في ديمُقراطيَّتنا فإِنَّ الصَّوت الإِنتخابي لا علاقةَ لهُ بفَوزِ أَو خسارةِ المُرشَّح، فالتَّنافس الحقيقي ليسَ في صندُوق الإِقتراع أَبداً، ولذلكَ يتساءَل النَّاخب؛ لماذا عليَّ، إِذن، أَن أُدلي بصَوتي إِذا لم يكُن حاسِماً في الفَوزِ والخسارةِ أَو في تشكيلِ الكُتلةِ الأَكبر؟!. إِنَّ القانُونَ الإِنتخابي الذي يتحدَّد بموجبهِ الفائزَ من...

١/ غِيابُ العدالةِ على مُستويَينِ؛ القانُونُ والفُرصةُ

 فقانُون الإِنتخابات ظالِمٌ وغَير مُنصِف [كما وصفهُ المرجِعُ الأَعلى].

 لِماذا؟! لأَنَّ مبناهُ [الكُتلة] وليسَ المُرشَّح، ما يعني أَنَّ الذي يفوزُ بمقعدٍ نيابيٍّ لا يُحقِّق ذلكَ بصَوتِ النَّاخب وإِنَّما بأَصواتِ القائِمةِ ولذلكَ فهوَ مدينٌ بفَوزهِ لوليِّ نعمتهِ [زَعيم القائِمة] وليسَ للنَّاخبِ!.

 والقانونُ يُتيحُ عمليَّة نقل الأَصوات من مُرشَّحٍ لآخر، أَي يُشرعِن عمليَّات السَّطو على الأَصواتِ وسرِقتِها! وعلى قَولِ الخطيبِ الحُسيني المُبدِع الشَّيخِ الإِبراهيمي [صارَ لنا ٢٠ عاماً ننتخِب أَحمد يفُوزُ محمُود]!.

 أَمَّا غِيابُ العدالةِ على مُستوى الفُرصةِ فإِنَّ انعدامِ الشفَّافيَّة في صرفِ الأَموالِ على الحَملاتِ الإِنتخابيَّةِ وعدمِ تطبيقِ قانُونِ [مِن أَينَ لكَ هذا؟!] خلقَ فَجوةً واسِعةً جدّاً من [الطبقيَّةِ الإِنتخابيَّةِ] بينَ المُرشَّحين فتحوَّلَ المالُ الإِنتخابي إِلى (دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ)!.

 فأَينَ ستجِدُ [عدالةَ الفُرصةِ] بينَ [زعيمِ] تحالُفٍ إِنتخابيٍّ يعيشُ على تقاعُدِ أَبيهِ [المرحُوم] وآخر يتصرَّف بالأَموالِ الطَّائِلةِ التي سرقها من [الدَّولةِ] خلالَ مُشاركتهِ بالعمليَّةِ السياسيَّةِ؟!.

 ٢/ في ديمقراطيَّتِنا فقَط فإِنَّ المُخرجات لا علاقةَ لها بالمُقدِّماتِ.

 فمُخرجاتِ العمليَّةِ الإِنتخابيَّةِ لا عِلاقةَ لها بمُقدِّماتِها، وعلى مُستوَيَينِ؛

 الأَوَّل؛ تسمِيةُ الرِّئاسات الثَّلاث فهي لا تعتمِدُ على النَّتائجِ الرَّسميَّةِ لصُندُوقِ الإِقتراعِ، والتي تكشِفُ عادةً عن الأَوزانِ الحقيقيَّةِ لكُلِّ حزبٍ أَو تيَّارٍ أَو تحالُفٍ أَو ائتلافٍ، فكُلُّ ذلكَ لا يتمُّ الأَخذَ بهِ عندما تتفاوَض القُوى السياسيَّة لتشكيلِ الرِّئاساتِ الثَّلاث، وإِنَّما يتمُّ الإِعتمادُ حصراً على ما يسمُّونهُ [بِدعةً] بالأَوزان الواقعيَّة أَي ما يتمتَّعُ بهِ كُلَّ طرفٍ من تاريخٍ نضاليٍّ مثلاً أَو حضُورٍ إِجتماعيٍّ أَو دينيٍّ أَو عشائريٍّ أَو ما إِلى ذلكَ.

