q
يعيش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حالة من التفاخر امام جمهوره المحلي، والراي العام العالمي، لشعوره بانه يحقق الانتصار تلو الاخر في المجالات الداخلية والخارجية، اذ احتفل قبل أيام بنقل سفارة الولايات المتحدة الامريكية الى القدس، وهو الحدث الأكثر أهمية لحكومته، ليتبعها بالاحتفال بتمزيق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبنود الاتفاق النووي الإيراني، وشروط وزير الخارجية بومبيو التي هدد فيها طهران من مغبة عدم تنفيذها...

يعيش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حالة من التفاخر امام جمهوره المحلي، والراي العام العالمي، لشعوره بانه يحقق الانتصار تلو الاخر في المجالات الداخلية والخارجية، اذ احتفل قبل أيام بنقل سفارة الولايات المتحدة الامريكية الى القدس، وهو الحدث الأكثر أهمية لحكومته، ليتبعها بالاحتفال بتمزيق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبنود الاتفاق النووي الإيراني، وشروط وزير الخارجية بومبيو التي هدد فيها طهران من مغبة عدم تنفيذها.

وعلى خطى نتنياهو يعيش ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان نفس حالة الانتصار على العدو القوي "إيران"، وهما على قناعة بان الأسلوب الذي يتبعه ترامب هو الأنسب لردع طهران، وإيقاف تحركاتها في المنطقة على حساب مصالح هذه الأطراف الثلاثة (أمريكا، وإسرائيل، والسعودية).

وفي هذه الأجواء الاحتفالية من الحلف المعادي لايراني؛ تثار تساؤلات عدة حول حقيقة هذا السلوك السياسي، ومدى تطابقه مع الواقع وتوازن القوى في المنطقة؟ وهل فعلا ستؤدي عقوبات إدارة ترامب على انهيار ايران وخروجها من معادلات المنطقة؟

للإجابة على هذه التساؤلات نستحضر ثوابت السياسة الامريكية في المنطقة، والتي تقوم على ثلاثة مرتكزات أساسية، وهي امن الخليج والطاقة، وامن إسرائيل، ومحاربة الجماعات الإرهابية.

وفي السنوات الأخيرة التي تلت احداث الربيع العربي ازدادت مخاطر التهديدات الإرهابية حتى أصبحت وكانها وحش لا يقهر، ومثلت خطرا عالميا يهدد كل مكان في المعمورة، ما جعلت الولايات المتحدة الامريكية تحشد الجميع للمشاركة في محاربة هذه الجماعات وعلى رأسها داعش، ورغم انها لم تدعو ايران بشكل علني لكنها بسطت يدها بشكل كبير في العراق حتى انها كانت تقدم الغطاء الجوي للفصائل العراقية الموالية لإيران والتي استطاعت سحق داعش في مدن تكريت والانبار والموصل.

وفي سنوات الحرب تراجعت واشنطن على مسالتي امن الخليج وامن إسرائيل لصالح الحرب على الإرهاب، حتى انها اتهمت دول الخليج بدعم الجماعات الإرهابية، واتهمت واشنطن بانها تريد التقرب الى طهران على حساب الخليج من خلال السماح لها ببسط نفوذها بحجة الحرب على الإرهاب، وتوج ذلك التعاون غير الصريح بابرام الاتفاق النووي مع ايران والذي اعتبر انتصارا للدبلوماسية الدولية.

هذه الاتفاق النووي وسع الفجوة بين واشنطن وحلفائها في المنطقة وقربهم مع بعضهم البعض (السعودية والامارات من جهة وإسرائيل من جهة أخرى)، وظلت هذه الدول تؤكد مرارا على ان الاتفاق النووي يمثل صفقة كارثية يجب الغاؤها دون ان تقدم بديلا حقيقيا في حال عادت ايران لتخصيب اليورانيوم وربما انتاج أسلحة نووية او على اقل تقدير تطوير صواريخ عالية الدقة وبمديات أطول تهدد امن جميع دول المنطقة.

