نحتاج إلى إعلام منصف يوازن بين حق الجمهور في الاطلاع على المعلومة الدقيقة من خلال سبق صحفي مستند إلى واقع حقيقي، وبين حق الدولة في تعزيز أسس الاستقرار الأمني للمجتمع وحفظ أمن وكرامة مواطنيها. هذه معادلة ليست مستحيلة التطبيق، بل تتطلب نفسًا وطنيًا يغلّب المصلحة العامة على المصالح المؤسساتية والفردية الضيقة...
في ظل تسارع الأحداث على الساحة العالمية في مختلف المجالات والأصعدة، وبالأخص أكثرها أهمية وهو الصعيد الأمني الذي يُعدّ أساسًا في استقرار البلدان، والعنصر الأهم لضمان التقدم والازدهار في شتى المجالات الأخرى، فلا نموّ إلا بأمن مستقر.
في خضم هذه التطورات، يبرز ما يُتعارف عليه بين الأوساط الصحفية والإعلامية بـ "السبق الصحفي" كواحد من مؤشرات النجاح المهني للمؤسسات الصحفية والإعلامية. وقد يتحوّل هذا السبق، مع مشروعيته، إلى خطر حقيقي إذا تعارض مع أمن الوطن والمواطن وأحدث إرباكًا في الوضع الأمني، خصوصًا في الأحداث الهامة التي تتطلب صبرًا ومتابعة دقيقة، واعتمادًا على الروايات الرسمية للدولة. هذا من شأنه أن يغلق الأبواب أمام المشككين والساعين إلى إحداث الفوضى وزعزعة الاستقرار والسلم المجتمعي. ناهيك عن الدور السلبي لعالم التواصل الاجتماعي الذي أصبح متاحًا أمام الجميع، وبدأت تأثيراته تأخذ منحنيات خطيرة على الأمن القومي للبلدان.
إن مشاركة ونشر وتسريب معلومات غير دقيقة بذريعة (السبق الصحفي) عن الأحداث الأمنية والاستخبارية الجارية في هذه الدولة أو تلك قد تكون لها آثار مدمّرة، ليس فقط على أرض الواقع، بل تسهم في زعزعة ثقة المواطنين بأجهزتها الأمنية والعسكرية والاستخبارية، وتُربك الوضع القائم برمّته، في وقتٍ أحوج ما تكون فيه الدول إلى التلاحم الوطني ورص الصفوف وتعزيز أسس الجبهة الداخلية. والشواهد على ذلك كثيرة، فقد تسبّبت التغطيات الإعلامية المتسرعة غير المستندة على معلومات دقيقة في إفشال الكثير من العمليات العسكرية والأمنية، والتأثير على سرية التحقيقات في القضايا الكبرى، أو حتى في تضليل مقصود ومتعمّد للرأي العام.
الجميع يعلم أن وسائل الإعلام والصحافة عمومًا، بقدر ما هي سلطة رابعة، فهي شريك أساسي للقوات الأمنية في تعزيز السلم المجتمعي. ودورها لا يقلّ أهمية عن مختلف المؤسسات، ومنها العسكرية، في صيانة الاستقرار في البلدان. وهنا نحتاج إلى إعلام منصف يوازن بين حق الجمهور في الاطلاع على المعلومة الدقيقة من خلال سبق صحفي مستند إلى واقع حقيقي، وبين حق الدولة في تعزيز أسس الاستقرار الأمني للمجتمع وحفظ أمن وكرامة مواطنيها. هذه معادلة ليست مستحيلة التطبيق، بل تتطلب نفسًا وطنيًا يغلّب المصلحة العامة على المصالح المؤسساتية والفردية الضيقة، فليس كل ما يُعرف يُنشر ويُقال.
اضف تعليق