفقر أو ما شابه ذلك.
يجيبني قائلًا: إنَّها متزوّجة!
فانصحه بترك ذلك، وإنَّها من المحرمات فيظهر؛ أسفه وحزنه، وأنَّه إذا كان يستطيع فتلك المرأة لا تستطيع؛ والسّبب في ذلك؛ لأنَّ زوجها قد أهملها. وهذا ليس مبررًا لهذا الفعل.
وهكذا بعض الرِّجال حينما نسأله عن سبب انحرافه وسلوكه الفواحش يجيب: زوجتي هي السَّبب، إنَّها مهملة لي، ولا تفكِّر إلَّا في نفسها وأولادها.
إنَّ ضرر الإهمال في العلاقات الزوجيَّة يمتد ليشمل تأثيرات نفسيَّة وبدنيَّة قد تكون أكثر عمقًا وخطورة؛ فعندما يُعاني أحد الزوجينِ أو كلاهما من الإهمال العاطفي المستمر، يتراكم الشعور بالوحدة، والحزن، أو حتَّى الغضب المكبوت، ممَّا يؤدِّي إلى اضطرابات نفسيَّة متعددة مثل القلق، والاكتئاب، أو الشعور بالإحباط العميق. وهذه المشاعر السلبيَّة قد تؤثِّر على الصحة العقليَّة بشكلٍ كبير، ممَّا يجعل الشخص غير قادر على التفاعل بشكل طبيعي مع الحياة اليوميَّة.
ومن النَّاحية البدنيَّة، فإنَّ الإهمال العاطفي قد يكون سببًا في تدهور الصحَّة الجسديَّة، فقد أظهرت العديد من الدراسات أنَّ الضغوط النفسيَّة الناتجة عن الشعور بالإهمال يمكن أن تسهم في حدوث اضطرابات في النوم، ومشاكل في الجهاز المناعي، وأمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، أو حتَّى ضعف الجهاز الهضمي. وهذا التوتر المستمر يُضعف قدرة الجسم على مقاومة الأمراض، ممَّا يسهم في تدهور الحالة الصحيَّة بشكلٍ عام.
إنَّ القاعدة العامة في الزواج هي الاهتمام المتبادل بين الزوجين؛ وأن يسعى كلُّ طرف لتلبية احتياجات الآخر المادِّية والمعنويَّة، ويعمل كلٌّ منهما على إدخال البهجة والفرحة على قلب شريكه، ممَّا يرفع من شعوره بالأمان والطّمأنينة؛ فالرَّجل يحرص على إظهار مشاعر الحبِّ والتَّقدير لزوجته، والمرأة تسعى جاهدة لأن يظهر زوجها أجمل صورة عنها ويشعر بسعادته في كلِّ جوانب حياته؛ والهدف الأساسي من هذا التَّبادل المستمر هو الحفاظ على جمال العلاقة الزوجيَّة وإبعادها عن الرتابة والملل الذي قد يهدد استقرارها.
لكن على الرغم من هذه النيَّة الطيِّبة من الطرفين، قد تظهر بعض العوامل التي تنتج الإهمال وتؤثر سلبًا على العلاقة، ممَّا يعكر صفو الحياة الزوجيَّة؛ ومن أبرز هذه العوامل التي يمكن أن يكون بعضها موجودًا قبل الزواج العادات والتَّقاليد التي لا تحترم المرأة أو التي تضعها في مكانة أقل من الرَّجل، أو حتَّى نشوء المرأة في بيئة لا تهتم بتقدير دور الرجل بالشكل المطلوب. وهذه العوامل قد تزرع في نفس المرأة مشاعر من التردد أو عدم الراحة اتِّجاه دورها في العلاقة الزوجيَّة.
كما أنَّ بعض الزيجات قد تُفرض على أحد الطرفين أو كليهما من دون أن تكون قائمة على اختيار حر، وهو ما يمكن أن يخلق مشاعر من الاستياء أو عدم الرضا العاطفي، ممَّا يؤثر سلبًا على العلاقة ويؤدِّي إلى تراجع الاهتمام المتبادل.
وأيضًا، من العوامل التي قد تدفع إلى الإهمال هي مشاغل الحياة التي أصبحت أكثر تعقيدًا وامتدادًا؛ فقد تأخذ الوظائف أو الأعمال التي يمارسها الزوج أو الزوجة جزءًا كبيرًا من تفكيرهما وطاقتهما، ممَّا يُعرقل القدرة على تخصيص الوقت والاهتمام الكافي للعلاقة. وفي ظلِّ هذه الضغوطات اليوميَّة، قد يشعر كل من الزوجينِ بأنَّ الطرف الآخر قد أصبح بعيدًا عنه عاطفيًّا، ممَّا يتسبب بفقدان هذا العامل الحيوي في بناء أسرة متماسكة وسعيدة.
إنَّ هذه العوامل، إذا لم يتم التعامل معها بحذر ووعي، قد تسبب تراجع مستوى الاهتمام، وبالتَّالي تهديد استقرار العلاقة الزوجيَّة.
المحور الثَّاني: كيف نتجنب الإهمال؟
الإهمال وإن كان أثره كبيرًا في تحطيم الروابط الزَّوجيَّة إلَّا إنَّه يمكن اجتنابه من البداية لو عملنا بهذه القواعد:
القاعدة الأولى: غالبًا ما يُقال من قبل المهتمين بالعلاقات الزوجيَّة: "الاهتمام لا يُطلب؛ بل هو تصرف تلقائي"، ويُفهم من هذا أنَّ الاهتمام يجب أن يكون طبيعيًّا وعفويًّا؛ وأن يُبادر كلُّ طرف بتقديمه للآخر من دون الحاجة للطلب؛ ولكن الواقع يختلف في كثير من الأحيان؛ إذ يساعد الجهل بأهميَّة التواصل العاطفي في الحياة الزوجيَّة إلى تراجع الاهتمام المتبادل بين الزوجينِ. ومن هنا، يكون من الأفضل في بعض الحالات أن يُطلب الاهتمام بشكلٍ مباشرٍ؛ لأنَّ تجاهل هذه الحاجة العاطفيَّة قد ينتهي إلى كثير من المشاكل النفسيَّة.
وإذا سُئل الزوج أو الزوجة عن أكثر شيء يُتعبهما في حياتهما الزوجيَّة، فإنَّ غالبية الإجابات ستكون "استجداء العاطفة"؛ فحينما يشعر أحد الطرفين بالإهمال أو أنَّ مشاعر الحبِّ لم يُعبَّر عنها بشكلٍ كافٍ، تبدأ العديد من الأفكار السلبيَّة في التسلل إلى ذهنه، ممَّا يسبب القلق والتوتر. وقد يفكر الشخص المُهمل أنَّ شريكه لم يعد يحبُّه أو أنَّ هناك علاقة خارجيَّة استحوذت على اهتمامه. وهذه التساؤلات يمكن أن تضعف الثقة وتؤدي إلى إرهاق نفسي مستمر.
لهذا، من المهم أن يكون الاهتمام العاطفي جزءًا أساسيًّا، حتَّى وإن كانت الحياة اليوميَّة مليئة بالعقبات؛ فحتَّى أبسط التَّصرفات يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا؛ مثل إرسال رسالة نصيَّة تحمل كلمة طيبة أو باقة زهور عبر الهاتف المحمول، وأمثالهما. وبالمثل، على الزَّوجة أيضًا أن تظل حريصة على التعبير عن حبِّها واهتمامها بزوجها، حتَّى لو كانت مشغولة بمسؤولياتها المنزليَّة وأطفالها.
القاعدة الثَّانية: إنَّ حسن الظنِّ بين الزوجينِ أساسٌ قويٌّ لحماية العلاقة الزوجيَّة من الأزمات والمشاعر السلبيَّة التي قد تطرأ عليها؛ فالظنُّ الطيِّب يدعم الثقة المتبادلة ويمنع انتشار الوساوس التي قد تزرع البغض والحقد في النفوس. وعندما يتراجع الاهتمام أو يظهر الإهمال، لا يجب أن يُفهم ذلك على أنَّه انخفاض في مستوى الحبِّ أو تراجع في مشاعر الإخلاص؛ بل ينبغي النظر إلى ذلك من زاويتين مختلفتين؛ فربما يكون الزوج متعبًا من مشاغل العمل أو متراكم عليه الضغوط، أو قد تكون الزوجة مشغولة بإدارة شؤون المنزل وتلبية احتياجات الأطفال، وفي بعض الأحيان قد يمر أحد الزوجين بأزمات نفسيَّة أو ضغوط لا يرغب في مشاركتها مع شريكه، خوفًا من أن يؤثر ذلك عليه بصورة سلبيَّة.
