كلما رأيتُ شخصاً سابلاً او في سيارة، يرمي شيئاً من يده الى الشارع او أي مكان عام او حتى دائرته التي يعمل فيها، كأن يكون الشيء الذي يرميه قنينة ماء او مشروب غازي او عقب سيكارة اوبقايا علكة وغيرها أتذكر مقولة كانت أمي ترددها أمام مسامعنا...

كلما رأيتُ شخصاً سابلاً او في سيارة، يرمي شيئاً من يده الى الشارع او أي مكان عام او حتى دائرته التي يعمل فيها، كأن يكون الشيء الذي يرميه قنينة ماء او مشروب غازي او عقب سيكارة اوبقايا علكة وغيرها أتذكر مقولة كانت أمي ترددها أمام مسامعنا وهي تربينا على مبادئ النظافة العامة في صغرنا، كانت تقول: إن مَن لايحرص على نظافة المكان الذي يقف فيه، أياً كان هذا المكان، إنما هو قذر في بيته.

هذه المقولة إتخذتها حكمة، تجعلني أحكم دوماً على كل من يرمي على أرض دائرته او الشارع او أي مكان عام شيئاً وإن كان عود ثقاب بأنه كما قالت أمي.

وحين أجد أماً ترمي حفاظة طفلها او علبة عصير او حليب فارغة من بيتها او من السيارة الى الشارع، أقول لنفسي كم الفارق شاسع بين أمي وهذه الأم التي تعلم طفلها أن يعتدي على الشارع برمي أي شيء!! وكيف لهذه الأم الجاهلة أن تربي طفلها على النظافة إذا كانت هي بها حاجة الى من يعلمها أصول النظافة.

الذي يثير الغيظ أكثر إن أولئك المتجاوزين على نظافة الممتلكات العامة يبررون تصرفاتهم تلك بأن البلد كله وسخ او شوارعه كلها وسخة!! فكيف يكون المواطن نظيفاً؟! او بأنّ الكل يرمي النفايات في الشارع، فلماذا لاأفعل أنا مثلهم؟!! وكأننا يجب أن نخطئ كما يخطئ الآخرون، ونسلك بالضرورة مايسلكونه؟!

من جانب، نقول.. نعم لو كانت الدوائر المسؤولة عن النظافة حريصة على تنظيف الشوارع والأمكنة العامة، وتوفرَ قانونٌ يحاسب المتجاوز على النظافة العامة، لكان لزاماً على المواطن أن يحافظ على نظافة الشوارع والأمكنة العامة، بل لوجد مواطنين آخرين يهبون لردعه إن هو تجاوز ورمى نفاية ما في شارع نظيف، لكن من جانب آخر لايجوز أن نبرر اونعول على هذا او نتحجج بأنّ الشارع وسخ كله ورمينا نفاية أخرى فيه لايعني شيئاً أمام النفايات المنتشرة فيه، بل يجب أن تنبع النظافة من دواخلنا، فهي من الإيمان كما نعرف جميعاً وهي من الشعور بالوطنية والمسؤولية تجاه المجتمع، وقبل هذا وذاك هي تعبير عن احترام الذات كذلك. فكيف يدعي أحدهم أنه مؤمن لمجرد إنه يلتزم ببعض آداب الدين ولايلتزم بالنظافة العامة ؟! بل كيف نتهم الغرب بالكفر إذا كان نظيفاً ؟! أليس الإنسان الغربي يحافظ على نظافة الأمكنة العامة ما يجعله في خانة الإيمان التي ندعي أنها لنا فقط ؟!

وكيف يكون المواطن وطنياً إذا كان يزيد من حجم الأوساخ في الشوارع ؟! وكيف يريد أن يُبنى البلد إذا لم يسهم المواطن بنفسه بما يستطيع وبما يعبر عن تحضره ومدنيته؟ وكيف ينتظر من الآخر أن يحترمه إذا لم يحترم هو ذاته ؟!

إنّ الذين يتجاوزون على نظافة الممتلكات والأمكنة العامة.. هل يقبلون بأن يتجاوز آخرون على ممتلكاتهم الخاصة، في الوقت الذي لايلتفتون الى حقيقة أن الممتلكات العامة وجدت لأجلهم ولخدمتهم، وبالتالي فإن نظافتها من شأنهم، كما هي الحال مع الشوارع والأرصفة وسائر الأمكنة العامة التي نظافتها او قذارتها تنعكسان علينا، فكيف يتقبل البعض أن يكون هذا الانعكاس سلبياً، كما هي الحال مع البعض الذي يتوقف بسيارته وسط الشارع ويفتح بابها الأمامي ويمد يده الى الشارع حاملاً منفضة سكائر ليرمي مافيها من رماد سكائر وبقايا حلوى وعلك على الشارع، ثم يغلق الباب وينطلق بسيارته كأنّ شيئا لم يكن. او كما يفعل بعضهم، يمضغون العلكة ويلقونها من أفواههم على أسفلت الشوارع والأرصفة او حتى على أرضيات دوائرهم التي يعملون فيها، ومثلهم كثيرون ممن لايتوانون حتى عن رمي أوساخهم على جيرانهم، وأولئك جميعاً ينبغي لهم أن يخجلوا من تصرفاتهم التي تعبر عن جهل وهمجية وعدم تحضر او مدنية، وعليهم أن لايتحدثوا عن النظافة او حتى الأناقة أمام أحد وإلاّ أثار ذلك سخريته، إذ لن يصدق أنهم نظيفون في بيوتهم، كما ستبدو عنايتهم بمظاهرهم مفتعلة وناشزة وغير متوافقة مع تجاوزهم على أناقة المكان العام.

فيا أيها المنتهكون للنظافة العامة التفتوا الى الأذى الناجم عن تجاوزاتكم، ولاتسهموا في زيادة بشاعة الشوارع وتلوثها ما ينعكس سلباً على الصحة العامة وسلامة البيئة، فيكفينا تقصير الدوائر البلدية في أداء مهامها، ولاتخدشوا الأمكنة العامة ولاتتجاوزوا على نظافة الدوائر الرسمية، وأخيراً تأملوا حكمة أمي، وكل أمهاتنا المربيات الفاضلات الواعيات، اللواتي يربين أولادهن على الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع منذ نعومة أظفارهم حتى يعتادوا ذلك، ويكون جزءًا من شخصياتهم وضمن قيمهم وقناعاتهم الإنسانية التي يحملونها معهم في مسيرة الحياة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق