تتجلى أهمية الإعلام والتعليم كأداتين محوريتين في نشر الوعي القانوني وتكريس ثقافة الالتزام بالقانون لا بدافع الخوف من العقوبة، بل عن وعي وانتماء للمصلحة العامة، تتناول هذه المقالة أثر الإعلام والتعليم في ترسيخ الثقافة القانونية، مع تحليل التحديات والفرص الكامنة في هذا المجال...

تشكل الثقافة القانونية حجر الزاوية في بناء مجتمع يحترم الحقوق والواجبات، ويعي حدوده القانونية في التعاملات الفردية والمؤسسية، ومع أن القانون يُعد نظاماً ملزماً، إلا أن فاعليته تزداد بقدر ما يكون المواطن على دراية بمضامينه، وهنا تتجلى أهمية الإعلام والتعليم كأداتين محوريتين في نشر الوعي القانوني وتكريس ثقافة الالتزام بالقانون لا بدافع الخوف من العقوبة، بل عن وعي وانتماء للمصلحة العامة، تتناول هذه المقالة أثر الإعلام والتعليم في ترسيخ الثقافة القانونية، مع تحليل التحديات والفرص الكامنة في هذا المجال.

الثقافة القانونية هي معرفة الأفراد بالقواعد القانونية الأساسية التي تنظم شؤونهم اليومية، وتشمل فهم الحقوق والواجبات الدستورية، والإلمام بالمبادئ الأساسية للقانون المدني، والجنائي، والعمل، والأحوال الشخصية، وإدراك آليات التقاضي والعدالة، أما أهميتها تكمن في بناء مواطن واعٍ لا يُستغل قانونياً، وتقوية العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وتعزيز السلم الاجتماعي من خلال احترام القانون.

ودور التعليم في نشر الثقافة القانونية يكون من خلال المدارس والجامعات عبر غرس المبادئ القانونية من المراحل الأولى يعزز احترام النظام والانضباط المدني، وفي تدريس “التربية المدنية” أو “الحقوق والواجبات” الذي يرسخ الوعي بالمواطنة القانونية، كذلك عبر التعليم القانوني غير المتخصص وهو إدخال مفاهيم قانونية مبسطة في مناهج غير قانونية (كالاقتصاد أو الاجتماع)، وتنظيم ورش وبرامج تدريبية لشرائح المجتمع المختلفة، بالإضافة إلى التعليم المستمر وضرورة توعية الموظفين، والشباب، والنساء، وكبار السن بحقوقهم القانونية المستجدة.

ولكن الامر لا يخلو من التحديات المعوقة لهذا التأثير منها ضعف إدماج الثقافة القانونية في المناهج، وغلبة الطابع النظري المجرد دون ربطه بالحياة اليومية، كذلك نقص الكفاءات المتخصصة في تبسيط القانون للعامة مجانًا.

أما دور الإعلام في تعزيز الثقافة القانونية فيكون عبر عدة وسائل منها وسائل الإعلام التقليدية (التلفزيون، الإذاعة، الصحف) وتقديم البرامج القانونية، واللقاءات مع خبراء القانون، والتغطية القانونية للأحداث العامة، أو من خلال الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي من خلال انتشار صفحات قانونية تثقيفية، ومقاطع توعوية، وبودكاستات قانونية، وبذلك نضمن إمكانية الوصول السريع والواسع، خصوصاً للشباب، أو عبر الدراما والسينما القانونية حيث تسهم في تقديم القانون بشكل جذاب ومؤثر، مع تبسيط المفاهيم القانونية.

ولكن ما تقدم يصطدم بعدد من التحديات منها التناول السطحي أو المضلل أحياناً للمفاهيم القانونية، بقصد أو دون قصد بسبب قلة الخبرة القانونية وفقر المعلومة المطروحة مقابل حب الظهور في مواقع التواصل الاجتماعي، كذلك توظيف الإعلام في تضليل الرأي العام قانونياً (خصوصاً في القضايا السياسية أو الجنائية المثيرة)، وغياب التنسيق بين الجهات القانونية الرسمية والإعلام.

كما يمكن أن يكون هنالك نوع من التكامل بين الإعلام والتعليم في نشر الثقافة القانونية من منطلق أن التعليم يؤسس الفهم النظري، والإعلام يعزز التطبيق العملي والوعي الجماهيري، كذلك عبر التعاون بين وزارات العدل والتعليم والإعلام يمكن أن يُنتج برامج وطنية شاملة للتثقيف القانوني، وعبر الاستثمار في الإعلام التعليمي القانوني من خلال منصات تفاعلية ومواد رقمية مرئية.

ومن مصاديق النماذج والتجارب الرائدة هو في تجربة فرنسا من خلال إدخال مبادئ القانون في مناهج التعليم الأساسي منذ الثمانينيات، وتجربة المغرب وتونس في برامج إذاعية وتلفزيونية أسبوعية تشرح القوانين الجديدة للمواطنين بلغة مبسطة، كذلك لمنظمات المجتمع المدني دور كبير في إقامة ندوات، حملات إعلامية، وتوزيع كتيبات حقوقية في المجتمعات المحلية لتحقيق هذا الهدف.

ختامًا- يشكل الإعلام والتعليم جناحي الوعي القانوني في أي مجتمع يسعى نحو الحكم الرشيد والمواطنة الفعالة، فبدون فهم القانون، يصبح المواطن عُرضة للاستغلال أو التجاوز، ويفقد النظام القانوني قدرته على تحقيق العدالة الفعلية، لذا، فإن استثمار الدولة في الإعلام والتربية القانونية ليس خياراً ترفياً، بل ضرورة استراتيجية لبناء مجتمع متماسك، مستقر، وقائم على سيادة القانون.

* الدكتورة جمانة جاسم الأسدي، عضو ملتقى النبأ للحوار، تدريسية في جامعة كربلاء


اضف تعليق