في مثل هذه الحالات، من المهمِّ أن يتفهم كلُّ طرف أنَّ غياب الاهتمام المؤقت قد يكون بسبب ضغوط الحياة أو بعض المشاكل الشخصيَّة. وهذه الفكرة تتطلَّب الصبر من الزوجينِ وسعة صدر للتفكير العميق قبل إصدار الأحكام؛ لذلك، بدلًا من القفز إلى الافتراضات والتخمينات، ينبغي أن نبحث في الجذور الحقيقيَّة لهذه التصرفات، فما الذي أدَّى إلى هذا التغير في سلوك أحد الطرفينِ؟
وما هي العوامل التي ساهمت في حدوث هذه الفجوة العاطفيَّة؟
فالبحث عن الأسباب هو الحل الأمثل لمعالجة هذه القضايا بدلًا من التركيز على الآثار فقط. وقد يتطلَّب هذا من الزوجينِ أن يتحلَّى كلاهما بالصراحة والوضوح في التَّعبير عن مشاعرهما واحتياجاتهما، مع مراعاة اختيار الوقت المناسب لإجراء تلك المناقشات الهامَّة.
القاعدة الثَّالثة: التَّعبير عن الاهتمام من أهمِّ وسائل تقوية العلاقة الزوجيَّة، ولكن هذا التَّعبير يختلف بين الرَّجل والمرأة؛ إذ لكل منهما طريقة فريدة في إظهار مشاعره؛ فبالنسبة للرجل، يظهر اهتمامه من خلال الخوف على زوجته، وتوفير احتياجاتها الماديَّة والمعنويَّة، إضافة إلى غيرة مشروعة تدل على حبِّه وحمايته لها. كما أنَّ احترامه لها، والثَّناء عليها، والمدح المستمر وسائل أساسيَّة في تعبيره عن الحبِّ والاهتمام. وهذه التصرفات تكون بالنسبة له إشارات تعكس التزامه واهتمامه العميق بالعلاقة.
من جهة أخرى، يُعبّر اهتمام المرأة عن طريق الاحتفال بالمناسبات الخاصَّة التي تهمها، مثل ذكرى الخطوبة، ويوم عقد القرآن، ويوم الزواج، وتواريخ ميلاد كلا الزوجينِ. وتلتقط المرأة في هذه اللحظات الصغيرة أهميَّة التفاصيل، وتُظهر اهتمامها عن طريق الاحتفاظ بذكريات هذه الأيَّام وتوثيقها، ممَّا يقوي مشاعر المحبَّة والتواصل بينهما.
ولكن، على الرغم من هذه الاختلافات الطبيعيَّة في التَّعبير عن الاهتمام، قد يُسبب عدم وضوح طرق التعبير بين الزوجين سوء فهم أو تفسير خاطئ للمشاعر. وعلى سبيل المثال: قد يظن الرجل أنَّ اهتمامه يظهر بما يقدمه من أفعال ملموسة، بينما قد تشعر المرأة بالإهمال إذا لم يذكر هو تاريخ زواجهما أو يُحتفل بيوم الخطوبة. وفي المقابل، قد يُساء فهم اهتمام المرأة عندما تركز على التفاصيل العاطفيَّة، ويعتقد الرجل أنَّ هذا الاهتمام غير عملي أو لا يترجم إلى أفعال مباشرة.
لذلك، من المهم أن يكون هناك تواصل مفتوح بين الزوجينِ حول طرق التعبير عن الاهتمام، وأن يدرك كلُّ طرف أسلوب الآخر.
ولا تقتصر طرق التّعبير بما ذكرنا؛ وإنَّما هي أوسع من ذلك، وقد تكون بعض صور التَّعبير تشملهما معًا مثل الهدايا، ولذلك ورد في الحديث الشريف عن الرسول الأعظم محمَّد (صلى الله عليه وآله): "تَهَادَوْا تَحَابُّوا" (5).
القاعدة الرَّابعة: الرّقابة الزائدة والروتين اليومي قد يؤديان إلى شعور الزوجينِ بالملل والسأم، ممَّا يؤثر سلبًا على العلاقة الزوجية ويؤدي إلى تراجع التفاهم والانسجام؛ وللتَّغلب على هذا الشعور وتجديد النشاط والحيوية في العلاقة، من الأفضل إدخال بعض التغييرات بين الحين والآخر في روتين الحياة اليوميَّة؛ وفيما يأتي بعض الأفكار التي قد تعيد إشعال شرارة الحبِّ والاهتمام بين الزوجينِ:
1. الخروج في رحلة سوية: سواء كانت رحلة قصيرة إلى مكان قريب أو عطلة نهاية أسبوع في مكان هادئ، فالتَّغيير في البيئة يشجع على التَّجديد والتَّواصل، ويمنح فرصة للاسترخاء والاستمتاع سويًّا.
2. جلب الطعام من خارج المنزل: مثل تناول الطعام في مطعم مفضل أو طلب طعام من الخارج يمكن أن يخفف من الضغوط اليوميَّة، ويخلق لحظات مميزة بعيدًا عن العمل والواجبات المنزليَّة.
3. المفاجآت السارة: أو تقديم شيء غير متوقع من شأنه إدخال السَّعادة في قلب الطرف الآخر، سواء كان هدية صغيرة أو تنظيم فعَّالية خاصَّة لهما، يمكن أن يجدد العلاقة ويحقق المشاعر الإيجابيَّة.
4. طلب إجازة من العمل لقضاء وقت معًا: قد يكون أخذ إجازة من العمل والتخطيط لقضاء وقت خاص مع الزوجة أو الزوج وسيلة رائعة لتقوية الرابط العاطفي.
5. الذهاب مع الشريك إلى الطبيب: حتَّى لو كان بإمكان الزوجة الذهاب مع أحد الأبناء أو الإخوة إلى الطبيب، فإنَّ وجود الزوج بجانبها في هذه اللحظات يُشعرها بالرعاية والاهتمام.
6. تقوية العلاقة مع عائلة الزوج أو الزوجة: الثناء على أفراد عائلة الشريك وزيارتهم يدلُّ على الاهتمام والتقدير لهم، وهو ما ينعكس إيجابيًا على العلاقة الزوجيَّة. فكلُّ شخص يحب عائلته ويهتم بمن يحبهم، وعليه، فإنَّ التفاعل مع عائلة الشريك يكون سببًا في زيادة تماسك الأسرة.
7. مساعدة الزوجة في الأعمال المنزليَّة: مثل تنظيف المنزل أو إعداد الطعام يساهم في بناء علاقة قائمة على الشراكة والمساواة؛ وقد ورد في الحديث أنَّه يؤجران على هذا العمل؛ عن النبي الأعظم محمَّد (صلى الله عليه وآله): "ما مِنِ امرَأةٍ تَسقِي زَوجَها شَربَةَ ماءٍ إلَّا كانَ خَيراً لَها مِن سَنةٍ صِيامِ نَهارِها وقِيامِ لَيلِها" (6).
وعنه (صلى الله عليه وآله): "إذا سَقَى الرجلُ امرَأتَهُ اُجِرَ" (7).
وعنه (صلى الله عليه وآله): "إنَّ الرَّجُلَ لَيُؤجَرُ في رَفعِ اللُّقمَةِ إلى فِي امرَأتِهِ" (8).
وعنه (صلى الله عليه وآله): "يا علي: مَن كانَ في خِدمةِ العيالِ في البيتِ ولم يأنَفْ (9) كتبَ اللّهُ تعالى إسمَه في ديوانِ الشّهداءِ، وكتبَ اللّهُ لهُ بكلِّ يوم وليلة ثوابَ ألفِ شهيد، وكتب لهُ بكلِّ قَدَم ثوابَ حجّة وعُمرة، وأعطاهُ اللّهُ تعالى بكلِّ عِرق في جسدِه مدينةً في الجنَّةِ.
يا علي: ساعةٌ في خدمةِ العيالِ خيرٌ مِن عِبادةِ ألفِ سنة، وألفِ حجّة، وألفِ عُمرة، وخيرٌ من عتقِ ألفِ رقَبَة، وألفِ غَزوْة، وألفِ مريض عادَهُ، وألفِ جُمعة، وألفِ جَنازة، وألفِ جائع يُشبِعُهم، وألفِ عار يكسُوهم، وألفِ فَرَس يوجّهها في سبيلِ اللهِ، وخيرٌ لهُ من ألفِ دينار يَتصدَّقُ على المساكينِ، وخيرٌ لهُ من أن يقرأَ التَّوراةَ والإنجيلَ والزبورَ والفرقانَ، ومن ألفِ أسير أُسرَ فأعتَقَهم، وخيرٌ لهُ من ألفِ بَدَنة (10) يعطي للمساكين، ولا يَخرُجُ من الدُّنيا حتَّى يَرى مكانَه مِن الجَنَّةِ.
يا علي: مَن لم يأنَفْ من خدمةِ العيالِ دخَل الجنَّةَ بغيرِ حساب.
يا علي: خدمةُ العيالِ كفّارةٌ للكبائِرِ، وتُطفئ غضبَ الرَّبِّ، ومهوُر الحورِ العينِ، وتزيدُ في الحسناتِ والدَّرَجاتِ.
يا علي: لا يخدمُ العيالَ إلَّا صدِّيقٌ أو شهيدٌ أو رجلٌ يريدُ اللّهُ بهِ خَير الدُّنيا والآخرةِ" (11).
القاعدة الخامسة: من المهمِّ أن يكون لدى الزوجين فهم عميق لاختلافات كل منهما عن الآخر، خاصة فيما يتعلَّق بالطموحات والاهتمامات الشخصية؛ فهناك فروق واضحة بين الرجل والمرأة في كثير من الجوانب؛ فالرجل، على سبيل المثال، قد يحب سماع كلمات تقدير تتعلَّق بقوَّته أو إنجازاته، بينما المرأة قد تفضل سماع كلمات تعبر عن العاطفة والتقدير لشخصها. وهذه الاختلافات تظهر بوضوح في المجالات المختلفة من الحياة اليوميَّة، بما في ذلك في طريقة التعبير عن الحبِّ والاحترام.
إنَّ فهم هذه الفروقات لا يعني أن نتجاهل تفضيلات الآخر؛ بل العكس، هو دعوة لدراسة شخصية الشريك والتعرف على مميزاته واهتماماته بشكل عام، بحيث تكون العلاقة أكثر توازنًا وتناغمًا. وقد لا تكون هذه الدراسات ضرورية في التفاصيل الدقيقة، ولكنها تكون مهمة لفهم الأساسيات التي تسهم في تواصل أفضل وتعامل أعمق بين الزوجين.
إنَّ فهم هذه الاختلافات يُعزّز من جودة التواصل ويُوطّد أواصر العلاقة الزوجيَّة، ويجعل كلَّ طرف قادرًا على تلبية احتياجات الآخر بشكل أفضل. وفي المقالة القادمة، سنتناول بشكل أعمق هذه الفروقات وكيفيَّة التعامل معها.
إنَّ السَّعي نحو توفير بيئة مليئة بالحبِّ والرعاية يقوي الروابط بين الزوجين، ويساعد على تجاوز الصعوبات مهما كانت الظروف؛ لذلك، من الضروري أن يكون هناك وعي مشترك بأهمية الاهتمام المتبادل، وأن يعكف كلُّ طرف على تلبية احتياجات الآخر العاطفيَّة والنفسيَّة، إلى جانب الاحتياجات الماديَّة، وعندما يتحد الزوجان في فهم بعضهما البعض والاهتمام ببعضهما، تصبح العلاقة أكثر قوَّة ومتانة، وتحقيق السعادة الزوجيَّة يصبح أقرب من أيِّ وقت مضى.
اضف تعليق