 وبكَلمةٍ مُختصرةٍ فإِنَّ المُخرجات تعتمِدُ على التَّوافُقاتِ التي تعتمِدُ على العلاقاتِ العامَّةِ التي تستنِدُ إِلى الإِمتداداتِ الإِقليميَّة والدَّوليَّة!.

 الثَّاني؛ هويَّة المُقدِّمات [التَّصويت] وطنيَّة أَمَّا المُخَرجات فمُكوِّناتيَّة، وهوَ أَمرٌ يتناقَض بشَكلٍ صارخٍ مع الدُّستور والدِّيموقراطيَّة، فمِن أَينَ جاؤُوا ببدعةِ توزيعِ الرِّئاسات بطريقةٍ مُكوِّناتيَّةٍ فأَوجبُوا أَن يكونَ رئيس الجُمهوريَّة كُرديّاً ورئيس الحكومةِ شيعيّاً ورئيس البرلمان سُنيّاً؟!.

 إِنَّ المواد الدستوريَّة [٥٥، ٧٠ و ٧٦] تنصُّ على انتخابِ الرِّئاساتِ الثَّلاث تحت قُبَّةِ البرلمانِ بالتَّصويتِ السرِّي المُباشِر، ولم تتحدَّث أَبداً أَو تُحدِّد خلفيَّة المُرشَّح الدِّينيَّة أَو المذهبيَّة أَو الإِثنيَّة أَو حتَّى السياسيَّة والحزبيَّة.

 إِنَّهم يُمارسُونَ التَّضليل في لُعبةِ تسمِيةِ الرِّئاساتِ من خلالِ تقاسُمِها بمفهُومِ السلَّةِ الواحدةِ ليضمِنَ ساسَةُ كُلَّ [مُكوِّنٍ] حصَّتهُ مِنها بغضِّ النَّظرِ عن أَوزانِ القُوى السياسيَّة التي تُفرِزُها الإِنتخاباتِ والتي تُمارِسُ لُعبة التَّضليل!.

 ٣/ في النُّظُمِ الديمقراطيَّة فإِنَّ التَّنافسَ بينَ المُرشَّحينَ يكونُ على الصَّوتِ الإِنتخابي الواحِد، أَمَّا في ديمقراطيَّتنا فإِنَّ [مليَونَ] صوتٍ إِنتخابيٍّ لا قيمةَ لهُ! وهذا أَحدُ أَهمِّ أَسبابِ غَيابِ الحماسِ لدى النَّاخب.

 إِنَّ الصَّوت الإِنتخابي الواحِد يُحدِّد ما يلي؛

 * الفائِز والخاسِر في السِّباق الإِنتخابي.

 * الكُتلة النيابيَّة الأَكثرُ عدداً التي تشكِّل الحكُومة والأُخرى الأَقلُّ عدداً التي تُشكِّل المُعارضة النيابيَّة البنَّاءة التي تُراقب وتُحاسب وتُعاقب.

 أَمَّا في ديمُقراطيَّتنا فإِنَّ الصَّوت الإِنتخابي لا علاقةَ لهُ بفَوزِ أَو خسارةِ المُرشَّح، فالتَّنافس الحقيقي ليسَ في صندُوق الإِقتراع أَبداً، ولذلكَ يتساءَل النَّاخب؛ لماذا عليَّ، إِذن، أَن أُدلي بصَوتي إِذا لم يكُن حاسِماً في الفَوزِ والخسارةِ أَو في تشكيلِ الكُتلةِ الأَكبر؟!.

