لا صوت يعلو اليوم فوق صوت الاصلاح في العراق، اصلاح لا لون له ولا طعم لكنه رائحته تفوح في كل مكان وعلى المستويات الاجتماعية كافة "العامل والموظف والمدير والوزير" الجميع يتحدث عن هذا الكائن الاسطوري الذي سينتشل العراق من ازماته المتراكمة. و من سخرية القدر ان من اغلب من ذهبوا بالعراق الى الهاوية استشعروا السقوط فحاول استبدال ثوب الفساد بيافطة الاصلاح والوطنية فجميع الاحزاب تعترف انها كانت مشاركة في خراب العراق فيما جميعها تريد الاصلاح ولا نعرف أي تناقض هذا الذي نحن فيه.

التظاهرات التي انطلقت شرارتها في شهر اب من العام الماضي والمطالبة بتحسين الكهرباء تارة وبالخدمات الاخرى تارة اخرى وانتهى بها المطاف للمطالبة بإنهاء حكم الاحزاب الاسلامية في العراق لم تكن بمستوى حجم الازمة التي نعيش فيها فكانت الفوضى صفة لها ما سهل قمعها من قبل احزاب السلطة ، لكن المرجعية حذرت من ان تلك التظاهرات لن تتوقف حتى وان استطاع البعض قمعها باساليب مختلفة وهاي هي عادت من جديد لكن بشكل مناقض لتك التي انطلقت في البداية فالاحزاب هي التي تقود هذه التظاهرات والمقصود هنا التيار الصدري الذي يملك وزراء في الحكومة ونوابا في البرلمان وحصص كبيرة من المدراء العامين والدرجات الخاصة ما يجعل الكثير من المواطنين يضعون علامات الاستفهام حول الغاية من هذه التظاهرات وهل هي من اجل الاصلاح حقا ام محاولة لركوب موجة الغضب الشعبي ؟

ومن خلال متابعتنا لسير التظاهرات التي يقودها التيار الصدري نجد ان هناك اتجاهين متقاطعين لتفسير موجة التظاهر الجديدة ؛ فالبعض يرى بان التيار الصدري هو اكثير الاحزاب تواصلا مع الشارع وهو حامي هموم المواطن وهذه التظاهرة المليونية ليست جديدة عليه فقد جاء لنصرة الشعب بعد ان يأس من السياسيين في تحقيق غاية (الاصلاح!؟)، فيما يرى الاتجاه الاخر ان التيار الصدري حاول ركوب موجه الغضب الشعبية لتحقيق مكاسب سياسية تحت يافطة الاصلاح فضلا عن الهروب من المحاكمة الجماهيرية بعد استشعاره حتمية سقوط الطبقة السياسية الحاكمة و هو من ضمنها . .

وقد نتفق مع وجهة النظر التي تقول بتواصل الكتلة الصدرية مع الشارع كونه صاحب الطبقة الجماهيرية الافقر على مستوى العراق الا ان البعض يقول ان لدى التيار وزراء ونوابا في البرلمان واذا كان جادا في الاصلاح فكان الاجدر به ان يحاول صناعة نموذج ناجح في جميع الوزارات التي يسيطر عليها وبعد انتهاء هذا المشروع يحق له ان يطالب الاخرين باصلاح انفسهم فتظاهراته اليوم تذكرنا بالمثل الشعبي الذي يقول " باب النجار مكسور" فهل يمكن التعويل على تظاهرات ترفع شعار"شلع قلع" ولم تستطع شلع الاقربون ؟ لا يمكن الاجابة على هذا السؤال نظرا لحساسيته ونتركها للقارئ وللمتظاهرين.

ورغم قدرة التيار الصدري على التحشيد الجماهيري الكبير الا ان هناك عدة اسباب تحول دون تحقيق مطالب الاصلاح وهي كالاتي:

اولا: عدم وجود هدف واضح كما في التظاهرات السابقة وقد يقول البعض ان تظاهرات اليوم تختلف عن سابقتها بتركيزها على الاعتصامات وتحقيق اصلاح شامل تحت مسمى "شلع قلع" ولا يمكن فهم ذلك القلع ذلك في الوقت الذي يشارك فيه مسؤولين من التيار مع المتظاهرين وهم متهمون بالتعاون مع الفاسدسن فقد انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي حديث عن ملفات الفساد التي يملكها محافظ بغداد المنتمي للكتلة الصدرية ضد المحافظ الذي سبقه صلاح عبد الرزاق فيما بات يعرف بملفات "المرجوحة" التي تحدث عنها المحافظ سابقا في قناة البغدادية.

