q
عبرنا عام 2022 بكل مخاطره وتقلباته، لكننا ما زلنا نعاني من انهيار قيمة الدستور بسبب تعاظم القوة الحزبية معززة بالسلاح والمال والدعم الخارجي، سوف ندخل عام 2023 وما يزال المواطن غير مطمئن لحالة الوضع الراهن، لا يدري ماذا يحدث غداً، فالدولة التي تتحكم بها أحزاب تضع سلاحها تحت الطاولة في كل حواراتها...

لا نبالغ إذا قلنا أن عام 2022 هو أصعب وأخطر سنة سياسية مرت على تاريخ العملية الديمقراطية في العراق، منذ ولادتها القيصرية إثر الغزو الأميركي وحتى الآن.

انقلابات سياسية وتحولات في موازين القوى، انهيار لقيمة التصويت الانتخابي، وعودة قوية للأحزاب التقليدية الشيعية.

بداية عام 2022 كانت قوية ومبشرة بتغييرات سياسية تاريخية بالنسبة للتيار الصدري المنتشي بفوزه بأربعة وسبعين مقعداً برلمانياً، ما جعله الكتلة الانتخابية الشيعية الأكثر عدداً.

أطلق زعيم التيار الصدري استراتيجيته لعنان السماء، كان الشعار حكومة أغلبية وطنية، سعى إلى تشكيلها عبر التحالف مع القوى السنية والكردية، وشيد بناء عالياً جعل الكثير يتوقعون أفول الأحزاب الشيعية التقليدية المنضوية تحت مسمى الإطار التنسيقي الشيعي.

الخبير القانوني الراحل طارق حرب قال في أحد تحليلاته أن الإطار التنسيقي لن يحصلوا على شرطي واحد في الحكومة الجديدة التي ينوي التيار الصدري تشكيلها.

حكومة الصدر رفعت شعار الأغلبية الوطنية، والهدف تدمير الأحزاب والجماعات الشيعية التقليدية التي يصفها التيار الصدري بـ"التبعية"، والمقصود استملامها الأوامر السياسية من الجمهورية الإسلامية في إيران.

خسر الإطار التنسيقي معركة الانتخابات بسبب سوء تنظيمه الانتخابي، وعدم فهمه لقانون الانتخابات الجديد، فضلاً عن خطابه السياسي غير الملائم لروح الشعب العراقي، لكنه في الوقت نفسه رفع شعار القتال حتى الرمق الأخير، فالحكومة التي يشكلها التيار الصدري هي تهديد وجودي للإطار.

الإطار يقدم دعوى للطعن بالانتخابات لدى المحكمة الاتحادية العليا بتهمة تزوير الانتخابات، ترد المحكمة الدعوى لكنها توصي بتعديل قانون الانتخابات، وهو ما دفع الإطار التنسيقي لاعتبارها دليلاً على قصور القانون.

يخرج قادة الإطار وأنصاره بتظاهرات للمطالبة بإلغاءالنتائج، فلا يجد من يسمع، يهدد سياسياً وإعلامياً.

إلى هذا الحد ما يزال التيار الصدري يتنفس الانتصار تلو الآخر، يغرد زعيم التيار بشكل يومي، يمتدح القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية ويصفه بالمستقل.

التوتر يزداد بالنسبة لقوى الإطار التنسيقي، يتأخر تشكيل الحكومة بسبب تعنت القوى السياسية مع بعضها البعض، الدعاوى تنهال على المحكمة الاتحادية من الإطار التنسيقي والقوى المتحالفة معه.

ضربة أولى ضد التيار الصدري بتفسير النصوص الدستورية بشأن انتخاب رئيس الجمهورية حيث فسرت المحكمة الاتحادية العليا المود الدستورية على أنها تشترط حصول مرشح رئاسة الجمهورية على أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب وهو ما حرم التيار الصدري وحلفائها من انتخاب رئيس للجمهورية إلا باستقطاب نواب الإطار التنسيقي أو المستقلين وهذا لم يحصل بسبب التوتر السياسي.

الضربة الثانية جاءت سريعة بمنع مرشح رئاسة الجمهورية هوشيار زيباري من الترشح، وهو المفضل لدى زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني.

ضربة للإطار وأخرى للتيار، يتصاعد التوتر ويتأخر تشكيل الحكومة، يستعرض هذا في الخضراء، والآخر على أبوابها، السلاح يتكدس في بغداد، والكل يتحدث عن الشرارة التي سوف تشعل الحرب الأهلية الشيعية.

يقدم التيار الصدري مبادرة لحل الأزمة عبر استقطاب المستقلين، ويرد الإطار التنسيقي بمبادرة أخرى، لكن لا يوجد حل، إنما الأمور تزداد سوءاً وتتعكر الأجواء الأمنية والسياسية ويسحق الدستور تحت رحمة القرارات السياسية.

تتلبد الغيوم، تنذر بانقلاب كبير، معركة الوجود تقترب، نواب التيار الصدري يستقيلون من البرلمان بأمر من زعيم التيار السيد مقتدى الصدر، انقلاب سياسي لم يتوقعه أقرب الناس إلى التيار الصدري.

يتم تعويض نواب التيار بآخرين من الإطار التنسيقي والقوى الأخرى، لكن الامور لا تسير بسهولة، متظاهرون من التيار الصدري يقتحمون المنطقة الخضراء ويستولون على مبنى مجلس النواب، يطالبون بحل المجلس وإجراء انتخابات مبكرة.

الانتخابات التي اعتبرت مزورة من قبل قوى الإطار التنسيقي انقلبت إلى انتخابات شرعية وعادوا للدفاع عن مخرجاتها، ومجلس النواب الذي كان ممثلاً للشعب كما يراه أنصار التيار الصدري صار مصدر تهديد وتخوف.

ليس هذا فحسب، بل أن الإطار التنسيقي كان من أشد المنتقدين للتيار الصدري بسبب تحالفه مع القوى السنية والكردية، لكن نفس الإطار انقلب على نفسه وعاد ليتحالف مع القوى التي اعتبرها فيما سبق عميلة لإسرائيل والإمارات.

آخيراً، تشكلت الحكومة تحت مظلة الإطار التنسيقي الذي شغل مواقع التيار الصدري بكل شيء، في مجلس النواب وفي التحالف مع حلفاء الصدر السابقين، مع وعود مكررة بالبناء والإعمار ومحاربة الفساد.

يختتم عام 2022 بظهور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني باستعادة ما يقرب من 300 مليار دينار من أصل (3.7 ترليون دينار) هو مجموع الأموال المسروقة من الأمانات الضريبية المودعة لدى مصرف الرافدين الحكومي.

وفي المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء شهدنا أو إعلان حكومي رسمي بإبرام صفقة مع المتهمين الرسميين، حيث تقوم الصفقة على اعادة الأموال للحكومة مقابل إصدار العفو عن المتهمين الأساسيين بالسرقة.

انتهت مهلة تسليم الأموال المسروقة، واختفى ملف سرقة الأمانات الضريبية والحكومة غرقت في إلهاء الناس بملفات هامشية أخرى.

لا يكفي قول كلمة انقلاب سياسي بحق عام 2022 بل يجدر بنا وصفه بعام التقلبات السياسية، تلقبات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، بين الدستور الذي سحق تحت رحمة القرارات الحزبية وبين قوى السلاح والمال السياسي، بين تهديدات الحرب الأهلية ومخاطر انهيار المنظومة السياسية.

عبرنا عام 2022 بكل مخاطره وتقلباته، لكننا ما زلنا نعاني من انهيار قيمة الدستور بسبب تعاظم القوة الحزبية معززة بالسلاح والمال والدعم الخارجي.

سوف ندخل عام 2023 وما يزال المواطن غير مطمئن لحالة الوضع الراهن، لا يدري ماذا يحدث غداً، فالدولة التي تتحكم بها أحزاب تضع سلاحها تحت الطاولة في كل حواراتها لا يمكن للمواطن أن يشعر في الأمان.

اضف تعليق