سألت الامام الشهيد محمد باقر الحكيم رحمه الله حول الاختلاف بين العمل السياسي خارج العراق والعمل داخله، ومن هي قاعدة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق داخل البلاد؟

كان ذلك في جلسة غير رسمية جمعتنا في حضرة السيد الحكيم على هامش المؤتمر الموسع للمعارضة العراقية المنعقد في الرياض في نوفمبر عام 1992، وبحضور عدد من شخصيات المعارضة منهم الشيخان كاظم الريسان وحسين الشعلان والدبلوماسي ارشد توفيق والفريق الركن عبد الامير عبيس والفريق الراحل ابراهيم الداوود والاستاذ هاشم شبيب والعقيد الركن حسين الجبوري وهو جانب من الحضور الواسع جدا الذي شهده المؤتمر انذاك.. التفّ سماحة السيد على سؤالي المباشر بفطنته قائلا: المسلمون هم قاعدة الاسلام السؤال قد يصح على الاحزاب الاخرى، اما الاسلام فهو بحد ذاته ثورة، ونحن في المجلس الاعلى سنبقى كما نحن سواء كنا في الحكم ام بقينا نقاتل ضد الديكتاتورية.

السياسة والمرجعية

بعد عشر سنوات من هذا التصريح ومع بوادر الحرب على العراق والحراك الامريكي داخل المعارضة لاستقطابها في دعم الحرب واسقاط صدام، تصلبت المواقف حتى انفرجت بموافقة المجلس الاعلى على التعامل مع الولايات المتحدة في هذا الشأن، وهي موافقة كانت مدوّية اشارت حينها الى حتمية شن الحرب واسقاط صدام لاسيما بعد زيارة ممثل المجلس آنذاك الراحل السيد عبد العزيز الحكيم رحمه الله الى واشنطن في اغسطس اب عام 2002...

متغيرات كثيرة ومواقف وعلاقات وتعاطي مباشر مع المصالح السياسية والتحالفات والمعلن والباطني من المشاريع الداخلية والخارجية عقب ذلك، ليس مجال سردها الآن، لكنها جعلت من عنوان (الثورة الاسلامية في العراق عبئا على مجلس قيادة هذه الثورة الاعلى) فقد اصبح الاسم ذاته بمثابة حجة ضد منتسبي المجلس مع اي تحركات او مساومات او تحالفات سياسية.

هذا العبء كان لابد لآل الحكيم تحديدا ولاتباع المجلس السياسيين التخلص منه، اولا لكونه اصلا ليس حزبا، بل هو جامع احزاب وحركات أنشأ في ايران لاحتواء جهود جميع الاحزاب الاسلامية التي تحارب نظام صدام آنذاك، وقد انفرط عقد هذا المجلس مرارا بسبب الانسحابات واختلاف المواقف بين اعضائه وهو تاريخ ممكن استعراضه في وقت آخر مناسب.

والامر الثاني، ان خيمة ال الحكيم المرجعية الدينية، أفادت وتضررت منه في آن واحد، افادت لان اسمها وحده أصبح سببا للتعبئة الجماهيرية خاصة بين العشائر بداية الاحتلال، وتضررت لان التصلب السياسي والفشل الاداري لاسيما مع عدم محاسبة الفاسدين والذين افادوا من مناصب وحصص المجلس وتغيرت احوالهم بعد نيسان عام 2003 اصبح يأكل من جرف المرجعية وسمعتها بين الناس. لذلك كان لابد من القيام بانتفاضة داخل المجلس، اولا بتغيير اسمه وازالة العبء عن كاهل العاملين تحته، وثانيا بتطهير مرجعية ال الحكيم من فساد ورذيلة العمل السياسي في العراق.

شطب الثورة

بعد ان تقرر تغيير اسم المجلس، حدث جدل قاده لغويون وخطباء ومحترفو كلام من اعضائه حول الاسم البديل. فتم اقتراح (المجلس الاسلامي) لكن كلمة (الاعلى) فرضت نفسها باعتبارها الاكثر تداولا في الاعلام، فتم التغيير الى المجلس الاسلامي الاعلى... ثم المجلس الاعلى الاسلامي الذي خلا من الثورة ليصبح "منسجما مع النظام السياسي الجديد في العراق المبني على أساس الدستور والتداول السلمي للسلطة والانتخابات الشعبية الحرة".. كما نص بيان المجلس المنبثق عن مجلس الشورى المركزية في مؤتمر المجلس الذي عقد بايار مايو 2007.

جيل جديد

مع قيادة السيد عمار الحكيم للمجلس لم تعد الازمة في الاسم فقط بل تعدت ذلك الى تداخل اجيال واعمار منتسبي المجلس، الذين انقسموا بين صقور وحمائم طاعة عمياء من قبل الحمائم الجدد وسكوت عن التصريحات والاخطاء ولزوجة العجائز ازاء المناصب والمكاسب التي ظلوا يتفردون بها حتى وهم خارج السلطة، فضلا عن وقوفهم ازاء اية مبادرات متحركة تتطلب ليونة وتسويات ومراجعات على وفق المستجدات السياسية. فالعراق اليوم يشهد ظهور جيل مختلف جدا في التفكير والرؤيا عن السابقين الذين هرموا ومازالوا يعترفون بالفشل ويصرون على مواصلة العمل السياسي متحملين شتى انواع التهوين والانتقاد.

التغيير بالاعتزال

لكن السيد عمار مهما كان جريئا، لن يستطيع القيام بتغيير ثان جوهري على اسم المجلس، لاسيما وان المشكلة كما اسلفنا ليس في الاسم حسب، فقرر هو واصحابه الاعتزال والهجرة من (المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق) اسما ومسمى هجرة بائنة تامة لاريب فيها. باحثا مع حمائمه الذين سيصبحون خارج المجلس صقورا عن فضاء سياسي جديد يستوعب طموحهم في لعب دور سياسي اكبر مما هم عليه الان.

المجلس الاعلى بدون شخص من أل الحكيم لن يظل حكيميا، وان سيد عمار اينما حل سيحمل عبء جده وعمه وابيه الى الابد. وعليه سترى المجلس بكل تفاصيله والمؤسسات التابعة له والفصائل الملحقة به سياسيا وعسكريا واعلاميا والاتباع الشباب خاصة يهاجرون معه من المجلس الى (الحكمة).. لاسيما وأن هذا الاسم هو الاسم التقليدي القديم لمدارس ووقفيات المرجع السيد محسن الحكيم يجهز به السيد عمار على عنوان ظل مثيرا للجدل خمسة وثلاثين عاما، وبذلك يمكن اختصار كل ماحدث من اجراءت غاية في الشطارة بما يلي: إحالة اعضاء سابقين الى التقاعد، واجتثاث (الثورة الاسلامية في العراق).

* عبد الحميد الصائح، كاتب صحفي عضو ملتقى النبأ للحوار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق