q
لم يعد المستقبل كلمة تعني تحقيق الامنيات أو طموحات شعب من الشعوب. عادة يقول من يقول إنني سأفعل في خلال سنوات ما أفكر فيه. أنا أخطط لتغيير حياتي. وفي الحقيقة مثل هذا التفكير الإيجابي مهم وممكن على صعيد المستوى الشخصي، لكن على مستوى بناء الدول سنجد أن القضية أصعب...

لم يعد المستقبل كلمة تعني تحقيق الامنيات أو طموحات شعب من الشعوب. عادة يقول من يقول إنني سأفعل في خلال سنوات ما أفكر فيه. أنا أخطط لتغيير حياتي. وفي الحقيقة مثل هذا التفكير الإيجابي مهم وممكن على صعيد المستوى الشخصي، لكن على مستوى بناء الدول سنجد أن القضية أصعب بسبب وضع الكوكب المريض جدا وأعني كوكبنا الأرضي، هذه الكرة المليئة بالبشر والتحف وكل شيء.

سأقول بالتحديد هذا: الأرض أو كوكبنا ليس في حالة جيدة. واذا كان هذا حال أرضنا، فهذا يعني اننا سنفقد شيئا ما، وربما سنتعرض لخسارات وخسارات إن استمر تدهور الحالة الصحية لأمّنا الأرض.

عالميا هناك خطر يسمونه الاحتباس الحرارة وتغير في درجات الحرارة. هذه الحمى الأرضية لن تنفع معها كمادات عادية لو صح القول. أمنا بكل ما تحويه تسخن، ومن مصلحة الجميع أن تخف درجة حرارتها.

واذا لم تكن هناك علاجات جدية وتعاون دولي فستكون النتائج خطرة. هناك دول ستدفع الثمن. ستتعرض هذه الدول إلى الجفاف، وفقدان المزيد من الأراضي الزراعية والرطبة. هذا الاجراء هو نوع من عقوبة قاسية ستدفع بالناس إلى الهجرة تاركين كل شيء. وها نحن نسمع ونشاهد أن منطقتنا وعلى الأخص بلادنا ستعاني من ضغط هذا التغير المناخي بمرور الوقت.

لا أحد يتحدث عن سيناريو لن يحدث. هناك علامات لظهور شبح الفساد بعد قلة الأمطار، وقلة الاطلاقات المائية من دول الجوار، وكذلك الهدر الذي يحدث عند استخدام اساليب بدائية في الزراعة كالري السيحي. هذه هي علامات قدر جديد سيئ، سنواجه نحن في غضون سنوات قليلة قادمة.

أحيانا أفكر بأن الوضع خطير كلما تابعت متخصصًا بمجال البيئة أو الشأن المائي.

ترى كم أصبح العالم معقّدا، بحيث أصبح للماء مختصون مهمومون بقضية الجفاف التي تضرب العالم.

هل نتقدم إلى مواجهة الكارثة، ونخسر يوما بعد آخر الاراضي الزراعية، وما يتبعها من ضياع في الانتاج الزراعي والحيواني، ثم تحدث الهجرة القسرية التي تفرضها الطبيعة علينا. إن مرض الأرض سيصينا بعدواة، وسيغير حياتنا تغييرا قويا. لذا لا حل الا بمواجهة كارثة الجفاف. وهذا عمل ضخم تبدأه الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين وجميع الجهات الاخرى داخلية وخارجية. وهذا ما ننتظره جميعا. حل مباشر.

وخلال في مؤتمر صحفي جمع بين الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيرش ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قال الامين العام وكأنه يذكر سياسيي البلد بقضية خطيرة جدا لم ينتبه اليها أحد بأن «نهري دجلة والفرات يجفان». هذه الحقيقة المرّة التي قالها الامين العام تضع الجميع امام مسؤولية كبيرة ومصيرية في الوقت نفسه.

فكرت بكلمات غوتيرش وحسدت شعب اليونان القديمة، لأن قادة ذلك الشعب كانوا يأخذون نبوءة عراف أو حكيم موضع اهتمامهم. بمجرد أن يسمع رجل السلطة أن ابنا له سينافسه فإنه يقوم بالتخلص من ذلك الابن، لأن توقع أحد العرافين تحدث عن منافسة ستقع بين الأب وبين الابن الذي سيولد. أنا أتحدث هنا عن مشكلة القدر عند اليونانيين، وقد تعاملوا معها بجدية لا نظير لها.

كانت النبوءة تقلب حياة اليوناني رأسا على عقب. ولو كان السياسي العراقي يملك ذرة من ذلك السلوك اليوناني لفكر بقلق وهو يستمع إلى تحذيرات الخبراء، واخرها تحذير أرفع مسؤول في الامم المتحدة.

ما قاله السيد غوتيرش هو حقيقة مرعبة وليست نبوءة. ومع أن مكان الحقيقة ليس بعيدا عنا لأننا نرى بعض ملامحها واضحة في نزوح اهالي بعض القرى تاركين قراهم التي تعاني من العطش.

تشير التقارير إلى أن المستقبل لم يعد آمنا في ظل هذه التغيرات المناخية. يسمع هذا المسؤول أو ذاك ما يقال عن سنوات قادمة تؤثر في وضع البلد بوجه عام. ومع ذلك لا مبادرة يوسفية تقدم علاجاً لازمة سنواجهها بعد أعوام.

أصابني حديث الامين العام بقلق كبير، وتخيلت أن نهري دجلة والفرات سيختفيان، وسنرى الجسور التي شيدت عليهما منذ عقود مجرد هياكل ميتة تنتصب فوق شقين ترابيين طويلين كانا مبعث حضارة عريقة اعطت الانسانية علوما وفكرا.

لا اعرف هل فكر انطونيو غوتيرش وهو يتحدث عن مشكلتنا المائية بجدية سلوك اليوناني حين يسمع نبوءة عراف؟هل راقب الوجوه وهو يحذرنا من خطورة المستقبل الذي سنطدم به كما يصطدم قطاران؟

اسئلة تطرح، ولا بد أن تطرح، فالرجل الذي تحدث عن نتائج الجفاف والاحتباس الحراري هو ابن الثقافة الأوروبية التي تعلمت من فكر وفلسفة اليونان.

اضف تعليق