ثانيا: وجود الساسة الانتهازيين الذين يحاولون ركوب موجة الغضب الشعبي وتحقيق المزيد من المكاسب السياسية ، فاياد علاوي يدعو لتشكيل ما يسميه "مجلس انقاذ وطني "وهي دعوة تشوبها الكثير من الشبهات لا سيما وان الرجل قد طرح هذا الخيار مع كل ازمة املا في تسنم منصب رئاسة الوزراء "حلمه الابدي" ، بالاضافة الى دعوته الى ضرورة خروج كتلة الاحرار من التحالفة الوطني وهي دعوة نرى انها محاولة لتمزيق التحالف الذي تسوده الخلافات اصلا ، اما الاكراد الذين يسيرون وفق نظرية رسم الحدود بالدم يقولون بان الاصلاح يجب ان يشمل الهيئات المستقلة في محاولة لتوسيع نفوذهم في هذه الهيئات مستغلين بذلك موجة الاصلاحات .

ثالثا: تغلغل الطبقة السياسية الحالية في اجهزة الدولة بشكل اخطبوطي جعلها تمسك بجميع مسالك اللعبة السياسية فهي لا تجد صعوبة في الرقص على مشاعر المواطنين من خلال دعاية التخويف والتحذير من ان الاصلاح سيؤدي الى انهيار العملية السياسية في العراق وبالتالي عودة داعش الى احتلال بغداد والمناطق والجنوبية .

رابعا: التقاطعات الاقليمية والدولية.. فحكومة التكنوقراط التي ينادي بها المتظاهرون تعني ان الحكومة المقبلة يجب ان تبتعد عن اطر المحاصصة السياسية والطائفية وبالتالي ضرب مصالح الكتل السياسية الحالية التي جاءت اصلا من خلال توافقات داخلية واقليمية ودولية ما يعني انها ستصطدم بهذه العقبة عاجلا ام اجلا وربما اصطدمت بها في الاونة الاخير حيث اشارت بعض التسريبات الى وجود ضغوط اقليمية لتخفيف اللهجة الاصلاحية والابتعاد عن الدعوة للتغيير الشامل .

خامسا: محاولة التسويف من قبل الحكومة .. فكيف يمكن ان نتخلص من المحاصصة من خلال لجنة تشكلها الرئاسات الثلاث تمثل المكونات العراقية تتولى عملية الاصلاح ، والجميع يعرف ان مصطلح المكونات فضفاض ويشير في اغلب الاحيان الى المحاصصة السياسية والطائفية .

هذه النقاط الخمس تشير الى سوداوية المشهد السياسي في العراق ومدة الـ( ٤٥ يوما) التي حددها الصدر غير كافية ومن الغريب ان نرى مثل هذه المدة القصيرة وهل جاءت من خلال دراسة مستفيضة ام اطلقت بشكل ارتجالي ؟ فمشاكل الدولة العراقية متراكمة منذ تاسيسها وتعاني من الترحيل والتسويف في كل مرحلة ونعتقد بان اي جهود اصلاحية يجب ان تضع برنامجا واضحا ومستدام يستند الى جدية في العمل ويبتعد عن اللغة المتشنجة و محاولة تسقيط الخصوم ، والكلام هنا موجه لجميع الكتل السياسية دون استثناء واي عملية اصلاحية لا تبدأ بالقضاء فان مصيرها الفشل حتى وان كان قائد تلك العملية التيار الصدري كما ان البلد بحاجة الى وضع برنامج اقتصادي طموع يعتمد على تنمية الموارد المحلية ويضمن تقليل البطالة وتشغيل الخريجين والايدي العاملة والتركيز على ملف الكهرباء الذي تسلق قمة امنيات العراقيين.

 

اضف تعليق