q
شريحة واسعة من الموظفين يحق لها الخروج الى الشارع من اجل المطالبة بسلم عادل وموحد للرواتب في وزارات الدولة كافة، على الرغم من صعوبة تحقيق هذا المطلب، نظرا لتفاوت النظام الداخلي للوزارات، فمنها من يعتمد على نظام الحوافز السنوية، وأخرى تتبع نظام التمويل الذاتي وهكذا...

تلفت الانتباه عملية بناء المولات التجارية في بغداد والمحافظات، وكذلك من الأشياء ربما الغريبة هو استمرار افتتاح المطاعم ذات الطابع العصري التقدم وجبات طعام بأسعار غالية جدا، والاغرب من كل هذا هو ان هذه المطاعم والمولات التجارية مملوءة بالبشر طيلة أيام الأسبوع فمن هؤلاء؟

هؤلاء هم في الاعم الاغلب من شريحة الموظفين، وقليلا من ذوي الدخل المنخفض الذين يرغبون بقضاء أوقات خارج المنزل، وإذا كانت الحال هكذا، إذا لماذا يتظاهر الموظفون؟

يتظاهر الموظف، لرفع القدرة الشرائية التي تآكلت في السنوات الأخيرة الى ما يقرب من النصف، ساعد على هذا التراجع في القيمة الشرائية للراتب الشهري، ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، وما اعقبه من ارتفاع مضاعف لأسعار السلع والخدمات.

المنافذ التجارية الآخذة بالتزايد، لا يمكن لها ان تستمر في حركتها مالم يكن هنالك تعاطي من الأهالي، وهذا التعاطي يتمثل بديمومة الذهاب الى هذه الأماكن، لخلق حركة اقتصادية داخلية، معتمدة على القوة الشرائية للمجتمع الذي يمثل جزء كبير منه الموظفين.

شريحة واسعة من الموظفين يحق لها الخروج الى الشارع من اجل المطالبة بسلم عادل وموحد للرواتب في وزارات الدولة كافة، على الرغم من صعوبة تحقيق هذا المطلب، نظرا لتفاوت النظام الداخلي للوزارات، فمنها من يعتمد على نظام الحوافز السنوية، وأخرى تتبع نظام التمويل الذاتي وهكذا.

لذا تجد الحكومة من الصعوبة بمكان تطبيق المطالبات وتحويلها الى واقع عملي، من اجل تقليل الفوارق بين الموظفين في دوائر الدولة.

ليس حسدا لما يمتلكه الموظف في العراق، فالقلة القليلة منهم لا يملكون بيتا، وكذلك قلة الأشخاص المعتمدين على النقل العام، فالكثير منهم يمتلكون سيارات شخصية، وهذا دليل قطعي على الرفاهية النسبية التي يتمتع بها الموظف في الدولة العراقية.

تستطيع العثور في بيوت الموظفين بوزارات محددة على طقم اثاث منزلي في مئات الدولارات، وتستطيع ان تجد أوضاع داخلية تبوح بحالة من الاستقرار الاقتصادي قد يصل الى الثراء، بما في ذلك امتلاك الحيوانات الاليفة، ومع هذا كله نجدهم ضمن الموظفين الداعين والمحشدين الى التظاهر والنزول الى الشارع من اجل انصافهم.

اتفق كثيرا ان بعض الموظفين بحاجة الى انصاف وتعديل مُلح وعاجل لسلم الرواتب الخاص بهم، لكن ليس بالضرورة ان يشمل التعديل جميع الوزارات، وليس من الصحيح أيضا ان يتم التعامل مع الموظفين بنفس المعيار، هنالك موظف يتعرض الى الخطر بشكل يومي، ومن المحتمل ان يفقد حياته بلحظة ما.

فكيف ان يتساوى مع موظف آخر لا يتعدى واجبه قاعة دراسية او يقضي ساعات الدوام الرسمي في مكتب مؤثث؟

في المجمل حين التجول في الأسواق العراقية، تجد ما تشتهيه الانفس من مأكل وملبس وأجهزة منزلية وغيرها، وليس من المعقول ان تكون هذه البضائع قد جُلبت للعرض فقط وليس للاستخدام او الاقتناء البشري، فهي استوردت لوجود من يبحث عنها ويشتريها بشكل مستمر.

ولعل الموظف هو المُصرّف الأول لهذه البضائع، متبعا أساليب كثيرة لغرض الشراء، كأن يكون بالتقسيط الشهري، او نظام الدفعات المتباعدة وهكذا، لكن في النهاية توجد قوة شرائية تدفع بالموظف الى الرغبة في التملك للأشياء الضرورية والكمالية.

وذلك لا يعني انه يعيش حالة مزدهرة، لكن على وجه المقارنة لا يمكن ان نقارن موظف اليوم بموظف ما قبل العقدين الأخيرة، اذ عاش الموظف في واقع اقتصادي هش وحياة معدومة ومفتقرة لأبسط المقومات، وكأن الحكومة تقدم الرشا للشعب نظير السكوت على بطشها.

الموظف يتظاهر لكنه لا يعرف مستوى إنتاجيته اليومية، وما يقدمه للاقتصاد المحلي، ويرى ان ما يتقاضاه لا يتناسب مع ما يؤديه، لذلك تولد لديه الشعور بالمظلومية، وتحول بمرور الوقت الى مادة قابلة للتظاهر في كل وقت وتحت أي ظرف، تناسى ان لديه قدرا كبيرا من الممتلكات تجعل الكثير يتساءل عن أسباب التظاهر.

اضف تعليق