بالعودة للبوفيه المفتوح الذي لم يكن شائعا في حياتنا العراقية قبل التغيير السياسي، فكنت أسمع به لكني لم أره الا بعد أول سفرة مع زملاء خارج البلاد، ولأن العراقي خجول بطبعه، فلم نأخذ ما يكفي من البوفيه المفتوح، ما اضطرنا لاشباع جوعنا بالأكل في مطعم مجاور للفندق الراقي الذي نسكنه...

بالرغم من تلوث جدار البيت الخارجي بفضلات الطيور، وشكاوى القيادة العامة المتكررة (وأقصد زوجتي) التي غالبا ما تعيد غسل الملابس بسبب اتساخها نتيجة مرور الطيور فوق حبل الغسيل القريب من الجدار، طبعا كثرة الطيور تستدعي حضور القطط التي تتحين الفرص للانقضاض عليها والتمتع بوجبة دسمة، فيتطاير الريش وتتلوث باحة البيت بعظام الضحايا ودمائها، فيصبح تنظيفها وتطهيرها بالمعقمات أمرا لازما بخاصة عندما تشيع أخبار الأمراض كإنفلونزا الطيور.

لكن ذلك كله لم يمنع ابنتي (يقين) مدرسة الأحياء غير الموظفة بالرغم من تخرجها قبل ثلاث سنوات من تحويل ذلك الجدار الى (بوفيه مفتوح) يحتوي كل أصناف الطعام المتبقي من موائدنا، وكثيرا ما تنفق من مصروفها لشراء الحبوب لها، حارمة نفسها من احتياجاتها الضرورية، مرة صنعت للقطط بيتا لا يمكنك عند رؤيته الا التقاط صورة لجماله.

من الناس من (يؤنسن) الحيوانات، اي النظر لها وكأنها انسان، فتصبح العناية بها واجبا، وتوفير الطعام لها فرضا يوميا، لقد جعلنا هذا الحس نتضامن معها ونعينها على مشروعها الذي لا نهاية له، ونحرص على الاحتفاظ بالفضلات في أماكن نظيفة، لكي نديم البوفيه المفتوح المسجل باسمها تقديرا لمشاعرها الرقيقة ازاء الحيوانات التي قد تكون ضعيفة لدى بعضنا، مع ان الحيوانات شريكتنا في الحياة، ولها حقوق بعضها مماثل لحقوقنا وأبسطها حق العيش بسلام.

لذا لابد من عدم الاستئثار بتلك الحقوق على حسابها، فلطالما تغنينا بالطيور، وحملناها من رسائل القلوب أعذبها، وشبهنا عيون الحبيبات بعيون القطط البراقة، لكننا مع ذلك لم نتعامل معها كشريكة في حياتنا باستثناء التي نتغذى منها او نوظفها لخدمتنا.

سينبري أحدهم متسائلا: وهل تمكنا من الحصول نحن العراقيين على حقوقنا لتحدثنا اليوم عن حقوق الحيوان؟، بالتأكيد يتعذر عليّ اجابة هذا الشخص، ولكني أحيله الى جميع الأديان ومما ورد في تراثنا الذي يؤكد على الرفق بالحيوان، اظن ان الايمان بحقوق الحيوان يقتضي ثقافة عميقة لم يبلغها الكثير منا.

ما حملني على هذا الحديث هو ظاهرة اعتداء الاطفال على الحيوانات، ومشكلة الكلاب والقطط السائبة التي تكثر في أحيائنا بضمنها مراكز المدن دون ان تجد الجهات المعنية حلا لها، بالرغم من مخاطرها على الانسان، وبخاصة داء الكلب المعروف بخطره المرعب الذي أوضحه أحد المتخصصين بالطب البيطري في محاضرة شيقة نظمتها جمعية الأكاديميين التركمان في بعقوبة التي يرأسها الصديق الدكتور ماهر العباسي.

لم نفكر بمشكلة الكلاب السائبة سوى بقتلها رميا بالرصاص، هذا ما رأيناه طوال العقود الماضية، أذكر ان الحكومة في بداية السبعينيات وجهت بشراء القطط والكلاب من المواطنين الذين قاموا بحملات غير عنيفة لاصطيادها وبيعها للوكلاء، طبعا لا أدري ما فعلت الجهات الحكومية بتلك الحيوانات.

وبهذا الشأن اقترح أحد الحاضرين في المحاضرة المذكورة على الجهات المعنية اقامة محميات للكلاب السائبة في أماكن مناسبة، وان في الفضلات التي تخلفها المطاعم ما يكفي لإعاشتها، بدلا من قتلها بأسلوب غير انساني، ما يرسخ الروح العنيفة لدى أطفالنا جراء مشاهدة عمليات القتل، مثلما رؤية القصابين وهم يذبحون الماشية امام المارة وفي العلن تجعل العنف الدموي أمرا سهلا في نظرهم، كما كان مستساغا لدى الارهابيين ذبح الانسان بالسيف ابان السنوات السود.

وطالما ان حاجة الانسان للحوم دائمة، فيفترض انشاء مجازر رسمية في كل مدينة، ومنع القصابين من الذبح العشوائي، ومصادرة اللحوم غير المختومة، وهو عمل صحي وحضاري في الوقت نفسه. وبالعودة للبوفيه المفتوح الذي لم يكن شائعا في حياتنا العراقية قبل التغيير السياسي، فكنت أسمع به لكني لم أره الا بعد أول سفرة مع زملاء خارج البلاد، ولأن العراقي خجول بطبعه، فلم نأخذ ما يكفي من البوفيه المفتوح، ما اضطرنا لاشباع جوعنا بالأكل في مطعم مجاور للفندق الراقي الذي نسكنه.

اضف تعليق