هل يمكن أن نشهد يوما مسؤولا عراقيا يظل قريبا من الناس طوال سنوات خدمته، لا في أيام الانتخابات فقط؟ الجواب يعتمد على وعي الناخبين أنفسهم، فالمسؤول يعكس صورة المجتمع الذي ينتخبه، فإذا حاسب المواطن، استمر المسؤول متواضعا، وإذا اكتفى بابتسامة موسمية، ستبقى هذه الظاهرة تتكرر في كل دورة انتخابية...
من كان يتعذر الوصول اليه في الأيام الاعتيادية، أصبح اليوم أقرب ما يكون من الشعب بجميع شرائحه واشكاله، ويبدو هذا المشهد غير مألوف في الأيام الماضية، لكن مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المرتقبة في تشرين الثاني المقبل، نجد المسؤول يوزع الابتسامات على الجميع، لكن هذه الابتسامة يمكن ان نسميها الابتسامة الموسمية.
يحاط المسؤول العراقي - بأي مستوى من المستويات - بحواجز من الحمايات والمرافقين الذين يرصدون أي شخص يحاول التقرب او الحديث مع المسؤول لأي سبب من الاسباب، وبالتأكيد يتم المنع بتوصية من المسؤول نفسه، ذلك لعدم الوقوع بأي إحراج من المواطنين.
مشهد التدافع والمنع من الوصول الى المسؤول من المشاهد التي اعتدنا عليها في السنوات الماضية، اذ وصل الامر في كثير من الأحيان الى قطع الشوارع لفسح المجال امام موكب المسؤول، وعدم وقوفه في الازدحام كغيره من المواطنين الذين يعلقون لساعات في الازدحامات المرورية وما يرافق ذلك من متاعب وتأثير على الحالة النفسية.
الى جانب ذلك الحديث بلغة فوقية، وتعالي واضح على الطبقة الوسطى من الجمهور، وقد لا يسمح لهم الحديث بصورة مباشرة، او بعد اخذ موعد مسبق، ثم ما إن تقترب الانتخابات حتى يتحول إلى شخصية ودودة مبتسمة، تجوب الأسواق الشعبية، وتجلس في المقاهي، وتلتقط الصور مع البسطاء.
هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها اليوم أكثر وضوحاً بفعل وسائل التواصل الاجتماعي التي وثّقت التحول السريع في سلوكيات المسؤولين، فالمواطن الذي كان يحتاج إلى أسابيع للحصول على موعد – غالبا لا يتحقق – يجد نفسه فجأة أمام مسؤول يطرق أبوابه ويصافحه بحرارة، ويعده بالحلول السريعة لكل مشكلاته.
التحوّل السريع في سلوكيات هذا المسؤول يأتي من عدم امتلاكه ثقافة المسؤولية او الخدمة العامة، التي تقوم على مبدأ ان المسؤول خادم للشعب وليس العكس، متسلط عليهم، وسبب من أسباب اذيتهم وقلة ورداءة الخدمات المقدمة إليهم.
في كثير من البلدان التي ترسخت فيها الديمقراطية، يظل المسؤول متاحا لمواطنيه طوال فترة ولايته، لا يختفي إلا لأسباب موضوعية، ويُحاسب إن قصّر في ركن من اركان الخدمة الاجتماعية، ولذلك نجده حريص كل الحرص على التواجد بالقرب من جمهوره وقاعدته الشعبية.
أما في العراق، فإن معظم المسؤولين – باستثناء قلة – يختبئون خلف جدار البيروقراطية والإجراءات المعقدة، فتتحول مكاتبهم إلى قلاع مغلقة، لا يدخلها المواطن إلا بوساطات أو علاقات شخصية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات يدرك السياسي أن صوته مرتبط برضى المواطن، فيبدأ بارتداء قناع القرب من الناس، ويبدأ بالتنقل والقرب من الناس، ويبتسم بوجوه الفقراء والمسحوقين، لكن هذه الابتسامة تبقى مشروطة، ومتوقفة على مدى تأكد المسؤول من حصد هذه الأصوات لتؤهله للبقاء في موقعه السياسي.
لكن توزيع الوعود والمساعدات من الأساليب البائسة والبالية، لا سيما بعد ان أدرك الشعب انه مصدر الشرعية، وهو من يقرر لمن يعطي هذه الشرعية والثقة، فلم يعد تناول الشاي الى جانب الفقراء، والجلوس في المقاهي والأماكن العامة سبيل نجاة لهذا النوع من المسؤولين.
وما فضح ازدواجية المسؤول هي الوعود الكاذبة، فالبعض فقد الثقة بالوعود الانتخابية، وبدأ يتعامل معها باعتبارها جزءا من طقوس الموسم الانتخابي، بينما وجد آخرون في هذه الفترة القصيرة فرصة لطرح مطالب مؤجلة، ولو بشكل مؤقت.
في المقابل يسهم هذا المشهد في ترسيخ علاقة غير صحية بين المواطن والمسؤول، تقوم على المصالح الآنية وليس على الحقوق الدستورية المستمرة، بعدها تبدأ الابتسامة المؤقتة بالاختفاء، غالبا ما تختفي بعد إعلان النتائج، ليعود كل شيء إلى ما كان عليه.
يبقى السؤال مطروحا، هل يمكن أن نشهد يوما مسؤولا عراقيا يظل قريبا من الناس طوال سنوات خدمته، لا في أيام الانتخابات فقط؟ الجواب يعتمد على وعي الناخبين أنفسهم، فالمسؤول يعكس صورة المجتمع الذي ينتخبه، فإذا حاسب المواطن، استمر المسؤول متواضعا، وإذا اكتفى بابتسامة موسمية، ستبقى هذه الظاهرة تتكرر في كل دورة انتخابية.
اضف تعليق