 إِنَّ القانُونَ الإِنتخابي الذي يتحدَّد بموجبهِ الفائزَ من المُرشَّحينَ على أَساسِ حسابِ أَعلى الأَصوات هو الذي يملكُ فيهِ النَّاخب القُدرة على تحديدِ الكُتلةِ النيابيَّةِ الأَكثرِ عدداً، كما وردَ في المادَّةِ [٧٦] من الدُّستور، أَمَّا القانُون الذي يفُوزُ فيهِ المُرشَّح بأَصواتِ القائمةِ فإِنَّهُ يسلُب الحقَّ الدُّستوري والقانُوني والشَّرعي من النَّاخب في تسميتِها لصالحِ زعاماتِ الأَحزابِ والكُتلِ والتَّحالفاتِ السياسيَّةِ التي تبنِيها بمعاييرِ [المذهبيَّةِ] و [الولاءِ للغُرباءِ] وليسَ بمعيارِ [الولاءِ الوطني] ولذلكَ نُلاحظ أَنَّ [...] ينضمُّونَ ويضمُّونَ لها مَن هوَ على شاكلتهِم من نوَّابِ المُكوِّن الأَكبر وليسَ كُلَّهُم، ولهذا السَّبب رأَينا أَنَّ الكُتلة النيابيَّة الأَكثرُ عدداً التي سمَّت المُرشَّح لتشكيلِ الحكومةِ الحاليَّةِ تشكَّلت من [١٣٨] نائباً فقط وليسَ من كُلِّ نوَّاب [المُكوِّن الأَكبر] والذي يتجاوَز مجموعَ عددهِم [١٨٠] نائباً.

 إِذا لم يتيقَّن النَّاخب مِن أَنَّهُ صاحبُ الحَقِّ الحصري في تسمِيةِ الكُتلةِ الأَكبرِ وبالتَّالي صاحب الحقِّ الحصري في تسمِيةِ المُرشَّحِ لتشكيلِ الحكومةِ فلَن يُحفِّزهُ شيءٌ على المُشاركةِ والإِدلاءِ بصَوتهِ الإِنتخابي أَبداً.

 ٤/ لم يعُد النَّاخِب يشعُر بأَنَّ صندُوق الإِقتراع هو الأَداة والوَسيلة [الديمقراطيَّة] الآمِنة لتحقيقِ التَّغيير المَرجو.

 فمنذُ أَوَّل إِنتخابات دستوريَّة جرَت عام ٢٠٠٥ ولحدِّ الآن عجزَ النَّاخب عن إِنتاجِ كُتلةٍ برلمانيَّةٍ جديدةٍ من خلالِ صَوتهِ الإِنتخابي الذي يُدلي بهِ في صندُوق الإِقتراع، فالكُتل هيَ نفسَها والزَّعامات هي نفسَها و [الكُتلة النيابيَّة الأَكثرُ عدداً] هي نفَسها مهما غيَّر النَّاخب من خَياراتهِ أَو حسَّنَ من وعيهِ الإِنتخابي أَو طوَّرَ من إِرادتهِ الوطنيَّة في الإِصلاحِ والتَّغييرِ.

 والمُشكلةُ، بالتَّأكيد، ليسَت في النَّاخبِ وإِنَّما في القانُون الإِنتخابي الذي تفصِّلهُ القُوى السياسيَّة في كُلِّ مرَّةٍ حسبَ مقاساتِها وبطريقةٍ لا تدع فيها مجالاً لثغرةٍ قد يفلِت منها مُرشَّح خارِج السَّيطرة!.

 لن يثِق النَّاخب بالعمليَّة الإِنتخابيَّة ما لم يتأَكَّد بأَنَّهُ قادِرٌ على تغييرِ المساراتِ حسبَ إِرادتهِ وليسَ حسبَ إِرادة الزَّعامات الحزبيَّة، ولا يتحقَّق ذلكَ إِلَّا باعتمادِ قاعدةِ [صَوتٌ واحدٌ لمُواطنٍ واحدٍ] [بمعنى أَنَّ الفائِز في الدَّائِرةِ الإِنتخابيَّةِ هوَ الذي يحصِد أَعلى الأَصوات في صُندوقِ الإِقتراعِ من بينِ المُرشَّحين المُتنافسِينَ في الدَّائرةِ الواحدةِ] والتي يجِب أَن ينصَّ عليها القانُون الإِنتخابي المُعتمد ليحمي خَيارات النَّاخب وصوتهِ الإِنتخابي وكذلكَ يحمي الأَصوات الإِنتخابيَّة التي يكسِبها المُرشَّح من خلالِ صُندُوق الإِقتراع فلا تُسرَق أَو تُحرَق أَو تُزوَّر أَو يتمُّ التَّلاعُبَ بها.

 لقد نصَّت المادَّة [٥] من الدُّستور على أَنَّ [السِّيادة للقانُون، والشَّعب مصدَر السُّلطات وشرعيَّتها، يُمارسَها بالإِقتراع السرِّي العام المُباشر وعِبرَ مُؤَسَّساتهِ الدستوريَّة] فهل أَنَّها مُتحقِّقة على أَرضِ الواقعِ وفي العمليَّة السياسيَّة وفي إِدارة الدَّولة ومُؤَسَّساتها الدُّستوريَّة؟! لا أَبداً؛

 أ/ فالسِّيادةُ ليسَت للقانُون وإِنَّما للتَّوافُقاتِ التي تُنتج التَّحاصُص.

 ب/ والشَّعبُ ليسَ هوَ مصدَر السُّلطات لأَنَّ التَّوافُقاتَ الحزبيَّة وتدخُّلات [الغُرَباء] تعبَثُ بصوتهِ الإِنتخابي ولا تُعير لهُ أَهميَّة!.

 ٥/ إِذا لم يتُم إِحترام والإِلتزام والعمَل بالتَّوقيتات الدستوريَّة الوارِدة بخصوصِ تسميَةِ الرِّئاسات الثَّلاث وتشكيل الحكُومة فلن يتيقَّن النَّاخب بأَنَّ مُشاركتهِ في الإِدلاءِ بصَوتهِ في صُندوق الإِقتراع ذات جَدوى حقيقيَّة في رسمِ خارطةِ مؤَسَّساتِ الدَّولة بعدَ كُلِّ انتخاباتٍ برلمانيَّةٍ، فمثلاً؛ 

 تنصُّ المادَّة (٧٦) ثانياً [يتولَّى رئيس مجلس الوُزراء المُكلَّف تسمِيةِ أَعضاء وزارتهِ خلالَ مدَّةٍ أَقصاها ثلاثُونَ يوماً من تاريخِ التَّكليفِ.

 ثالثاً؛ يُكلِّف رئيس الجمهوريَّة مُرشَّحاً جديداً لرئاسةِ مجلس الوُزراء خلالَ خمسةَ عشرَ يوماً عند إِخفاقِ رئيسِ مجلس الوُزراء المُكلَّف في تشكيلِ الوزارةِ خلالَ المُدَّة المنصُوص عليها في البندِ (ثانياً) من هذهِ المادَّة].

 فهل تمَّ الإِلتزام ولَو لمرَّةٍ واحدةٍ بهذا السَّقف الزَّمني [الدُّستوري]؟!.

 عدمُ الإِلتزامِ بهذا التَّوقيتِ وبغيرهِ من التَّوقيتاتِ الدُّستوريَّة دليلٌ على:

 * أَنَّ الحاكميَّة ليست لنتائجِ الإِنتخاباتِ وإِنَّما للتَّوافُقاتِ السياسيَّةِ، فلَو كانت النَّتائج هي المِعيار لما تأَخَّرَ شيءٌ ولما تجاوزَت القُوى السياسيَّة السُّقوف الزمنيَّة الدُّستوريَّة كما هوَ الحال في كُلِّ ديمقراطيَّات العالَم لأَنَّ النَّتائج عمليَّة حسابيَّة واضِحة لا تحتاج إِلى المُماطَلة والتَّسويف والتَّأخير والتَّجاوز على التَّوقيتاتِ والسُّقوفِ الزَّمنيَّة الدُّستوريَّة، على العكسِ من التَّوافُقاتِ السياسيَّةِ التي استصحَبت المَشاكل والأَزمات التي رافقَت العمليَّة السياسيَّة منذُ انطلاقتَها عام ٢٠٠٣ ولحدِّ الآن!.

لا يثق النَّاخب كثيراً بصندُوق الإِقتراع إِذا لم يشعُر أَنَّهُ الفَيصل وحجَر الزَّاوية في بناءِ مُؤَسَّساتِ الدَّولةِ.

 فعندما يمرُّ عامٌ كامِلٌ مثلاً على انتخاباتِ المجلسِ التَّشريعي في إِقليمِ كُردستان مِن دونِ أَن [تتوافَق] القُوى السياسيَّة على صِيَغٍ [تُرضي] الجميع لينعقِدَ البرلمان وتتشَّكل الحكُومة المحليَّة، فكيفُ تُريدُ من النَّاخبِ أَن ينظُرَ لِصندُوقِ الإِقتراعِ بعَينِ الثِّقةِ والإِطمِئنانِ؟!.

 ٦/ يُشكِّكُ كثيرُونَ بشرعيَّة التَّمثيل النِّيابي للبرلمانِ القادمِ، ولأَسبابٍ:

 * تنصُّ المادَّة [٤٩] من الدُّستور على ما يلي؛

 أَوَّلاً؛ يتكوَّن مجلس النوَّاب من عددٍ من الأَعضاءِ بنِسبةِ مقعدٍ واحدٍ لكُلِّ [١٠٠] أَلف نسمةٍ من نفُوسِ العِراق يمثِّلونَ الشَّعب العراقي بأَكملهِ، يتمُّ انتخابهُم بطريقِ الإِقتراع العام السرِّي المُباشر، ويُراعى تمثيل سائرِ مكوِّنات الشَّعب فيهِ.

 أ/ فكيفَ سيتمثَّل كُل [١٠٠] أَلف نسمَة بمقعدٍ نيابيٍّ إِذا كانت مُحافظة مثِل بَغداد نسمتَها [٧] مليُون مُواطن تُشكِّل دائرةً إِنتخابيَّةً واحِدةً؟!.

 هل يُمكِنُ لأَحدٍ أَن يُثبِتَ لنا بأَنَّ كُلَّ مناطقِ بغداد ستتمثَّل في الفائزِينَ المُفترَضينَ إِذا كانت المُشاركة في منطقةٍ [١٠٠٪؜] وفي أُخرى [٠٪؜]؟! وهل سيتحقَّق مفهوم [الإِقتراع المُباشِر] في مثلِ هذهِ الحالةِ؟!.

 إِنَّ النَّصَّ الدُّستوري واضحٌ جدّاً ولا تتحقَّق مصداقيَّتهُ على أَرضِ الواقعِ إِلَّا إِذا تمَّ تقسيم المُحافظة إِلى عددٍ من الدَّوائرِ الإِنتخابيَّةِ يُساوي عدد المقاعدِ النيابيَّةِ المطلُوبةِ، كما هوَ الحال في ديمُقراطيَّات العالَم.

 ب/ في آخرِ إِحصاءٍ سُكَّانيٍّ [٢٠٢٤] تبيَّنَ أَنَّ نسمَةَ العراق قُرابة [٤٧] مليُون مُواطن، وحسبَ المادَّة الدُّستوريَّة فإِنَّ عدد مقاعِد البرلَمان يجِب أَن يرتفعَ إِلى [٤٧٠] مقعداً ما يعني أَنَّ حَوالي [١٦] مليُون مُواطن سوفَ لا يُمثَّلونَ في المجلسِ القادمِ، ما يطعَن بشرعيَّة التَّمثيل النِّيابي!.

 ج/ لقَد منعَ قانون الإِنتخابات ملايين العراقيِّينَ من حقِّ التَّصويتِ، وهوَ تجاوزٌ صارِخٌ على الدُّستور الذي يعتبر الصَّوت الإِنتخابي حقٌّ لا يُمكِنُ لأَحدٍ إِنتزاعَهُ مِن المُواطِن! ما يطعنُ بشرعيَّةِ التَّمثيلِ النِّيابي.

 د/ أَمَّا [كوتا] المُكوِّنات [المسِيحي نُموذجاً] فقد تمَّ إِفراغَها من مُحتواها وعلى مُستوَيَينِ؛

 * عندما وافقَ على أَن يُصوِّتَ لها كُل المُواطنينَ في كُلِّ شبرٍ من العراق! *وعندما منعَ المسيحيِّينَ خارِج العراق من حقِّ التَّصويت، علماً بأَنَّهم يُمثِّلونَ أَكثر من [٨٠٪؜] من عددِ نفُوسِ مسيحيِّي العِراق! 

