المجتمع نظام منصف للتعاون بين مواطنين احرار ومتساوين. ولكي يقوم المجتمع ويظهر الى الوجود لابد من توفر عناصره الاولية وهي: الانسان والارض والعلاقات التي تجمع بينهم، فهناك العلاقة الاجتماعية بين الانسان والانسان، وهناك العلاقة الطبيعية بين الانسان والأرض، ومن العلاقة الثانية تنشأ الوطنية...

المجتمع نظام منصف للتعاون بين مواطنين احرار ومتساوين. ولكي يقوم المجتمع ويظهر الى الوجود لابد من توفر عناصره الاولية وهي: (١) الانسان و(٢) الارض و(٣) العلاقات التي تجمع بينهم. فهناك (١)العلاقة الاجتماعية بين الانسان والانسان، و(٢) هناك العلاقة الطبيعية بين الانسان والارض. ومن العلاقة الثانية تنشأ "الوطنية". وهي (١) شعور بحب بقعة الارض التي يعيش عليها وعلى خيراتها الانسان، و(٢) اعتزاز بالانتماء الى هذه الارض، و(٣) اندفاع الى اعمارها واستثمارها وتطويرها لتكون مكانا لائقا للعيش الكريم، و(٤) اخيرا التزام واستعداد للدفاع عنها. وهذه هي عناصر الوطنية الاربعة بمضمونها قبل نشوء الدولة. فاذا نشأت الدولة صارت الوطنية ايضا (٥) شعورا بالانتماء الى الدولة، و(٦) نظاما للالتزامات المتبادلة بينها وبين المواطن. وبهذا المعنى تكون المواطنة هي العنصر الاول في بناء #الدولة_الحضارية_الحديثة، وتأتي بعدها العناصر الاربعة الاخرى وهي: الديمقراطية والمؤسسات والقانون والعلم والعمل.

والوطنية بهذا المعنى علاقة مباشرة بين الفرد والوطن والدولة. فلا يحتاج الفرد في علاقته مع وطنه ومع دولته الى جسر وسيط يربطها بهما. فالوطنية شعور والتزام فرديان مباشران بلا توسط. وحين نستخدم مصطلح "المصلحة الوطنية" فاننا نعني به ذلك الامر الذي يدركه المواطن بلا توسط لمصالح اخرى ثانوية قد تنشأ بفعل عوامل اخرى.

الاسرة والمجتمع (ومن ضمنه الاحزاب والمؤسسات المجتمعية بما فيها المؤسسة الدينية) والدولة مسؤولون عن تنشئة الفرد تتشئةً سياسيةً وطنيةً. وتعني هذه التنشئة زرع الافكار الست التي تتضمنها الوطنية في نفوس وقلوب وعقول الافراد الذين يتلقون هذه التنشئة في البيت والمجتمع والمدرسة.

تنشأ الاحزاب السياسية في الدولة الحضارية الحديثة لتعبر عن وجهات نظر مختلفة في ادارة شؤون المجتمع والدولة في اطار ركائز الوطنية المذكورة اعلاه. فمن الممكن ان تختلف الاحزاب البريطانية في مسالة البقاء في الاتحاد الاوروبي او الخروج منه، لكنها لا تختلف في اولوية المباديء الستة للوطنية. وهذا هو الحزب الوطني.

ولكن لاسباب معينة خاصة، كما هي الحالة في العراق، تنشأ احزاب سياسية "مكوناتية" تتراجع في ثقافتها السياسية فكرة الوطن والوطنية لصالح فكرة المكون، ويحل المكون، سواء كان انتماءً مذهبيا ام عرقيا ام غيره، محل فكرة الوطن والوطنية، او -في اهون الحالات-يصبح المكون وسيطا لربط المواطن بالوطن والدولة، وتضعف الوطنية بوصفها الرابط المباشر. وتصبح المصلحة المكوناتية، اي مصلحة الطائفة او القومية، هي الحاكمة على المصلحة الوطنية، اذا بقي لهذا المصطلح وجود وحضور في شعور الفرد وعمله السياسي.

الرائد لا يخدع اهله. هذه هي احدى ابرز المشكلات التي نعاني منها في العراق. وهي مشكلة قديمة لاحظها الملك فيصل الاول وحاول معالجتها لكنها فشل، وجاء البعث فكرسها باطروحته العنصرية الشوفينية وممارساته القمعية وقسوته، وما ان انهارت الدولة الشكلية التي شيدها صدام من ورق و انكشف الغطاء صبيحة التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ حتى لاذ الشيعي بشيعيته والسني بسنيته والكردي بكرديته، ولم ينجُ الا من لاذ بعراقيته التي كانت في اشد حالات وهنها وضعفها وعدم فعاليتها. وهكذا بدات مسيرة بناء "الدولة الجديدة" التي لم تكن سوى سلطات مكوناتية متفرقة يجمعها على وهن وضعف اسم "جمهورية العراق" ومنه نشأت المحاصصة، والتوافق، والاستحقاق الانتخابي، والتوازن الوطني، والفضاء الوطني، وهي كلها مصطلحات خادعة اريد من ورائها التغطية على الحقيقة المرة وهي: غياب الوطنية، ان الحراك نحو د ح ح يتطلب استعادة الوطنية لتكون اساسا متينا لبناء الدولة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق