q
يوجه بعض الناس اللوم الى المحكمة الاتحادية في التسبب باحداث بعض الامور المربكة في الحياة السياسية. ومن هذه الامور شرط الثلثين في انعقاد نصاب الجلسة الاولى لانتخاب رئيس الجمهورية، تفسير الدستور هو احدى وظائف المحكمة الاتحادية حسب نص المادة (٩٣) من الدستور...

يوجه بعض الناس اللوم الى المحكمة الاتحادية في التسبب باحداث بعض الامور المربكة في الحياة السياسية. ومن هذه الامور شرط الثلثين في انعقاد نصاب الجلسة الاولى لانتخاب رئيس الجمهورية.

تفسير الدستور هو احدى وظائف المحكمة الاتحادية حسب نص المادة (٩٣) من الدستور التي تقول: "تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي: ثانيا:- تفسير نصوص الدستور."

والتفسير: هو الشرحُ والبَيان. تفسير القرآن الكريم: توضيح معانيه، وبيان وجوه البلاغة والإعجاز فيه، وشرح ما انطوت عليه آياته من أسباب نزول وعقائد وحكم وأحكام.

وفي لسان العرب "الفَسْرُ: البيان. فَسَر الشيءَ: أَبانه والتَّفْسيرُ مثله. وقوله عز وجل وأَحْسَنَ تَفْسيراً، الفَسْرُ: كشف المُغَطّى، والتَّفْسير كَشف المُراد عن اللفظ المُشْكل."

والتفسير لا يتضمن اضافة معنى جديد الى اللفظ المشكل، والا خرج عن معنى التفسير. فالتفسير يوضح اللفظ ويشرحه ويبين معناه بدون اضافة عنصر جديد عليه من خارجه.

والمحكمة الاتحادية لا تبادر الى تفسير النص الدستوري من عندها، بل لابد ان تُسأل عن النص. والسؤال يكشف عن أن السائل لم يفهم معنى اللفظ او العبارة الواردة في الدستور. فالتفسير يعني توضيح ما يدل عليه النص من معنى. اي دلالة النص. والدلالة موضوع يدرس في علم المنطق. وقد قسم المناطقة الدلالة الى ثلاثة انواع: عقلية وطبعية ووضعية. وقسموا الوضعية الى قسمين: لفظية وغير لفظية. وقسموا اللفظية الى ثلاثة انواع هي: المطابقية والتضمنية والالتزامية. وهذا يعني ان بمقدور العقل البشري ان يضع يده على الدلالات اللفظية للنص بانواعها الثلاثة، كونها كلها موجودة في النص باحد هذه الاشكال او كلها.

وفهم النص الدستوري يقتضي توفر الحد الادنى من معرفة ووعي موضوع "الدلالة" في علم المنطق، حتى يسهل على القاريء معرفة دلالات النصوص الدستورية بدون الوقوع في الخطأ. وكثرة اللجوء الى المحكمة الاتحادية دليل على عدم توفر هذا النوع من الفهم والوعي لدى السائلين وهم هنا المسؤولون الكبار بدءاً برئيس الجمهورية ومرورا بالنواب. وقد ادت كثرة الاسئلة حول النصوص الواضحة واجوبتها التفسيرية من قبل المحكمة الاتحادية الى اثارة البلبلة لدى الجمهور والقاء اللوم على المحكمة وعلى الدستور.

خذ مثلا نص المادة (٧٠/ اولا) من الدستور الذي يقول: "ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية، بأغلبية ثلثي عدد اعضائه".

والدلالة الاولى لهذه المادة ان المرشح يجب ان يحصل على تأييد ثلثي عدد اعضاء مجلس النواب كلهم والبالغ عددهم ٣٢٩، اي ٢٢٠ صوتا بالحد الادنى.

والدلالة الثانية لهذا النص، تضمنا والتزاما، هي انه يجب حضور ٢٢٠ نائبا بالحد الادنى لكي يتحقق نصاب الثلثين في الفوز، وهو نفس العدد المطلوب ليتحقق نصاب الجلسة الاولى لانتخاب رئيس الجمهورية. استخلاص هذه المعاني او الدلالات من نص المادة ممكن باستخدام الاليات المنطقية.

ولكن وبسبب النقص في فهم هذه الاليات، لجأ القوم الى المحكمة الاتحادية لتفسير هذا النص رغم وضوحه بجميع انواع الدلالات المنطقية، فما كان من المحكمة الاتحادية الا ان اجابت على السؤال في القرار ١٦ اتحادية ٢٠٢٢ بما يلي: "ينتخب مجلس النواب رئيسا للجمهورية من بين المرشحين لرئاسة الجمهورية باغلبية ثلثي مجموع عدد اعضاء مجلس النواب الكلي ويتحقق النصاب بحضور ثلثي مجموع عدد اعضاء مجلس النواب الكلي". وبالتأمل في هذا الجواب نجد انه لا جديد فيه لان كل دلالاته موجودة في نص المادة الدستورية، ولم يكن هناك حاجة الى توجيه السؤال الى المحكمة الاتحادية. فليس من المنطقي ان يطلب الدستور اغلبية اصوات ثلثي النواب دون ان يكونوا موجودين لتحقيق نصاب الجلسة، حيث لا توجد طريقة دستورية للتصويت دون ان يكون النائب موجودا بجسمه في قاعة البرلمان.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق