q
ان المشكلة الأكبر في التطبيق، وحتى لو تم تعديل الدستور الحالي، أو استبداله بدستور جديد، فمن يضمن تطبيق المواد الجديدة؟ ومن يضمن تعديل السلوك السياسي الخاطئ للقوى المتحكمة بمفاصل الدولة؟ ومتى تحتكر السلطة الرسمية القوة العسكرية التي تمثل المحرك الأول للعمل السياسي في عراق اليوم؟...

دستور العراق لعام 2005 ليس مثالياً، وفيه من الثغرات الكثير، لكنه ليس سيئاً بالمجمل، فيه من الفقرات الجيدة التي لو طُبقت ستغير المعادلات السياسية وتسهل علمية الانتقال إلى دولة أفضل حالاً مما هي عليه الآن.

نعم هناك مشكلات في الدستور، إلا أن المشكلة الأكبر في التطبيق، وحتى لو تم تعديل الدستور الحالي، أو استبداله بدستور جديد، فمن يضمن تطبيق المواد الجديدة؟ ومن يضمن تعديل السلوك السياسي الخاطئ للقوى المتحكمة بمفاصل الدولة؟ ومتى تحتكر السلطة الرسمية القوة العسكرية التي تمثل المحرك الأول للعمل السياسي في عراق اليوم؟

المادة التاسعة من دستور العراق لعام 2005، تُنْتَهَك وتُبْنى حولها أسوار الصمت من قبل غالبية القوى السياسية، وهناك شبه توافق شامل على عدم تطبيقها أو طرحها خلال الأزمات التي تضرب العراق كالعواصف الإسبوعية، لماذا؟ لانها تنص على الآتي:

أولاً:

أ‌- تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو إقصاء وتخضع لقيادة السلطة المدنية وتدافع عن العراق ولا تكون أداة لقمع الشعب العراقي ولاتتدخل في الشؤون السياسية ولا دور لها في تداول السلطة.

ب‌- يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة.

ت‌- لا يجوز للقوات المسلحة العراقية وأفرادها، وبضمنهم العسكريون العاملون في وزارة الدفاع أو أية دوائر أو منظمات تابعة لها، الترشيح في انتخابات لإشغال مراكز سياسية، ولا يجوز لهم القيام بحملات انتخابية لصالح مرشحين فيها ولا المشاركة في غير ذلك من الأعمال التي تمنعها أنظمة وزارة الدفاع ويشمل عدم الجواز هذا أنشطة أولئك الأفراد المذكورين آنفاً التي يقومون بها بصفتهم الشخصية أو الوظيفية دون أن يشمل ذلك حقهم بالتصويت في الانتخابات.

النص أعلاه لا يحتاج إلى فقيه دستوري لتفسيره، فالمادة واضحة وصريحة بشأن عمل القوات المسلحة إنها تقول: (حماية العراق من اختصاص القوات المسلحة الرسمية التابعة لوزارة الدفاع)، ووضعت لها خطوطاً حمراء لا يجوز تجاوزها وهي:

- لا تكون أداة لقمع الشعب

- لا تتدخل في السياسة

- لا دور لها في تداول السلطة

- لا يحق لأفراد القوات المسلحة الترشح للانتخابات

- لا يحق لأفرادها الترويج للمرشحين حتى بصفتهم الشخصية

- الحق السياسي الوحيد للعاملين في وزارة الدفاع هو التصويت الانتخابي

ليس هذا فحسب، بل وضع الدستور فقرة تحظر انشاء مليشيات مسلحة خارج إطار القوات المسلحة ولم تضع أي استثناء بهذا الشأن.

ماذا لو طُبقت المادة التاسعة؟

1- سيكون التصويت الخاص بالقوات المسلحة العراقية مستقلاً، ومتغيراً حسب قناعات الجنود العراقيين، وليس مضموناً كما يجري الآن، حيث تتسابق الجهات السياسية على إجبار القوات المسلحة التابعة لها أو الواقعة تحت سيطرتها للتصويت لمرشحين دون غيرهم.

2- تتوقف عمليات توظيف عناصر القوات المسلحة على أساس الولاء السياسي، وسوف يكون التوظيف على أساس مهني.

3- تتوقف عمليات استخدام القوات المسلحة في المظاهر السياسية للأحزاب والتيارات التي تتعكز على القفز بين أن تكون خاضعة للقانون أو لا حسب حاجتها وليس كما يفرض القانون.

4- سوف تختفي عشرات الجماعات المسلحة لجميع الأحزاب المشاركة في حكم العراق.

5- سوف تنخفض التدخلات الخارجية بالشأن الداخلي للعراق، لأن أغلب التدخلات تاتي عن طريق الجماعات المسلحة، أو بسبب وجودها تحت ذريعة موازنة تدخل الدول الأخرى.

6- قد تختفي أحزاب وتيارات سياسية محورية في حكم العراق، لأنها تيارات قائمة على فرض إرادتها عبر القوة، وعندما تختفي القوة من يديها تختفي هي أيضاً.

7- يقترب العراق أكثر من الحكم المدني، ونتخلص تدريجياً من الجيوش الموازية التي تتقلب بين الدفاع عن الدولة والدفاع عن الأحزاب التي تقف خلفها حسب الظروف التي تخدم مصالح أحزابها فقط.

العراق محكومة بالقوة العسكرية، وهذه القوة تقع في أغلبها تحت سيطرة أحزاب وتيارات سياسية ودينية لديها العديد من الذرائع التي تبرر خرقها للدستور، وتضمن من خلال قوتها سيطرة سياسية غير دستورية وقريبة حكم العصابات.

تعرف القوى الحاكمة الأهمية الكبيرة للمادة التاسعة بما يسهم في عملية التحول نحو الدولة المدنية، لكنها لا تفعلها، ولا تناقشها، فتطبيقها كمن ينفذ حكم الإعدام على نفسه، تطبيقها يعني نهاية حتمية للقوى الحاكمة بقوة السلاح.

اضف تعليق