q
لك أن تتصور كم هي تكلفة إعادة بناء دولة مبنية على بيع وشراء المناصب والوظائف، ولا يدخل جهازها الإداري الوسطي والأعلى إلا الأقارب والأصدقاء والمنتمين للحزب، ميزان الترقي فيها غياب الجودة والتستر على الأخطاء ودفع الرشاوى، فعلاً إنها دولة مبنية على الفوضى وغياب القواعد وشيوع لغة القوة على حساب لغة القانون والقيم الوطنية الثابتة...

عام 2008 حققت شركة تويوتا اليابانية لصناعة السيارات أكبر إنجاز يحسب لصناعة السيارات اليابانية من خلال بيعها عدداً من السيارات جعلها أكبر شركات السيارات في العالم وأكثرها ربحية، وقد أدى ذلك إلى إفلاس اثنتين من أكبر الشركات الأمريكية المنافسة لها، هما جنرال موتورز وكرايسلر.

وفي عام 2009 كانت تويوتا تتباهى بتوفير 100 مليون دولار عن طريق اقناع مسؤولي السلامة بقبول تغييرات طفيفة في الجودة، لكن هذا التغيير البسيط أدى إلى حدوث مشكلة في التسارع غير المتعمد للسيارة.

ورغم وجود المشكلة في المكابح والتسارع غير المتحكم به، تركت الشركة السيارات تخرج من المصانع إلى السوق، بهدف جني الأرباح واستمرار تفوقها على الشركات المنافسة.

لقد سعت تويوتا إلى تقليل التكاليف إلى أقصى حد، من الأيدي العاملة والمواد الداخلة في صناعة السيارات، مما أدى إلى الإضرار بالنوعية والجودة، وفي النهاية وبدلاً من استمرار الصعود إلى القمة تعرضت للسقوط الحر عام 2010 فيما عرفت بأزمة "المكابح".

اضطرت إلى سحب أكثر من ثمانية ملايين سيارة من السوق، وكلفتها عمليات السحب وإعادة الإصلاح حوالي ملياري دولار.

أما الخسارة الأكبر فهي "السمعة والثقة"، التي انهارت بشكل غير مسبوق، بعدما كان اسم "تويوتا"، مرادفاً للجودة، باتت سياراتها غير مرغوبة في السوق، وتتعرض لعمليات فحص دقيق من قبل السلطات والهيئات الحكومية في أميركا وأوروبا وحتى في اليابان نفسها.

أزمة مثل التي حدثت لشركة تويوتا اليابانية تسببت بها تغيرات بسيطة، رغم أن الشركة تملك أفضل الإداريين والمهندسين والأيدي العاملة الماهرة، والمواد ذات الجودة العالية، مجرد تغييرات طفيفة تقلب الأمور رأساً على عقب.

وبالنسبة لنا كمواطنين نعيش في دولة مثل العراق لا نعتبر ما حدث لتويوتا مشكلة أصلاً فالشركة تستطيع إصلاح ما دمر سمعتها من خلال العودة للقيم التي كانت تحكمها منذ تأسيسها، وبفضل كوادرها الإدارية والفنية.

ما بالك لو كانت المشكلة ليست في المكابح فقط؟ ماذا لو كانت هناك عمليات توظيف بالواسطة للمهندسين العاملين على تصميم وإنتاج السيارات؟

ما الذي يحدث لو كانت المناصب الإدارية في الشركة تباع وتشترى لأناس لا يملكون المهارة الكافية لشغل المناصب، والسبب الوحيد الذي يسهل عليهم هذا الأمر هو المال الذي يدفعونه كرشوة للمسؤولين الآخرين.

هل تستطيع الشركة إعادة بناء سمعتها وثقة زبائنها من جديد، أم ستنهار وتختفي من الوجود؟

المؤكد أن أي مشروع يجب بناؤه على مجموعة من القواعد والأسس التي لا يمكن الخروج عنها، لأهداف آنية كتحقيق ربح سريع أو مكاسبة شخصية على حساب الجودة.

وإذا كانت هناك شروط صارمة في بناء وإدارة الشركات الصناعية، فإن الشروط نفسها تشدد عند الحديث عن بناء دولة يقطنها أكثر من 40 مليون إنسان، الشركة ورغم أهميتها الكبيرة، لكن انهيارها لا يؤدي إلى نفس الدمار الذي قد يتسبب فيه انهيار دولة كاملة.

لك أن تتصور كم هي تكلفة إعادة بناء دولة مبنية على بيع وشراء المناصب والوظائف، ولا يدخل جهازها الإداري الوسطي والأعلى إلا الأقارب والأصدقاء والمنتمين للحزب.

ميزان الترقي فيها غياب الجودة والتستر على الأخطاء ودفع الرشاوى، فعلاً إنها دولة مبنية على الفوضى وغياب القواعد وشيوع لغة القوة على حساب لغة القانون والقيم الوطنية الثابتة.

لن تسقط مثل هذه الدولة فحسب، بل تختفي من الوجود الآدمي بصفتها دولة حديثة، وتنتقل إلى حالة الإنسان الأول التي تحكمها شريعة الغاب ومنطق القوة والاستقواء بالمقربين والمتزلفين.

وفي حال التفكير بإعادة بنائها، ستكون التكلفة باهظة جداً، والنتائج غير مضمونة، مع شرط الجدية في الإصلاح، وعدم التركيز على جزء وإهمال الآخر، فالخطأ مهما كان صغيراً سوف تكون تكاليفه عالية، ومخاطره كارثية.

اضف تعليق