q
لا تعالجها حكومات اغلبية أو تنعشها حكومات توافق، المشكلة أعمق من ذلك بكثير، المشكلة في سطحية الادارات وهزال ثقافة الحكم، وسنوات طويلة من البلادة التي هيمنت على كل شيء، توقف الزمن في العراق ومضى العالم مسرعا، المصلحون والمهمومون بتغيير الواقع، سرعان ما يصطدمون بكتل صلدة...

يشكو العراق من ضآلة فترات الاستقرار السياسي، فنحن امة مشتبكة في صراع وتنافس شديد على السلطة ومقاليدها، كل فئة وتيار وحزب وجماعة سياسية ، تظن أنها افضل من غريمتها في الادارة والحكم وتحقيق مصالح الدولة والجمهور، كل تاريخنا السياسي مطبوع بطابع العنف المسلح على مذبح السلطة وتقلد الزعامة من دون منافس، عندما جيئ بفكرة التوافقية والتوافق والمشاركة المكوناتية (نموذج ارندت ليبهارت) انتعشت الامال بخلاص العراقيين من ثقافة الاستبداد والمستبد الواحد، الى ثقافة التشاركية واسترضاء الجميع بالسلطة، والمساهمة بصنع السياسات.

بعد قرابة العقدين من الديمقراطية التوافقية الباهتة، تفتقت ذهنية المراقبين عن فكرة تقول ان مشاركة اقوياء المكونات الكبيرة والصغيرة سمحت بانتشار الفساد والمحسوبية وضعف الادارة وضياع الانجاز، ولابد من تفعيل ادوات الديمقراطية في المعارضة الحازمة والمراقبة الصارمة لمن بيده الحكم وإدارة الموارد، عند هذا المفترق اكتشف العراقيون ان صيغة ليبهارت اخفقت في انتاج جيل جديد من السياسيين يحرص على ممارسة فن الحكم بعيدا عن هواجس المصالح الحزبية والمكوناتية، انهم ممثلو جماعات في السلطة، وهدفهم هو تحصيل ما يمكن تحصيله دونما اكتراث لما يصيب الادارة والسياسات العامة وتوزيع الموارد والانفاق المالي من مشكلات، غرق العراق في بحر الفشل الحكومي.

فجاءت فكرة محاكاة النماذج الديمقراطية الناجحة بان يرضى الخاسرون في الانتخابات بمقعد المعارضة لكنهم ابوا لتجذر القناعة بان من يحكم سيفوز بالفرص، ومن لا يحكم سيكتفي بالصوت العالي في الاعلام وداخل اروقة مجلس النواب، المشكلة اذن في التوافقية وعدمها، وفي الحكومات الائتلافية ونقيضها، حكومات الاغلبية والاكثرية.

في الاسبوع الماضي اعادت المحكمة الاتحادية ومن قبلها المؤثرات الايرانية الامور الى نقطة البداية، لا كتلة اكبر معترف بها، وحتمية انتخاب رئيس الجمهورية من ثلثي أعضاء مجلس النواب (220 نائبا) عند هذا المنعطف السياسي تباعدت امكانية تشكيل كتلة الاغلبية الوطنية التي اثارت المخاوف والزوابع، ولاحت فرصة العودة الى التوافقية من جديد، فالامن القومي لبلدان الجوار النافذة، يحتم المحافظة على التوافقية والا تنفرد جماعة سياسية بالقرار الحكومي، عدنا الى حتمية التوافقية والسير على منوال الحكومات السابقة.

ماذا كان معولا على الاغلبية ان تصنع حتى يخشى من عودة التوافق؟ هل ثمة ملازمة بين الفساد وضعف الانجاز وبين حكومات التوافق؟ لماذا تنجح حكومات ائتلافية في غير العراق وتفشل في العراق الذي يبحث عن الاستقرار السياسي والامني وهما شرطا التنمية والازدهار؟ لا احد بامكانه الجزم بهذا التلازم، فعندما يتوافقون يتضامنون في التغطية على الفساد، وعندما يتمايزون بين سلطة ومعارضة لن يكون الفساد أخف وطأة على التنمية والناس، الفساد ثقافة مجتمع زادها رسوخا المجتمع السياسي الفاسد والمجتمع المدني الخاوي، ضعف الادارة وهدر المال وبيروقراطية السياسات.

لا تعالجها حكومات اغلبية أو تنعشها حكومات توافق، المشكلة اعمق من ذلك بكثير، المشكلة في سطحية الادارات وهزال ثقافة الحكم، وسنوات طويلة من البلادة التي هيمنت على كل شيء، توقف الزمن في العراق ومضى العالم مسرعا، المصلحون والمهمومون بتغيير الواقع، سرعان ما يصطدمون بكتل صلدة من اساليب ومناهج وافكار في التخطيط والتنفيذ والحوكمة والادارة ظلت تخنق كل ارادة اصلاحية ومنهج تغييري

المشكلة في صنع السياسات وعقول صانعيها ومن يتولى ترجمتها الى مشاريع عمل، اضمنوا استقرار معادلة الحكم والسلطة بغير منطق التغالب، سيستقر الحال ثم فكروا بتغيير أو اصلاح تدريجي، اما الثورية في الاصلاح والتغيير فقد فات اوانها في العراق، وكل ثورة ستواجه ثورة مضادة سلاحها العنف وعنوانها الاضطراب وادمان الشعارات ونتيجتها الفشل والدوران في ذات الزريبة.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق


التعليقات

محمد عبد الجبار الشبوط
رائع2022-02-10