 ٧/ إِنَّ عددَ وحجمِ التيَّارات السياسيَّة التي أَعلنت عن مقاطعتِها للإِنتخاباتِ أَو عدمِ المُشاركةِ بمُرشَّحينَ [وعلى رأسهِم التيَّار الوطني الشِّيعي] تركَ أَثراً واضحاً في قناعاتِ شرائِحَ كبيرةٍ من النَّاخبينَ المُشكِّكينَ بالأَصلِ في جدوائيَّةِ العمليَّةِ الإِنتخابيَّةِ التي تحوَّلت إِلى [عمليَّة تزكِية] أَو [إِعادة ثِقة] بالذينَ يُمسِّكونَ بزِمامِ الأُمورِ!.

 هُنا يلزَم أَن نُنبِّهَ إِلى نُقطةٍ في غايةِ الأَهميَّة وهيَ؛ أَنَّ المُشاركةَ في الإِنتخاباتِ مِن عدمِها هوَ حقٌّ دستورِيٌّ محضٌ وهوَ خَيار المُواطن حصراً لا يحقُّ لأَيٍّ كانَ أَن يُجبرَهُ على المُشاركةِ أَو يضغُطَ عليهِ حتَّى لا يُشارك.

 ولذلكَ يلزَم أَن نحترِمَ خَيار المُواطن في المُشاركةِ من عدمِها، فلا الذي يُشارك عميلٌ ولا المُقاطع خائِنٌ، فلكُلِّ واحدٍ منهُم تفسيرهُ ودليلهُ وتبريرهُ وفِهمهُ، ولذلكَ يلزَم إِحترام الجَميع [المُشاركُونَ والمُقاطعُونَ].

 وأَنا أُثني وأَشُدُّ على يدِ السيِّد الصَّدر عندما اكتفَى بقرارِ المُقاطعةِ من دونِ تخوينٍ أَو أَيِّ مَوقفٍ أَو مُمارسةٍ سلبيَّةٍ كالتَّظاهُرِ وإِغلاقِ الطُّرُقاتِ أَو تمزيقِ صُوَرِ المُرشَّحينَ أَو الإِعتداءِ عليهِم ولَو بكلِمةٍ نابيَةٍ.

 وبهذهِ العقليَّة الحَضاريَّة والأُسلوب الوَطني الرَّاقي سيتعاوَن الجميع على صيانةِ العمليَّة الإِنتخابيَّة مهما اختلَفنا معَها كما سنحمي السِّلم الأَهلي والأَمن القَومي للبلادِ من أَيَّةِ مخاطِرَ مُحدِقةٍ!.

 أَمَّا ظاهرة توظِيف [الدِّين] للتَّحريضِ على المُشاركةِ أَو المُقاطعةِ فهذا أُسلوبٌ معيب وأَمرٌ مُخجل، فالدِّينُ هُنا لا علاقةَ لهُ بالأَمرِ، خاصَّةً عندما يُخيِّر [مُعمَّمٌ] ما النَّاخب بينَ [الفَساد والفَوضى] أَو بينَ [الفاسِد والأَفسد] أَو بينَ [حرامي تعرفهُ وحَرامي لا تعرِفهُ]، فأَيٌّ دينٍ هذا الذي يُخيِّرُ الإِنسان بهذهِ الطَّريقة السَّخيفة التي يتوسَّل بها الفاشِلُونَ؟!.

دعُوا الدِّين جانباً ولا تحشرُوهُ في صراعاتِكُم الحزبيَّة وفي فسادِ السُّلطة، واتركُوا الخَيار للمُواطن ليُشارك أَو يُقاطع بوَعيٍ وإِدراك مهما اختلفنا معهُ، ولا يُقاطع أَو يُشارك خوفاً وهلعاً وكأَنَّ السَّماءَ ستنطبِقُ على الأَرضِ أَو أَنَّ [الشَّرع] سيُحرِّم عليهِ زَوجتهُ أَو المذهب في خطرٍ!.

 ٨/ لم يتغيَّر جَوهر الحمَلات الإِنتخابيَّة منذُ عقدَينِ، وعلى مُستوَيَينِ:

 أ/ هي شعاراتٌ مُكوِّناتيَّةٌ غابَ عنها الهمُّ الوطني والحِسُّ الوطني.

 لقد مرَّ قُرابة ربع قرنٍ والنَّاخب لا يسمَع ولا يقرأ ولا يرى إِلَّا حديثاً عن [حقِّ المُكوِّن] وإِذا سأَلَ أَحدٌ عن [حقِّ الدَّولة] و [حقِّ الوطَن] و [حقِّ الأَجيال] فلن يسمَع جواباً من أَيٍّ من الزَّعامات! فمتى سنُغادر لُغة [المكوِّنات] التي شرعنَها الدُّستور في كُلِّ مادَّةٍ من موادِّهِ بِدءاً من ديباجتهِ التي قسَّمت الشَّعب إِلى مكوِّنات [أَديان ومذاهِب وإِثنيَّات]!.

 ب/ هي شعاراتٌ طائفيَّةٌ وعُنصريَّةٌ وتسقيطيَّةٌ وهي حمَلات فضائِح.

 لم يسمَع أَو يقرأ أَو يُشاهد النَّاخب برامِجَ إِنتخابيَّة مُحدَّدة الأَهداف، آنيَّة وبعيدَة المدى وبمُددٍ زمنيَّةٍ مُحدَّدةٍ ليُتابعها ويُراقِبها النَّاخب فيما بعدُ ليتأَكَّد ما إِذا أَنجزها [أَو حاولَ] الفائِز طِوالَ السَّنوات الأَربع القادِمة من عمرهِ النِّيابي أَم أَنَّها كلامٌ [إِنتخابيٌّ] فارِغٌ منزُوع [الدِّسَم]؟!.

 في الديمقراطيَّات الحقيقيَّة يتنافس المرشَّحون على برامجهِم الإِنتخابيَّة أَمَّا في ديمقراطيَّتنا العتيدَة فيتنافسُونَ بالأَموال الضَّخمة والصُّور العظِيمة وبإِمكانيَّات الدَّولة والوعُود الفارِغة وحجمِ الكَذِب!.

 وما تيقَّنَ منهُ النَّاخب هوَ أَنَّ الحكومة تُقدِّم برنامجاً حكوميّاً للبرلمانِ لنيلِ الثِّقةِ فيما تُسوِّق لشيءٍ آخر! فمثلاً؛ لم يقرأ المُواطن في برنامجِ حكومةِ السُّوداني شيئاً عن المُجسَّراتِ، لكنَّهُ قرأَ أَشياء عن الماءِ والكهرباءِ، وخلال [٣] سنوات من عمرِها صمَّت أَبواقها آذان المُواطن بالصُّراخِ عن المُجسَّراتِ [وهي من واجِباتِ مُدير البلديَّة] ولم يسمَع منها حديثاً على الإِنجاز في ملفَّاتِ الماءِ والكهرَباءِ! هذا يعني أَنَّ الحكُومة لا تلتزِم ببرنامجِها الذي من المُفترضِ أَن يكونَ قد أَدرجَ الأَولويَّات لإِنجازِها، وإِنَّما هيَ تنشغِلُ بإِنجازِ ما يُعتبَر [طشَّات إِعلاميَّة] لتضليلِ وإِيهامِ المُواطن بنجاحاتٍ من نوعٍ ما للتَّجديد في الوِلايةِ!.

 الفرقُ بينَ رجُل الدَّولة ورجُل السُّلطة؛ الأَوَّل يهتمُّ بما سيَرى آثارهُ بعدَ عقدٍ من الزَّمنِ! والثَّاني ينشغِل بإِنجازِ ما يقرأَهُ في الإِعلامِ باليَومِ التَّالي.

