لم يتمكن مبارك من كسر الصورة النمطية المتكونة عن الحُكام العرب، ولم يستطع أيضا ان يوفر حياة كريمة للمواطن المصري الذي قضى ردحا كبيرا من حياته يرزح تحت ركام الظلم والاضطهاد واللامبالاة من قبل الجهات الحكومية المنشغلة بملذاتها وترفيه نفسها بكل ما أوتيت من قوة...
لا يزال الشعب المصري لم يستوعب خبر وفاة الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك الذي لم يغادر مصر بعد تنحيته من قبل الجماهير المصرية في عام 2011، ذلك نتيجة تعرضهم لضغوطات وتقيدات رفعت من حجم معاناتهم وزادت من أحوالهم سوء.
ردود فعل متباينة من قبل شرائح الشعب، فمنهم من ترحم عليه ومنهم من اكال السب والشتم دون توقف، فمن ترجى الله ان يتغمده برحمته الواسعة هو من كان ينعم بالعيش الرغيد طيلة فترة الحكم الرئاسي لمبارك، ولم يكتوي بنيران العوز والفقر والحرمان من التمتع بالملذات من المأكل والملبس وغيرها.
بينما ودون شك الفئة الاخرى هي من تحملت اعباء الحكم غير العادل الذي كان ينهجه الرئيس مبارك خلال ادارته المؤسسات الحكومية، فمن الطبيعي ان تكون هذه النتيجة وردة الفعل من هؤلاء الذين يعدون انفسهم من المضطهدين.
ان مصر إبان حكم مبارك الذي بدأ مشواره بصبغة عسكرية، لم ترتح مع تقادم الأيام، فهو كغيره من القادة العرب بعدما يتمكن من إدواته يحكم شعبه بالحديد والنار، اذ استطاع وخلال فترة حكمه ان يؤسس لقاعدة جماهيرية واسعة مكنته من حكم البلاد دون منافس أو معارض.
وحتى ان وجد المعارض فلن يتمكن حتى الاقتراب من القصور العاجية التي شُيدت من أموال الفقراء، الذين لم يذوقوا طعم الحرية على مختلف المستويات.
ببساطة يمكن القول ان سايكولوجية الفرد العربي وتحديدا الحاكم لم تتغير منذ ان أبصرنا النور على هذه البسيطة، اذ نجد الجميع يسيرون بنفس الطريق ويتخذون نفس المنهج العدواني للشعوب والمخالف للقواميس الإنسانية، ولابد من طرح التساؤل هنا، لماذا يحكم القادة العرب بهذه الطريقة؟، هل لان الشعب يحتاج القوة بطبيعته؟، أم هنالك نزعة عدوانية في التركيبة الشخصية للفرد الحاكم المتأتية من طبيعة الانحدار من مجتمع البداوة؟.
لم يتمكن مبارك من كسر الصورة النمطية المتكونة عن الحُكام العرب، ولم يستطع أيضا ان يوفر حياة كريمة للمواطن المصري الذي قضى ردحا كبيرا من حياته يرزح تحت ركام الظلم والاضطهاد واللامبالاة من قبل الجهات الحكومية المنشغلة بملذاتها وترفيه نفسها بكل ما أوتيت من قوة.
لو أجرينا مقارنة بسيطة بين شخصية الحاكم العربي والحاكم في البلدان الأوربية، نجد هنالك بون واسع من الاختلاف، فالحاكم العربي يعتبر ان كرسي الحكم مملكته التي فضله الله بها عن الآخرين، بينما الأوربي يتخذ من الكرسي ذاته وسيلة لخدمة الجمهور العام ونقطة انطلاق نحو التقدم والتنمية في مختلف الميادين الصناعية والزراعية وغيرها.
بمجرد النظر للشعوب والبلدان العربية، والغربية تلحظ الاختلاف الكبير بين الحاكمين، إذ ان الأول يذهب في حكمه إلى منطق القوة وتغييب العقل، بينما الانموذج الثاني يسير في حياته السياسية وفق القوانين والخطط والتنموية التي تهدف لتقديم الأفضل للفرد بصورة خاصة والبلد بشكل عام.
الحاكم العربي الذي استبد في قرارته واتخذ من المال والقوة أدواته في احكام سيطرته، وقضى عقود يتحكم في مصير البلاد والعباد، وكأنه اصبح المندوب الإلهي لتمشية شؤون الرعية، فأخذ يبطش ويتصرف وفق أهواءه الشخصية ونظرته الضيقة التي لم تخرج عن المصلحة الشخصية وقد تبتعد في بعض الأحيان إلى الحاشية.
لكل إنسان لحظات اخيرة في هذه الحياة الفانية، ولكل فرد تفكير محدد في لحظات الاحتضار، فترى مالذي كان يجول في ذهن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك؟، فبعد هذه الرحلة الطويلة من المسؤولية امام الله أولا والشعب ثانيا، هل سيندم على ما قدمه لشعبه؟ أم ستأخذه العزة بالإثم حتى في سكرات الموت.
اضف تعليق