q
البيئة المدرسية وما تحتويه من مقومات يمكن ان تكون من اشد عوامل الجذب لإكمال الطلبة مسيرتهم الدراسية الخالية من الامراض والانعطافات التي تقود الى نتائج غير مقبولة وتؤثر على مستقبلهم، وهنا يأتي دور الرقابة الفعلية لإيجاد بيئة مدرسية مثالية تحتكم الى النظم الدراسية العالمية لضمان وجود عقول سليمة في اجسام سليمة...

قد يكون من سوء الحظ أنك أكملت مراحل دراستك في زمن النظام السابق، حين كان الطلبة يُجبرون على تنظيف الصف نهاية اليوم بعد إكمال الحصص الدراسية وفق جدول وضع بعلم إدارة المدرسة، ويعرّض الطالب المخالف الى اقصى أنواع العقاب لعدم تأديته لوظيفته الثانية وهي التنظيف الاجباري.

التنظيف بصورة يومية يعني ان الطلبة تستنشق كميات لا يمكن حصرها من الاتربة، واستقرارها في الجهاز التنفسي وما يسببه ذلك من نتائج سلبية على صحتهم، والادهى من ذلك لا نجد من يشعر بخطورة الامر وكأنه شيء مسلم به وتمت استساغته من قبل الجميع.

ونتيجة لذلك نجد الامراض الناجمة عن التعرض الى الغبار منتشرة بين صفوف التلاميذ، وكأن وظيفتهم الأساسية هي التنظيف ومن ثم التعليم، ولا عجب بذلك طالما ان البلد يحكمه نظام لا يعرف أهمية العلم ولا يمكن ان يدرك مكانة راس المال البشري وضرورته للنهوض بالبلدان.

وقد أولدت بسبب هذه الاخفاقات بيئة تعليمية طاردة للغاية ولا يوجد فيها أي عامل جذب للآخر، بينما اخذت اعداد كبيرة من الطلبة تتسرب من الفصول الدراسية حتى التقفها الشارع ليخرج منها اُناس غير منتجين عاطلين عن العمل، منخرطين ضمن قوائم منخفضي المستوى التعليمي.

وفي الانتقال الى العهد الجديد نجد ان المشكلة لا تزال قائمة لكنها ارتدت ثوبا آخر، يتمثل بعدم ملائمة القاعات الدراسية لمتطلبات المرحلة الدراسية، حيث يكتظ الصف بالطلبة، اذ يؤدي ذلك الازدحام الى سوء التهوية وانتشار الامراض المعدية بسبب وجود بعض المصابين بأمراض الجهاز التنفسي وغيرها من الامراض الانتقالية.

لقد اهملت الجهات التربوية في العراق هذه الجزئية المهمة والمتعلقة بحياة الطلبة وصحتهم، وحين تقوم بزيارة لأي مرفق تربوي تجد من يجلس على الأرض بعد ان انشغلت المقاعد الدراسية جميعها، ومع ذلك تبقى الحلول المقترحة او المتبعة غير مجدية.

فلا يمثل شطر المدارس من الحلول المثالية، ولنفترض انه كذلك، فإلى أي مدى يبقى حلا ناجعا؟

لن يقاوم طويلا وذلك بسبب الازدياد المطرد في الاعداد، حتى غصت القاعات الدراسية، ويمكن ببساطة ان تتخيل حالة التهوية المتواجدة في الصفوف وكيف يمكن للتيار الهوائي ان ينتقل الى بقية ارجاء المكان، وفي ذلك تكونت بيئة ناقلة للأمراض وغير صحية لقضاء ساعات طويلة.

تعتبر بيئة التعليم السليمة من العوامل المحفزة والمؤثرة بشكل كبير على مستوى الطلبة، فالطالب السليم قادر على التفاعل وتلقي المعلومة من المعلم الذي يأخذ بيده الى شاطئ النجاح والتفوق، ليخلق منه قوة اجتماعية كبيرة ومؤثرة لأحداث التغيير الإيجابي المرتقب.

ولا يقل الامر تعاسة فيما يتعلق بالمدارس الاهلية بصورة عامة، فقد بُنيت وصُمتت دون مراعاة الجوانب الصحية للطلبة، فعلى الرغم من حداثتها الا انها تفتقر الى مظاهر الحداثة المتمثلة بقاعات واسعة ابنية متباعدة يتخللها مساحات خضراء تعطي المكان جمالية وتبعث فيه الروح.

وتكاد تشترك مع بعض المدراس الحكومية بصفة الكثافة العددية في الصف الواحد، ذلك ان المستثمر يضغط بتجاه زيادة العدد ليحاصر البيئة الصحيحة وفي كثير من الأحيان تغادر المكان بسبب الجشع الذي يتميز فيه المستثمرين المتجردين من المهنية والإنسانية والشعور بالمسؤولية.

أضف الى ذلك ان بعض الأبنية يستخدم في تشيديها مواد كيميائية تصدر انبعاثات مضرة بصحة الانسان الكبير فكيف بالأطفال الذين يختلفون من ناحية المناعة ودرجة التحمل، وكل ذلك يصب بغير مصلحتهم، اذ اوجدت عدد من الدراسات التي أجريت في هذا المجال أن المركبات العضوية المتطايرة، (وهي عبارة عن مجموعة من المواد الكيميائية التي تستخدم في التأثيث والتشطيب)، من أخطر الملوثات الموجودة في هواء الفصل.

البيئة المدرسية وما تحتويه من مقومات يمكن ان تكون من اشد عوامل الجذب لإكمال الطلبة مسيرتهم الدراسية الخالية من الامراض والانعطافات التي تقود الى نتائج غير مقبولة وتؤثر على مستقبلهم، وهنا يأتي دور الرقابة الفعلية لإيجاد بيئة مدرسية مثالية تحتكم الى النظم الدراسية العالمية لضمان وجود عقول سليمة في اجسام سليمة.

اضف تعليق