على الرغم من وجود عدة طرق وأســاليب لمكافحة ومحاربــة الفســاد، إلا أن طريــق مكافحة الفســاد اجتماعيــاً يبقى الطريــق المختصــر الــذي يمكــن ســلوكه، علــى اعتبــار أن البيئــة الاجتماعيــة هــي الوســط المثالي، الــذي يمكــن مــن خلالــه انتقــال وتمدد الظواهر الإيجابية والسلبية داخل المجتمع...

ان للتنشئة الاجتماعية أثراً كبيــراً وفعــالا فــي تحديــد أنماط ســلوك الإنســان، وفــي تشــكيل شــخصية هذا الإنســان وتكاملها، فمن خلال هذه التنشــئة يكتســب العادات والتقاليد والقيم السائدة فــي البيئة الاجتماعيــة التي يعيش فيهــا، ولهــذا عندمــا نعالــج أي ظاهرة ســلبية علينا الرجــوع أولا بعدهــا الاجتماعــي، نظــراً للتأثيــر الواضــح لهــذا الب جميع مناحي الحياة، وهكذا الحال في معالجة ظاهرة الفســاد بجميع أشــكاله وأنواعه.

وعلى الرغم من وجود عدة طرق وأســاليب لمكافحة ومحاربــة الفســاد، إلا أن طريــق مكافحة الفســاد اجتماعيــاً يبقى الطريــق المختصــر الــذي يمكــن ســلوكه، علــى اعتبــار أن البيئــة الاجتماعيــة هــي الوســط المثالي، الــذي يمكــن مــن خلالــه انتقــال وتمدد الظواهر الإيجابية والسلبية داخل المجتمع.

ومن المعروف أن لكل مجتمع نظامــه القيمي والأخلاقي الــذي يحدد وينظــم العلاقات بين أفــراد هــذا المجتمع، وقــد يحصل تغييــر أو تبــدل بمنظومــة القيــم الاجتماعية، نتيجة لتعرض المجتمع لهــزات عنيفــة، أو انعطافــات تاريخية حــادة، وعلى ضــوء ذلك تتم صياغــة القيــم والســلوكيات اللاحقة لأفــراد المجتمــع.

ونعتقد أن العراق كبلد ومجتمع ليس ببعيد عن هــذا التوصيف، فقــد تعرض هــذا المجتمــع إلــى أكثر مــن هزة وانعطافــة تاريخيــة خــلال حكــم الدكتاتوريــة، تمثلــت بالحــروب العبثيــة، والحصــارات المختلفــة، وما نتج عنها مــن تداعيات وتغيير سلبي لبعض السلوكيات والمفاهيم الاجتماعية، ومنها ضعف العلاقة التي كانــت تربط المواطن بالدولة، وهــذا الأمــر قــد أســهم بإفســاح المجــال لظهــور أعــراف وقيــم مرفوضة اجتماعياً، ومنها ظاهرة الفساد.

وقد اســتمرت هذه الحال بعد عملية التغيير بطرق وأســاليب مبتكرة. ولهــذا علينــا اســتهداف وتجريم الفســاد اجتماعيــاً، قبــل ان يكون هــذا الاســتهداف قانونيــاً، مــن خــلال نبذ هذا الســلوك المشــين، واعتبــار ظاهــرة الفســاد خلــلا اجتماعيــاً وبنيوياً، وعلــى الجميع محاربــة هذه الظاهــرة، وبالمقابل إشاعة المفاهيم التي تدعو إلى قيم النزاهــة، وتحفيز الحــس الوطني في نفوس المواطنــين.

ونعتقد لدينا الكثيــر من الوســائل التي تســاعد وتســهم فــي اتمــام هــذه المهمــة بنجــاح، ومنهــا المنابــر الدينيــة والإعلامية، والمنتديــات الثقافية، ومنظمــات المجتمــع المدني، وحتى المجالــس والدواويــن العشــائرية والمحافــل الاجتماعيــة، إضاقــة إلــى اســتغلال الــوازع الدينــي، والأخلاقي، والعــرف الاجتماعي، الذي يتمتع به أفراد مجتمعنا، لمنع الأفعال والتصرفات غير الحميدة، وفي المقدمة منها ظاهرة الفساد.

وهنا علينــا أن ندرك، أن الفســاد لم يعد اســتغلال الوظيفــة العامة لتحقيق مكاسب شخصية خاصة، على نحو مضــر بالمصلحة العامة، بل أخذ ينعكس ســلباً على منظومة القيــم الأخلاقيــة والثقافيــة فــي المجتمــع، ومعــول هــدم للكثير من الأعــراف والتقاليــد التــي تحكــم هــذا المجتمع، فضلا عــن أنه بات من أهم موانــع الإصلاح والتغيير، ناهيــك عمــا يقدمــه الفســاد من دعــم مــادي ومعنــوي للإرهــاب، بعــد أن أضحــى يمثــل الوجــه الآخــر للإرهاب.

لــذا فإننا بأمس الحاجــة إلى انتفاضــة كبرى ضد المفســدين، للتخلص من الفســاد هذه التركــة الثقيلة التــي تنوء بها مؤسســات ودوائــر الدولــة، بعــد أن تحــول الفســاد مــن ثقافة لدى البعض إلى عقيدة يعتنقها. وتبقى مهمــة مكافحة الفســاد واجتثاثه، مسؤولية وطنية، تضامنية.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق