q
من أجل استمرار هذه الرقابة وعدم ترك السلطة التنفيذية تعمل بمفردها، تُحدد معظم الدساتير فترات زمنية لإجراء الانتخابات للبرلمان قبل انتهاء المدة الزمنية للدورة البرلمانية، لكيلا يكون هناك أي فراغ دستوري في عمل مؤسسات الدولة، تتحول الوزارة الى وزارة تصريف اعمال، ففي العراق حدد الدستور العراقي...

أثيرت الكثير من ردود الأفعال حول مقررات اجتماع مجلس الوزراء الثاني لوزارة السيد السوداني الذي عقد يوم الثلاثاء بتاريخ الأول من تشرين الثاني والخاص بإلغاء الأوامر الديوانية التي صدرت بعد الثامن من تشرين الأول سنة 2019، من قبل وزارة السيد الكاظمي، ومن أجل معرفة حيثيات هذا الإلغاء، تم إعداد هذه المادة للإحاطة بماهية هذه القرارات والاساس الدستوري والقانوني لها والسوابق لها.

في النظم الديمقراطية هناك قاعدة تقول لا مسؤولية دون رقابة، فكل مسؤول يأتي عبر الانتخابات لابد ان يخضع لرقابة الهيئة التي انتخبته، الوزارة تبقى تخضع لرقابة البرلمان الذي انتخبها، وحال انتهاء هذه الرقابة تنتهي الصلاحيات التي كان تتمتع بها عند انتخابها. وهذا ينطبق أيضا على مجلس النواب الذي ينتخب بشكل مباشر من قبل الشعب، يبقى هذا المجلس خاضع للقضاء الدستوري عندما يتجاوز على السلطات الأخرى وكذلك لرقابة عامة الشعب عندما تحين فترة الانتخابات التي تجري كل أربع سنوات وحسب كل دولة، فهناك من تُجدد الثقة بهم واخرين لا يحصلون عليها لعدم ثقة الشعب بهم.

ومن أجل استمرار هذه الرقابة وعدم ترك السلطة التنفيذية تعمل بمفردها، تُحدد معظم الدساتير فترات زمنية لإجراء الانتخابات للبرلمان قبل انتهاء المدة الزمنية للدورة البرلمانية، لكيلا يكون هناك أي فراغ دستوري في عمل مؤسسات الدولة، تتحول الوزارة الى وزارة تصريف اعمال، ففي العراق حدد الدستور العراقي ان تكون هذه الفترة قبل خمسة وأربعين يوما من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة (ثانيا، المادة 56) لكي يتسنى للبرلمان الجديد الانعقاد واختيار الحكومة دون الحاجة إلى ان تتحول الحكومة الى حكومة تصريف الاعمال.

ماهي حكومة تصريف الاعمال

هي الحكومة التي لا رقابة عليها من قبل البرلمان، وبالتالي لا تتمتع بالصلاحيات الكاملة التي كانت تتمتع بها سابقا، وهي تُعنى بتسيير أمور الدولة اليومية في حدودها الدنيا، وان لا يكون أي أثر سياسي او التزامات مستقبلية إزاء الوزارة التي تأتي من بعدها.

موقف القانون والقضاء

حدد النظام الداخلي لمجلس الوزراء لسنة 2019 بوزارة تصريف الاعمال بالنص التالي: يراد بعبارة تصريف الأمور الجارية اتخاذ المراسيم والقرارات والمقررات الادارية الضرورية والتدابير المستعجلة اللازمة لضمان استمرارية عمل مصالح الدولة ومؤسساتها، وضمان انتظام سير المرافق العامة.

ولا تندرج ضمن "تصريف الامور الجارية" التدابير التي من شأنها ان تلزم الحكومة المقبلة بصفة دائمة ومستمرة وخاصة المصادقة على مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية، وكذا التعيين في المناصب العليا.

اما المحكمة الاتحادية فعند الاستفسار منها حول وزارة تصريف الأمور اليومية فكان جوابها بتاريخ 17/5/2022 بالنص الآتي (... ولا يدخل من ضمنها القرارات التي تنطوي عن أسباب ودوافع سياسية ذات تأثير كبير على مستقبل العراق السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولا يدخل ضمنها اقتراح مشاريع القوانين وعقد القروض او التعيين في المناصب العليا للدولة والاعفاء منها او إعادة هيكلة الوزارات والدوائر).

السوابق في التعامل

إن أول وزارة تصريف الأعمال كانت في عهد وزارة الدكتور حيدر العبادي التي تحولت الى حكومة تصريف الأعمال عند تأخر تشكيل الحكومة بعد انتخابات سنة 2018، وقد اتخذت هذه الوزارة عدد من القرارات، فعند مجيء وزارة الدكتور عادل عبد المهدي ألغت جميع القرارات الممتدة من الأول من تموز ولغاية الرابع والعشرين من تشرين الأول لسنة 2018 والتي كانت أقل من مئة وعشرين يوما.

أما ثاني وزارة تصريف الأعمال كانت في فترة السيد مصطفى الكاظمي وهي أطول فترة على مستوى العديد من دول العالم فقد امتدت من الثامن من تشرين الأول وحتى 27 تشرين الأول 2022 أي تجاوزت السنة وعشرين يوما، وهي فترة طويلة نسبيا، فُرض على الوزارة السابقة اتخاذ العديد من القرارات وإبرام عدد من الاتفُاقيات من أجل تسيير أمور مؤسسات الدولة وتمشية مصالح الشعب.

ومن هذا يجب ان تُفهم إصدار قرار بإلغاء الأوامر الديوانية بعد 8 تشرين الأول 2021، بغض النظر عن طبيعة توجهات كل من المجلسين، فمن حق مجلس الوزراء الجديد ان يُعيد تعيين نفس الاشخاص او يستبدلهم بآخرين وكذلك بالنسبة الى عقد الاتفاقيات والالتزامات التي تؤثر على مسار الوزارة الجديدة وبرنامجها.

* نائب رئيس مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية

اضف تعليق