كما ان الغاء الاتفاق بالإضافة الى الشروط الاثني عشر التي قدمها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لا يمكنها ردع ايران بقدر ما ستساعد المتشددين داخل الجمهورية الإسلامية للهمس باذن الرئيس روحاني وفريقه المفاوض بمقولة (الم نحذركم من التفاوض مع الشيطان الأكبر!).

فرض العقوبات بصيغتها الحالية يكشف عجزا حقيقيا من قبل إسرائيل التي ارادت اشعال الحرب في الجبهة السورية دون ان تحصل على هذه الفرصة، فايران التزمت الهدوء في الرد، رغم الخسائر الكبيرة في جنودها الا انها تعلم انه في حال اشتعال الحرب ستخسر عشرات اضعاف ما خسرته في ضربات ابرزتها كدولة معتدى عليها.

ما يجعل احتفال إسرائيل والسعودية بإلغاء الاتفاق النووي في غير محله هو التضامن الدولي الواسع مع طهران، ليس من قبل روسيا والصين فقط وانما من دول الاتحاد الأوربي مجتمعة والتي يفترض وقوفها في المعسكر الأمريكي، ما ينذر بتحولات لا تصب في مصالح الخليج وإسرائيل، فالاتحاد الأوربي ناقم من سياسة ترامب وكل من يقف الى صفه، وهذه النقمة ستتحول بمرور الأيام الى سلوك معارضة لمختلف السياسات الامريكية وهو سيعرقل بشكل او باخر تنفيذ ما تصبو الى تحقيقه وهو لا يتعدى حماية امن الخليج وامن إسرائيل.

وعلقت مجلة فورين بوليسي الامريكية قائلة ان فريق ترامب ليس لديه خطة أو استراتيجية لكيفية إرغام إيران على القيام بأي شيء من الأشياء التي قدمها بومبيو، ومما يزيد الطين بلة أن البيت الأبيض لا يبدو أنه سيكون قادراً على التعاون مع أوروبا من أجل تطبيق عقوباته على إيران؛ بسبب الطريقة التي تعاملت بها إدارة ترامب مع الصفقة الإيرانية في الأشهر الأخيرة.

وفي هذا الشأن يعتبر الكاتب صاموئيل راماني في مقال له بمجلة ناشيونال انترست، أن فرحة السعودية بانسحاب الولايات المتحدة من صفقة النووي مع إيران لن تدوم طويلاً، مشيراً إلى أن هذا الانسحاب يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التوترات الكامنة بين السعودية وحلفائها الإقليميين، وأيضاً يشجع إيران على الانخراط في سياسات عدوانية تقوض أمن السعودية وتُضعف نفوذها.

والضرر الذي سيلحق السعودية سيكون قابلاً للزيادة فيما لو قررت إيران الرد على انسحاب ترامب من الاتفاق النووي بإعادة تخصيب اليورانيوم، "صحيح أن إيران تعهدت بالالتزام بـ(خطة العمل المشتركة)، إلا أن الرئيس الإيراني حسن روحاني رفض أيضاً فكرة استبعاد إعادة إحياء جهود إيران في تخصيب اليورانيوم". بحسب ما يقول راماني.

تستفيد السعودية وإسرائيل من الدعم الذي يوفره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو شخص متقلب المزاج يمكن ان ينقلب عليهم في أي لحظة، وقال في حديث له ان الخليج لا يمكن ان يصمد اكثر من أسبوعين في حال تخلي واشنطن عنه، وبالنسبة لإسرائيل فيكفيها من المشاكل الكثير، بينما استفادت ايران من الاتفاق النووي حتى لو انسحب الجميع منه باظهار بنفها بانها الدولة الملتزمة والقادرة على الانخراط في المجتمع الدولي وهذا اكبر غاياتها في الفترة الحالية، فهي تطمح للحصول على الاعتراف الدولي بها كقوة إقليمية فاعلة في قضايا الشرق الأوسط.

اضف تعليق