 ٩/ هل يمكنُ أَن تُعيدَ [الطَّبقةُ السياسيَّةُ الحاليَّة] العراق عظِيماً؟!.

 تقولُ القاعِدةُ الذهبيَّةُ أَنَّ الذي يُساهِمُ في صناعةِ المُشكلةِ أَو أَنَّهُ جُزءاً منها لا يمكِنُ أَن يأتي بالحلِّ أَو أَن يكونَ جُزءٌ من خُططهِ.

 وهذهِ الطَّبقةُ السياسيَّةُ هي التي خلقَت المُشكلة واعتاشَت عليها فاستمرَّت تُمسِكُ بزِمامِ الأُمورِ في البلدِ بسببِها، فهل يُمكِنُ أَن تكونَ هي الحلُّ أَو جُزءاً منهُ؟! المجنُون فقط هو الذي يتوقَّع مِنها ذلكَ.

 الإِصلاحُ بحاجةٍ إِلى:

 * عقليَّةٍ جديدةٍ ومنهجيَّةٍ مُغايرةٍ للواقعِ، وهؤُلاء لا يمكنهُم أَن يُغيِّروا عقليَّاتهِم ومنهجيَّاتهِم لأَنَّهُم أُبسِلُوا عليها واستفادُوا مِنها [سُلطة ومال ونفُوذ وامتيازات] والعقليَّةُ الجديدةُ ستنِسف كُلَّ ذلكَ فكيفَ تنتظِر منهُم أَن يغيِّرُوا عقليَّتهُم التي درَّت عليهِم [حليباً وعَسلاً وذهباً]؟!

 * أَدواتٍ جديدةٍ تتَّصِفُ بأَخلاقيَّاتٍ جديدةٍ وبرصيدٍ وصفاتٍ جديدةٍ هي على النَّقيضِ من أَخلاقيَّاتِ الأَدواتِ الحاليَّة.

 لا يكفي أَن تتغيَّر العقليَّة وتبقى الأَدوات نفسَها، والعكسُ هو الصَّحيحُ، فلا يكفي أَن تتغيَّر الأَدوات وتبقى العقليَّة على ما هي عليهِ!.

 إِنَّ قصَّةَ [الإِصلاح والتَّغيير] التي قادَها نبيُّ الله يوسف (ع) مَصدرُ إِلهامٍ لنا إِذا أَردنا أَن نُعيدَ العراق عظيماً وفي غيرِ ذلكَ فإِنَّ الشِّعارَ [حلمٌ] يخدِّر العراقيِّينَ إِلى إِشعارٍ آخرَ، فلقد أَعادَ يوسُف (ع) مِصرَ عظيمةً بخِصلتَينِ اثنتَينِ هُما عماد العقليَّة والأَدوات الجدِيدة التي تقُود الإِصلاح والتَّغيير (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ).

 ١/ [حفيظٌ] أَي نزيهٌ وأَمينٌ، يحفَظ المال العام فلا يسرُق منهُ شيئاً أَو يوظِّفهُ لشِراءِ الذِّمَمِ ولا يهدر ثرَوات البلد بمشاريعَ استعراضيَّةٍ.

٢/ [عليمٌ] أَي صاحبُ خِبرةٍ في التَّخطيطِ وتدبيرٌ في الإِدارةِ يعرِفُ كيفَ يُحوِّلُ الفشَلَ إِلى نجاحٍ والخَسارةَ إِلى ربحٍ، ويمتلكُ القُدرةَ الخلَّاقةَ على رسمِ الخُطَطِ الآنيَّة والإِستراتيجيَّة الكفِيلة باقتناصِ الفُرصِ للإِصلاحِ.

 أَعرفُ أَنَّ العراق يخلو من [يوسُف] ولكنَّهُ لا يخلو من [رَجُلٍ رَّشِيدٍ] [يأوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ] فيشكِّلُ فريقاً من الطَّاقاتِ الخلَّاقةِ للإِستشارةِ والتَّخطيطِ والتَّنفيذِ يتميَّز هوَ وكُلُّ مَن معهُ بالخِصلتَينِ (حَفِيظٌ عَلِيمٌ).

اضف تعليق