المشكلة الأساسية لدى غالبية قوى الإطار التنسيقي هو اعتمادها على المناورات المؤقتة وتحقيق الانتصارات الآنية، بينما كان الأجدر بهم بناء قواعد للتفاهم لها رؤية طويلة الأجل، واتيحت لهم عديد الفرص سابقاً ولم يستغلوها حينما كانوا في أقصى درجات قوتهم، أما الآن وهم في حالة ضعف وضغوطات هائلة من الصعب...
على بركة الله أبحرت سفينة ائتلاف "إدارة الدولة". بهذه الكلمات أعلن هشام الركابي مدير المكتب الصحفي لرئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ولادة تفاهمات سياسية بين قوى الإطار التنسيقي والحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني مضافاً لهم القوى السنية بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس تحالف عزم خميس الخنجر.
يرى الإطار التنسيقي أن سفينته بدأت بالإبحار حقاً، والطريق نحو كافتريا مجلس النواب مفتوح لعقد أول جلسة بعد الحرب الأهلية القصيرة التي اندلعت قبل شهر من الآن (28-29 آب 2022) في المنطقة الخضراء إثر إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي واقتحام أنصاره السلميين والمدنيين المؤسسات السيادية في المنطقة الخضراء، إذ خلف الاقتحام أكثر من 35 قتيلاً بحسب الأرقام الرسمية، ولم تتوقف الحرب إلا في خطاب شديد اللهجة من قبل الصدر.
منذ ذلك اليوم الساخن بدأ الإطار التنسيقي بحوارات مكثفة، مستفيداً من حالة الهلع والخوف التي تملكت جميع القوى السياسية والشعبية من انزلاق الأوضاع إلى حرب أهلية فعلية بين القوى الشيعية، فقد أعلن رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي عن عقد جلسات حوار وطني لتجاوز الأزمة السياسية، وهو ما مثل متنفساً قوياً للإطار الذي كان يعاني من عزلة فرضها عليه زعيم التيار الصدري من خلال تحالفه مع الكرد والسنة، وبسبب هذا التحالف وتمسك أطرافه الكردية والسنية بضرورة عدم إهمال مطالب الصدر القاضية بحل البرلمان وعدم تشكيل حكومة جديدة يقودها الإطار، وقع الإطار في ورطة، لا يملك من يناصره لتشكيل الحكومة، بينما كان أنصار الصدر يسيطرون على البرلمان قبل استقالة النواب وبعد الاستقالة.
أما الآن فقد تغيرت الأوضاع لا سيما مع إعلان تحالف إدارة الدولة مع حلفاء الصدر السابقين تُرجم إلى طلب رئيس البرلمان محمد الحلبوسي تجديد الثقة له من قبل قوى الإطار التنسيقي، ووجود تأكيدات بأن ما يجري بالاتفاق مع زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر.
تبدو الأمور ماضية في تشكيل حكومة توافقية جديدة، يقودها الإطار، ويشارك فيها حلفاء الصدر السابقين من الكرد والسنة، وبالنسبة للإطاريين يمثل هذا انتصاراً كبيراً وتأكيداً لإسلوبه في إدارة أكبر أزمة سياسية وأمنية ضربت البلاد منذ سقوط النظام الديكتاتوري عام 2003 وحتى الآن.
النصر التكتيكي الذي حققه الإطار جعلت قواه تعتقد أنها قادرة على توظيف الفائض المالي من النفط كاستجابة لمتطلبات المرحلة الراهنة، وحل الإشكاليات التي نجمت عن ضعف الخدمة المقدمة للشعب بمختلف المستويات، وتوفير فرص العمل للعاطلين، أملاً في كبح جماع النشاط الاحتجاجي الشعبي والسياسي.
لكن ذلك لا يمكن أن يحدث بهذه السهولة النظرية، فتطبيق شعارات الإطار بحكومة الخدمة الوطنية سوف يصطدم بعدة معوقات وهي:
أولاً: الجدية والهدف الواضح، ينجح الإطار إذا كان معرضاً للضغط، أو يعمل كقوة مقاومة تعارض قوة أخرى، لكنه يفشل إذا كان هو الممسك بالسلطة، عندما ينتقل من المعارضة إلى السلطة، يتراكض أعضاؤه نحو سياسة المغانم وتقاسم المناصب.
ثانياً: عدم اليقين من الصدر وحلفائه، إذ لم تكن التفاهمات مع حلفاء الصدر إلا حالة مؤقتة، فما بعد تشكيل الحكومة إن حدث فعلاً سيكون أصعب من قبلها، سوف تزداد ضغوطات الصدر وحلفائه وأنصاره مطالبة الإطار للإيفاء بتعهداته السياسية وتعهداته للشعب.
ثالثاً: ضغوطات القوى الشعبية الناشئة وأبرزها قوى تشرين التي لا تقبل بالإطار سواء حقق منجزاً على أرض الواقع أم لم يحققه، فهو (أي الإطار) أحد أبرز الجهات التي يجب أن تغادر السلطة بدون رجعة.
رابعاً: مخاطر تفكك تحالف الإطار، فما يجمع قواه هو الخوف من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وما أن ينتهي هذا العنصر، ويمسكون بالسلطة، قد تحدث انشقاقات كبيرة وصراعات داخلية تسرع من وتيرة التفكك.
والمشكلة الأساسية لدى غالبية قوى الإطار التنسيقي هو اعتمادها على المناورات المؤقتة وتحقيق الانتصارات الآنية، بينما كان الأجدر بهم بناء قواعد للتفاهم لها رؤية طويلة الأجل، واتيحت لهم عديد الفرص سابقاً ولم يستغلوها حينما كانوا في أقصى درجات قوتهم.
أما الآن وهم في حالة ضعف وضغوطات هائلة من الصعب توقع التزامهم باستراتيجية طويلة الأمد، ما يوفر فرصة لتجدد مشكلاتهم ومعها مشكلات أكبر للعراق بشكل عام.
اضف تعليق