من الأفضل ان يتم استثمار هذه الجائحة لتأسيس نظام دولي قائم على احترام الإنسانية ومبتعد الى قدر ما عن الصراعات، لكن الى الان لم يتغير وجه العالم، فلا تزال الحروب قائمة والمشاكل الاقتصادية والأمنية وغيرها في طريقها نحو التعقيد، السؤال الأهم هل ستنحسر العقوبات الدولية في ظل كورونا؟...

كلنا الآن كأفراد نعيش جملة من العقوبات، واهمها هو انتشار فيروس كورونا الذي أصبح المهدد الأكثر شراسة لحياة الإنسان، لكن هذه العقوبات ربما تكون مضاعفة على الشعب الإيراني، فهو الى جانب ذلك المرض يعيش تحت وقع العقوبات الأمريكية التي يصفها البعض بالقاسية.

ما يحدث في ايران وغيرها من دول العالم دفع بالجهود الدولية الى التحرك علها تخرج بنتائج إيجابية تخدم الظرف الراهن، اذ تشهد اروقة مجلس الأمن الدولي جهودا من اجل رفع العقوبات الدولية في ظل انتشار فيروس كورونا، يأتي بموازاة ذلك دعوة الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو كوتيريش قادة الدول مجموعة العشرين الى رفع العقوبات التي تعرقل الجهود الرامية للقضاء على الفيروس من الانتشار.

بينما تتعالى الأصوات في بعض الدول على ضرورة محاسبة الدول التي تستمر بفرض العقوبات في ظل الظروف الاستثنائية هذه، فهل تتجه الدول لتنحية الخلافات السياسية، ام انها ستتخذ هذا ألفيروس المستجد فرصة اخرى لممارسة المزيد من الابتزاز؟

لاشك ان هنالك جهود دولية واسعة لرفع العقوبات وبضمنها العقوبات الأمريكية على ايران، ولم يتوقف مجلس الأمن الدولي من تكمله هذه الخطوات، لكن ثمة مخاوف من ان تتبدد هذه الجهود ذلك لان العقوبات لم يفرضها المجلس لكي يقوم برفعها وإنما من فرضها هي الولايات المتحدة وهي وحدها من تقرر فيما اذا ارادت ان تخفف جزء منها لاسيما ما يتعلق بالأدوية والقواسم المشتركة بين الدول لمحاربة هذا الفيروس.

ففي المرحلة الحالية نجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يفكر بمنطقة بعيدة عن هذا التصور، فهو لا يزال يضع في حساباته الاقتصادية ولم يغلق بلاده حتى الثاني عشر من نيسان/ابريل القادم، بمعنى انه لا يريد ان يتأثر اقتصاد امريكا بصورة كبيرة وتحديدا في هذه المرحلة، وهذا الأمر ينبأ عن استمرارية الابتزاز المتبع من قبله لأغلب الدول ومن بيها ايران التي تعلق آمالها على شماعة الجهود الدولية في الوقوف الى جانبها.

هنالك بعض الامور يجب ان تكون حاضرة ونحن نتحدث عن إمكانية رفع العقوبات، فامريكا تقول ليس هنالك عقوبات فيما يخص استيراد الأدوية والمواد الطبية الأخرى، وهنا كلام صادق ولكنها في ذات الوقت تكذب وتظلل العالم، اذ لا تزال تفرض العقوبات على البنوك التي تتعامل مع الجانب الإيراني، وهو ما يجعل الإيرانيين غير قادرين على الاستيراد وستبقى المشكلة قائمة، كما الحال بالنسبة لتعامل البيت الأبيض عندما أراد ترحيل النفط الإيراني من الأسواق الدولية، قام بفرض عقوبات صارمة على الدول وأصبح في مكانه المتحكم الوحيد بمصير ايران، وقد تكون هذه التصريحات او الجهود ذات القشرة الطيبة هي في الباطن كلمة حق يراد بها باطل.

الرئيس الأمريكي يرى في العقوبات على الدول ومن بينها ايران بانها الحل الانجع تفاديا للوقوع بالمواجهة العسكرية، فهو لا يريد ان يكرر الخطأ الذي وقع فيه بحربه في أفغانستان والعراق، وأصبح يتعامل مع القضايا الدولية بذكاءه المعهود مجنبا امريكا المزيد من الخسائر البشرية والمادية، فهو لم يكن بعد اليوم بحاجة الى خوض الحروب، طالما يتحكم بالقرار على المستوى الدولي ولا تستطيع دولة معارضته سوى الدول العظمى، فهو يعرف ما يتمتع به من قوة على مستوى العالم ويتعامل مع الملفات الدولية من هذا المنطلق وتبقى المصلحة الأمريكية ويمكن ان نقول المصلحة الشخصية هي المهم وليس الاهم في جميع التحركات التي تحدث في الفترة الحالية.

العالم اليوم بحاجة الى المزيد من المرونة في التعامل، فلا ضرورة للتأزم باتخاذ القرارات والبشرية تواجه اخطر الأوبئة، وهنا على الطرفين الأمريكي والإيراني ترحيل بعض الخلافات الى وقت آخر والجلوس الى طاولة واحدة من اجل التخلص من عدو الإنسانية، فليس من المنطق ان تستخدم احدى الدولتين هذا الفيروس وسيلة ضغط على الأخرى، فان كلمة السر في هذه الأزمة هي المروءة في التعاطي مع الوضع الراهن وتنحية الخلافات السياسية للوصول بالرعايا الى شاطئ الأمان، لاسيما وان الهدف الأساس من الصراعات السياسية هو قد يكون لتوفير حياة افضل للشعوب، ومن هذا المنطلق على الطرفين وضع مصلحة الأفراد امام اعينهم والاستفادة من نقاط التوافق لعبور الأزمة.

في علم السياسة عندما تريد ان تحقق أهداف تتبع جملة من الأساليب، أهمها الضغط على الخصم لانتزاع المزيد من التنازلات وهذا ما تم اتباعه من قبل الولايات الأمريكية، اذ نجدها اشترطت على ايران ذات الشروط التي وضعتها في العام ألفين وخمسة عشر، بينما يمكن ان يعتبر مراقبون بان هذا التصرف هو ضرب من ظروب الابتزاز المتبع من قبل إدارة البيت الأبيض تجاه ايران، من اجل مد يد المساعدة لها في ظل تدني المستوى الاقتصادي وارتفاع مستوى التضخم نتيجة العقوبات المفروضة عليها، فضلا عن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الموقع بين البلدين، ما يعكس عدم صدق النوايا الأمريكية بان يعيش العالم حالة من السلام والاستقرار النسبيين.

امام المجتمع الدولي الآن فرصة ذهبية لتمزيق خارطة العلاقات القائمة على التناحر والتخاصم، والإتيان بأخرى تتماشى مع متطلبات المرحلة الحالية، فهل من الممكن ان يكون هذا الفيروس سبب في توحيد الجهود الدولية لمحاربته وتذويب الخلافات بين الأقطاب المؤثرة في المشهد الدولي؟.

فمن الأفضل ان يتم استثمار هذه الجائحة من اجل تأسيس نظام دولي قائم على احترام الإنسانية ومبتعد الى قدر ما عن الصراعات التي ذهب ضحيتها الملايين ولم يتغير وجه العالم نحو الأفضل، اذ لا تزال الحروب قائمة والمشاكل الاقتصادية والأمنية وغيرها في طريقها نحو التعقيد ، فهل هنالك من يغلب لغة العقل ويحافظ على النسيج الدولي من المزيد من التشظي؟.

اضف تعليق